بالرغم من عدم صدور نتائج رسمية من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حتى هذه اللحظة , إلا أنّ هذا لم يمنع من تسّرب بعض المعلومات شبه المؤكدة عن نتائج هذه الانتخابات , فجميع المعلومات المتسّربة تؤكد أنّ تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي , يحقق تقدما كبيرا في بغداد وعموم محافظات الجنوب والفرات الأوسط , حتى أنّ بعض هذه الأخبار المتسّربة تؤكد أنّ نوري المالكي شخصيا ولوحده , قد تجاوز حاجز المليون ومئتي ألف صوت في بغداد , وإن صّح هذا الخبر فهذا يعني أنّ إجماعا شعبيا شبه تاما قد انعقد لنوري كامل المالكي , فالذي يحصل على نصف اصوات الناخبين تقريبا في بغداد ولوحده من بين المئات من المرشّحين , ليس بالأمر العابر , بل هو دالة على الإجماع والتأييد الشعبي التام للشعار الذي رفعه ودعى إليه في حكومة الأغلبية السياسية , ولا شّك أنّ هذا التأييد العارم لحكومة الأغلبية السياسية , لم يأتي من فراغ , بل هو نتيجة مخاض عسير قد مرّت به العملية السياسية في العراق , منذ سقوط النظام الديكتاتوري وحتى هذه اللحظة , هذه العملية التي قامت على أساس مبدأ الديمقراطية التوافقية .
والعراقيون بعد هذه التجربة المريرة اصبحوا على قناعة تامة , أنّ كلّ هذه المعاناة المتمّثلة بانعدام الأمن والفساد المالي والإداري وقلة الخدمات وغياب التخطيط الاقتصادي السليم الهادف والعلمي , سببها حكومات التوافق والمحاصصات الطائفية والقومية البغيضة ,التي أرستها الديمقراطية التوافقية . وإنّ الخطوة الأولى في الخلاص من كل هذه التبعات , هو في العودة لجوهر النظام الديمقراطي القائم على أساس حكم الأغلبية الذي تمثله حكومة الأغلبية السياسية , ونتائج الانتخابات المتسّربة قد عكست رغبة العراقيين في التغيير باتجاه حكومة الأغلبية السياسية والتخلص نهائيا من أدران حكومات التوافق والمحاصصات الطائفية والقومية .
ويبدو أن عباقرة المجلس السفسطائي الأعلى قد أدركوا أنّ حكومة الأغلبية السياسية التي نادى بها غريمهم نوري كامل المالكي , قد اصبحت قاب قوسين أو أدنى , بعد هذا النجاح الساحق الذي حققه شخصيا في هذه الانتخابات , فلجأوا إلى طريقتهم المعهودة في التعكزّ على الشعارات الفارغة والمناداة بها , فمرّة ينادوا بالشراكة الوطنية , ومرّة ينادوا بالطاولة المستديرة , وهذه المرّة على حكومة الغالبية السياسية القائمة على أساس مشاركة جميع المكوّنات في الحكومة , في محاولة لتمييع مطالب الشعب بحكومة الأغلبية السياسية , وخلق حالة من التشويش بين المفهومين عند الناس , فحكومة الأغلبية السياسية التي يطالب بها الشعب , هي حكومة أحزاب وبرامج سياسية متقاربة بالأهداف والمصالح , أمّا حكومة الغالبية التي دعى إليها المجلس السفسطائي الأعلى , هي ذاتها حكومة المحاصصات الطائفية والقومية التي يرفضها عامة أبناء الشعب العراقي .
والحقيقة إنّ هذا النوع من السفسطة السياسية الفارغة , يعّبر عن ضياع فكري وسياسي , ويؤشر بشكل واضح على تفاهة وفشل الوراثات السياسية , فهذه الوراثات تريد أن تثبت للعالم أنّها قيادات سياسية كبيرة وذات شأن ومتمّرسة بعلوم السياسة وقواعدها , وتتصوّر أنّ إطلاقها لمثل هذه المصطلحات الفارغة سيجعل الناس تلتّف حولها وتتمسك بها , فالشعب العراقي ليس ساذجا أيها السفسطائيون في المجلس السفسسطائي الأعلى , لتضحكوا عليه بمثل هذه الترّهات والشعارات الفارغة والسخيفة . وإذا كنتم حريصون فعلا على تحقيق طموحات أبناء شعبكم , فنصيحتي لكم أن تضعوا أياديكم بايادي أخوتكم في تحالف دولة القانون , لتشّكلوا حكومة الأغلبية السياسية , وليس حكومة الغالبية السياسية , وتضعوا حدا لمهزلة ما يسّمى بشراكة المكوّنات في الحكم .