7 أبريل، 2024 9:53 ص
Search
Close this search box.

الغائب عن العصر

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يعد أحد يشك بأن الأمم التي ستتحكم في علم وتقنيات الذكاء الاصطناعي هي التي ستكون سيدة العالم في المستقبل القريب. فما هو هذا الذكاء الاصطناعي الذي يشغل العالم المتقدم ولا يثير كبير اهتمام في جل البلدان العربية؟

هو نظام معلوماتي قادر ليس على محاكاة الدماغ البشري فحسب بل على التفوق عليه والقيام بأحسن وأسرع ما يقوم به بعشرات المرات. ففي مجال الطب مثلا يمكنه تشخيص المرض بسرعة فائقة وخاصة في مبحث السرطان، وفي ميدان النقل يضطلع بقيادة السيارة أو الطائرة أو القطار.

وقد أصبح واضحا منذ الآن أن مجمل الأعمال والمهن التي يمارسها البشر هي في طريقها إلى التغيّر أو الاندثار بسبب منافسة الذكاء الاصطناعي. في ما يتعلق بمرض السرطان، أظهرت جامعة ستانفورد أن ذكاء غوغل الاصطناعي قادر على تحليل جلد المريض واكتشاف السرطان أحسن من أطباء الأمراض الجلدية الإثنى عشر المصنفين الأفضل على مستوى كاليفورنيا. وفي مجال الطب دائما، ما يقوم به اليوم اختصاصي الأشعة على سبيل المثال سيكون بمقدور الذكاء الاصطناعي القيام به كليا بعد 20 أو 25 سنة. وعلى المختص أن يغير نشاطه إلى قطاعات يكون فيها مكملا للذكاء الاصطناعي وليس فريسة له.

وسيمتد هذا الأمر شيئا فشيئا إلى معظم قطاعات النشاط الأخرى. ومع مرور الزمن يصبح الذكاء الاصطناعي أقوى من أصحاب كثير من المهن وسيضطرون إلى تغيير مهنهم أو الانتقال إلى قطاعات أخرى لم يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي بعد. وسيحدث نفس الشيء مع السائق والمصرفي ورجل القانون.. ولكن هذا لا يعني اختفاء كل المهن البشرية بل ستأخذ أشكالا جديدة أخرى.
تخطيط: ساي سرحان
ومع كلّ ذلك لم يبدأ التفكير في تجديد وتكييف برامج التعليم في المدارس والجامعات في أغلب البلدان العربية. هل نستمر في تخريج متخصصين في كل المجالات على الطريقة الكلاسيكية وسيكونون حتما في مستقبل قريب ضحية منافسة تطبيقات الذكاء الاصطناعي أم سنبدأ التفكير في توجيه الشبان والشابات إلى حيث لا تصل برامج الذكاء الاصطناعي لتجنب منافستها الضارية؟

من أجل الاستعداد لعالم الغد هذا، ينبغي توفر كثير من المرونة وتعدد الاختصاص والثقافة العامة والاطلاع على العلوم الإنسانية وتاريخ الأفكار والفلسفة لضمان مكان ما في زمن الذكاء الاصطناعي، ولا يجب أبدا التوجه نحو اختصاصات يكون فيها هذا الذكاء حاضرا بقوة. ستبقى النشاطات الإبداعية وحدها في مأمن شريطة أن تعمل جنبا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي للوصول إلى ما هو أفضل. وطبعا نحن هنا نتحدث عن “الذكاء الاصطناعي الضعيف” الذي لا يملك وعيا بذاته بعد ولا مشروع له والذي يستطيع مثلا أن يقود سيارة أحسن من سائق وأن يقرأ نتائج فحص طبي على الماسح الضوئي أحسن من طبيب الأشعة وغيرها من الأعمال الدقيقة جدا، ولكنه لا يعرف ما هو السرطان أو السيارة أو السياقة. والمنتظر المخيف حسب كثير من الدراسات الاستشرافية هو انبثاق “ذكاء اصطناعي قوي” في حدود 2035 يكون حاملا لوعي اصطناعي ذاتي ومن ثمة لمشروع خاص.

والسؤال المغيب: أين العرب من كل هذا؟

لا أحد ينفي وجود كفاءات علمية وتقنية عربية كثيرة مؤثرة في عاصمة الذكاء الاصطناعي، وادي السيليكون ذاته، ولكن لا وجود في بلدان العرب لمحطات تكنولوجية لصنع الذكاء المحتكرة من طرف 12 منتجا من بينها غوغل، آبل، فيسبوك، أمازون، ميكروسوفت، إب.م…

وللأسف لا يفعل العرب سوى المساهمة في “تربية” هذا الذكاء الاصطناعي لدى غيرهم، بمعنى تزويده في كل ثانية تمرّ بملايين المعلومات وهم يمرون كبقية الإنسانية بطبيعة الحال على فيسبوك أو ميسنجر وغيرهما ويتركون الصور ومختلف الوثائق.

ولتقريب الصورة أكثر ينبغي أن نعرف أنه لكي يتعرف طفل صغير على دجاجة مثلا يكفي أن نجعله يشاهد صورتها 4 أو 5 مرات بينما يتطلب الأمر بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي مليون مرة. ولا يملك مثل هذا العدد سوى عمالقة الإنترنت المذكورين غوغل وآبل وفيسبوك.. الخ.

ومن هنا سيصبح العالم العربي مستعمرة رقمية مستقبلا في يد الأميركيين والصينيين، إذ ما الفائدة من تكوين علماء في الرياضيات والفيزياء ومختلف العلوم والتقنيات حينما لا يكون لديك منصات عظمى لـ”تربية” الذكاء الاصطناعي لأن هذا الذكاء “يربّى” ولا يبرمج؟

نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب