22 ديسمبر، 2024 7:50 م

الغباء السياسي الايراني في التعاطي مع التظاهرات العراقية … واسباب تعدد المكلفين لتشكيل الحكومة

الغباء السياسي الايراني في التعاطي مع التظاهرات العراقية … واسباب تعدد المكلفين لتشكيل الحكومة

يبقى الرأي المقدم ادناه يمثل تعبيرا”عن رأي شخصي ، ووجهه نظر مستنده على تحليل سياسي للاحداث الجارية في العراق ومعتمدة ايضا” على تحليل سياسي سايكولجي للمواقف والخطابات والبيانات السياسية للاحزاب والشخصيات ، ومحاولة معرفة ما يدور داخل اقبية السياسة من اتجاهات واثرها على الوقائع السياسية ، من الممكن ان يشكك القارئ في طريقة ربط الاحداث التي اتناولها لكنني ادعوه الى التأمل والتفكر والتريث في اطلاق الاحكام .

القصة الكاملة
مع بداية نشوء التظاهرات التشرينية في ٢٠١٩ في بغداد ومحافظات اخرى في وسط وجنوب العراق ، استند السياسي الايراني ومن يرتبط معه في العراق من شخصيات واحزاب سياسية ومنظمات وحركات مسلحة على ( فرضيتين وقاعدتين مغلوطتين) لتفسير حركة التظاهر والاحتجاج :

الافتراض الخاطئ الاول : هو ان تظاهرات تشرين ٢٠١٩ ، تتشابه مع نظيراتها في تظاهرات ٢٠١٥ و ٢٠١٣ من طبيعة المشاركين فيها ، فقد كان الافتراض هو ان الغالبية العظمى من المشاركين هم من المحسوبين على التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر ، ونسب اخرى صغيرة من المدنيين والشيوعيين الناشطيين .

وللمتتبع للخطابات والتغريدات والتصريحات لبعض الشخصيات السياسية وقادة التنظيمات المسلحة في بواكير الازمة ، يجد بوضوح اتهامات مباشرة موجهه للتيار الصدري لقيادته التظاهرات لغرض الابتزاز والحصول على مكاسب اضافية ، ومما عزز هذا الاعتقاد والافتراض هو تزامن التظاهرات مع بواكير أزمة ظهرت بين مقتدى الصدر وقادة في تحالف البناء لاحل المناصب الخاصة في الحكومة العراقية ( بعد ان تقاسموا الحكومه فيما بينهم ) ، ايضا مما ساهم في تعزيز هذا الافتراض هو ترويج قيادات التيار الصدري قيادتهم لشراع التظاهرات ، وايهام الفرقاء السياسيين المحليين والمراقبين الايرانيين ان التيار الصدري وقيادته هو الراعي الاساسي والمباشر في التظاهرات كما يظهر ذلك بشكل واضح في خطاباتهم ودعواتهم وبياناتهم الدورية ، واقعا” لم يكن هذا الترويج حقيقيا” على ارض الواقع ، والمشارك في التظاهرات يعي بشكل جلي محدودية المشاركة من قبل جمهور التيار الصدري ، ولا يؤثر انسحابهم او استمراهم على مصير التظاهرات ، هذا الامر الذي اثبت لاحقا” بعد شهور عدة من انطلاقة التظاهرات .

سبب هذا الاعتقاد لدى ايران والقوى السياسية العراقية الى تبني سياسة ( الصبر ) على التظاهرات لاطالة امدها ومحاولة لاستنزافها والمراهنة على تسرب المتظاهرين تدريجيا بالاعتماد على عامل الوقت ، وايضا” من خلال اعتماد ممارسات القمع والملاحقة والاستنزاف .

وبعد ما يقارب الاربع شهور من الازمة وما رافقها من تشنج وتطور بالصراع الامريكي الايراني ، واحداث جديدة دخلت على خط الازمة ممكن ان تتطور وتنبأ بصراع عسكري ابتدأ بعمليات اغتيال امريكية لقيادات ايرانية في بغداد ورد طهران بهجوم صاروخي على قواعد امريكية ، كان لا بد من الايرانيين اتخاذ خطوات جادة لانهاء ازمة التظاهرات في العراق ، والتي من الممكن ان تتسبب في تزايد الصراع الدولي بين ايران وامريكا ، لذلك قررت ايران في خطوتها التالية التنازل لمقتدى الصدر عن رئاسة الحكومة العراقية شريطة ان ينهي الصدر ازمة التظاهرات مباشرة .

قدم مقتدى الصدر مرشحه لرئاسة الوزراء توفيق علاوي وفور الاعلان عن التكليف امر مقتدى الصدر بسحب اتباعه من التظاهرات ورفع خيمهم ، لكن النتيجة كانت صادمة بالنسبة لمقتدى الصدر وايران والمرتبطين معها سياسيا وعقائديا” ، فبدلا” من ان تنتهي التظاهرات والاحتجاجات ازداد زخمها واتسعت رقعتها ، فما كان على الصدر الا الايعاز الى القبعات الزرق لمحاولة تفريقها بالقوة كما هو معروف وثابت في الاحداث ، الا ان محاولاته قد بائت بالفشل رغم سقوط عديد من المتظاهرين بين جريح وشهيد .

ان فشل مقتدى الصدر في انهاء التظاهرات خلال فترة تكليف مرشحه لرئاسة الوزراء توفيق علاوي ، خلال شهر كامل ، قد اظهر بوضوح الخطأ الجسيم في فهم الساسة الايرانيين واتباعهم من الاحزاب العراقية لمحرك التظاهرات الحقيقي ، لينتهي الامر بفض الاتفاق بينهم وبين مقتدى الصدر حول تكليف توفيق علاوي ، لينسحب المكلف في الساعات الاخيرة عشية موعد عرض حكومته على البرلمان حفظا” لماء الوجه .

الافتراض الخاطئ الثاني :
افتراض مغلوط اخر عند الاعب الايراني المسيطر على المشهد العراقي ، متزامن مع الافتراض الاول ، هو ان التظاهرات والمتظاهرين ما هي الا حركة مناهضة للسياسة والمشروع العقائدي الايراني او الشيعي ، مدعومة من سفارات الدول الغربية للولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل ، وما هي الا (( مؤامرة )) غربية تستهدف السلطتين في ايران والعراق ..!!
كان هذا التصور هو اكثر وضوحا” في خطابات كبار رجال الدين في طهران ورجال السياسة والامن كالحرس الثوري وفيلق القدس الايرانيين ، وانعكس بصورة ببغاوية على خطابات القادة السياسيين ورجال الدين-السياسي في العراق وروج في قنواتهم الاعلامية بكثرة ، حتى باتت لفظة ( الجوكرية – اشارة الى اتهام المتظاهرين بالعمالة للامريكان ) متصدره لنشرات الاخبار ومقالات الرأي ومانشيتات الفضائيات .

مؤخرا”، وللمرة الثانية ، قدمت ايران واتباعها تنازلا” جديدا” لانهاء أزمة التظاهرات كوسيلة لانهاء الضغوط الامريكية المتزايدة عليها الامنية والاقتصادية ، لكن هذه المرة قدمت تنازلا” مباشرا” للولايات المتحدة والذي يتمثل بالتنازل عن سيطرتها لمنصب رئاسة الحكومة العراقية لشخصيات تظنهم متبعوين للولايات المتحدة ويمثلون اجندتها ومخططاتها ، فقد كان الرأي السائد الى اليوم بان الولايات المتحدة ترغب بتولي رئاسة الوزراء لاحد المرشحين ( الزرفي او الكاظمي ) وان من يمثل مخططات الولايات المتحدة هو الرئيس برهم صالح ..!! ( من وجه نظرهم بالتأكيد ، ويمكن لمتتبع الاعلام خلال الفترات السابقة ان يعيد الى اذهانه حجم الاتهامات المباشرة ضد الرئيس برهم صالح وضد الزرفي الذي وصف بالجوكر لمساندته الاعلامية للمتظاهرين ، وللكاظمي الذي اتهم لاحقا” بتهمة اشتراكه بتوفير معلومات ادت الى عملية القصف والاغتيال لقادة ايرانيين في مطار بغداد ) ، ويؤكد هذا الرأي التصريح الاخير لمحمد الغبان القيادي البارز في تحالف الفتح المقرب لدى ايران والمحسوب على ( محور الممانعة والمقاومة ) والذي يعمل بشكل علني على تبني الاجندات والسياسات الايرانية ، ظنا” من الايرانيين واتباعهم ان حركة الاحتجاج التي تستهدف النظام السياسي العراقي والاحزاب التي شاركت فيه هو احتجاج مقصود سياسيا” ويمثل حلقة من حلقات الصراع بين ايران وامريكا ..!!
وسرعان ما سينكشف خطأ هذا الافتراض الثاني بعد استمرار التظاهرات الشعبية واثبات هويتها الوطنية في الايام والشهور المقبلة لتشكل صدمة ثانية كبيرة للسياسي الايراني ومتبوعه العراقي .

يوم غد ، العاشر من ايار ٢٠٢٠ ، هو موعد جديد للتظاهر ، قد تم التحشيد له تحت شعارات جديدة تؤكد على عودة الاحتجاج بقوة موسوم بعبارة ( وعد ترجع الثورة ) المعبر عن رغبة المتظاهرين بالاستمرار لتحقيق الاهداف المنشوده .

وبالرغم من تشكيكي الشخصي حول نمو ظاهرة التظاهر في الايام القريبة القادمة لاسباب اعزيها لكوننا نمر بايام شهر رمضان واسباب تتعلق بانتشار وباء كورونا ، الا انني اتوقع عوده الاحتجاجات وحركة التظاهر بقوة خلال الفترة القادمة التي لا تتعدى اشهر معدودة لاسباب اعزيها باستقراء مستقبل اداء الحكومة الجديدة (حكومة الكاظمي) ، وتنبؤي بفشلها لاسباب عديدة منها اسباب تتعلق ببنوية النظام وطبيعته ، واسباب اخرى ترتبط بمستوى وكفاءة الشخصيات المؤزرة في الحكومة واختيارها لمعالجة القضايا المصتعصية في ظل ظرف اقتصادي ومالي عصيب .

ان غياب التحليل الموضوعي للفاعل السياسي الايراني له ولاتباعه في العراق ، لا يمكن ان يوصف الا ( بالغباء السياسي ) العميق والجهل الكبير حول معرفه الاسباب الرئيسية والمباشرة التي قادت الناس الى التظاهر ، فالمشاكل الاقتصادية وعلى رأسها البطالة وضعف الخدمات والغلاء هي من دفعت الشباب الى المطالبة بحقوقهم ورفع شعارات ( نازل اخذ حقي ) ،وتكرار الفشل في الحكومات المتعاقبة واستمرار الفساد وتفشيه وظهور الطبقية والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية هو من دعا المتظاهرين لتبني شعار اخر هو ( الشعب يريد اسقاط النظام ) .

فلا الابتزاز السياسي للتيار الصدري ، ولا نظرية المؤامرة هي السبب في تحريك التظاهرات ، فكلاهما حاولا ركوب الموجة للوصول الى مكاسب سياسية لا اكثر ، وتبقى التظاهرات والمطالبات شعبية تنتظر حلول عملية وفعلية يلمسها المواطن .

نبيل جبار العلي التميمي – سياسي ليبرالي مستقل ،كاتب وباحث في الشأن السياسي والاقتصادي