لايمكن لعاقل ان يجد بطاطا او طماطة بسعر ربع دينار للكيلو ويشتري بطاطا او طماطة بسعر نصف دينار للكيلو من السوق نفسه. لاسيما اذا كانت البضاعتان متقاربتين في الجودة .
واذا ما كان جميع المتسوقين عاقلين وعقلاء و عقلائية في العراق . فانهم حتما – دون قصد – سيقتلون الزراعة العراقية ويهينون الفلاح العراقي الذي اصبح تحت رحمة الوزارات الفاسدة والمديريات المختلسة وهي تحتقر الزراعة العراقية ، تضغط عليها و تبتزها ، فيما تتيح لتجار السحت الحرام استيراد الفواكة والخضرورات والمواد الصناعية والزراعية الاخرى من الدول المجاورة بتسهيلات وتواطؤ ملحوظ ، فتأتيك باسعار اقل بكثير من سعرالبضاعة الوطنية .
في مثل هذه الحال القرار الاكثر حكمة يفترض ان يكون الغاء او تحريم الزراعة وجعل الفلاح العراقي يغادر ارضه ويعمل حمّالا في الاسواق التي تسوّق البضاعة الأجنبية ، بدل ضياع الوقت في الزراعة والسقي وانتظار ايام الحصاد. و معنى الغاء الزراعة والصناعة يعني الغاء الوطن .
ربما يستغرب احد ان ابدأ بالطماطة والخس موضوعا عن مصير الوطن ووجوده ، لكنها الحقيقة ، لاننا اعتدنا ان نتعامل مع الوطن من منطلق شعري فلسفي فوقي ، من منطلق الحرب والسلام والولاء والخيانة والتسليح والتحالفات ، تاركين ركائز الحياة الاساسية تنتهك ،فالارض بائرة والانهر ناشفة والعمال عاطلون والفلاحون بؤساء والمستشفيات اسطبلات بلا عناية ، والكفاءات تهاجر ، ونتحدث عن التاريخ والمستقبل والحدود وتقسيم البلد والخرائط المفترضة التي تضعها مراكز النفوذ الدولية . وكل هذا ليس له ادنى قيمة ازاء شرايين الحياة وبنية البلد والمجتمع الاساسية ، تلك بايديهم وهذه بايدينا ، فالجائع ومن تنتهك عائلته وحياته وشرفه ، تكون العدالة لديه اهم من الوطن. والمواطن المنتج يرى في حمايته بالقانون واجراءات السلامة والدعم اهم من الحفاوة الاعلامية التي تزول بعد التصوير !
في بريطانيا ، الفلاحون طبقة ثرية ، وهذه البلدان الراسمالية التي تحسب الموارد فلسا فلسا لاتفرط بالعائلة والمجتمع الزراعي الذي جعلته اكثر طبقات المجتمع ترفا وثراء ، من توفير اراض باسعار رمزية وقروض ميسرة لشراء المكائن الزراعية وتوفير التكنلوجيا الحديثة الى بيع الوقود باسعار مخفضة . والاهم من ذلك توفير شركات التصنيع والتعليب والتغليف والتسويق التي تنصب اجهزتها داخل المزارع . هذه الامتيازات ” الوطنية ” هي التي تجعل المنتوج المحلي قادرا على منافسة السلع المستوردة لاسيما في اسواق اوربا المفتوحة لكل منتوج من جميع انحاء العالم .
الثرورة الطبيعية في اي بلد ليست ميزة له ولأنسانه ، لانها ثروة جاهزة موروثة ومنزلة من السماء ، الميزة الحقيقية هي في تصنيعها واستثمارها وتحويلها من مصدر احادي متذبذب الى مصادر انتاجية ثابتة لاتؤثر فيها تقلبات الاسواق ولاتتلاعب بها المصالح ، خلاف ذلك وببساطة شديدة مايحدث لدينا هو جريمة سياسية واقتصادية ليس المواطن ضحيتها حسب بل الوطن نفسه.