سَنَواتٌ طَويْلَةٌ، وَ مَطحَنَةُ الإِرهَابِ تَدورُ رُحَاهَا فِي العِرَاقِ، عَلى أَروَاحِ العِرَاقِيّينَ الأَبريَاء. أَمامَ هذهِ الوَتيرَةِ المُستَمِرَّةِ، مِنْ اسْتِهدَافِ الأَبريَاءِ، يَستَمِرُّ النَّاطِقونَ الرَّسميّونَ، باسْمِ الحكومَةِ، وَ باسْمِ وِزَارَةِ الدِّفاعِ، وَ باسْمِ وِزَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَ باسْمِ قيادَةِ عمليّاتِ بَغدَادَ، إِضَافةً إِلى الكَثيرِ مِنَ البرلمانيّينَ وَ السِّياسيّينَ، بِتِكْرارِ تصريحاتٍ، باتَتْ مَعروفَةً لِكُثْرَةِ إِعادَتِها، عَلى مَسامعِ العِراقِيّين. هذهِ التَّصريحاتُ المُختَلِفَةُ، تَنتَهيْ دائماً، بنَتيجَةٍ واحِدَةٍ هِي: (تَدَخّلُ دُوَلِ الجوارِ في الشَأنِ العراقي، وَ تَجنيْدِها للإِرهابيّينَ، لِتَخريبِ العَمليّةِ السِّياسيّةِ فِي العِرَاق). إِنَّ هذا التَّوصيفُ الّذي يَشمِلُ دُولَ جِوارِ العِرَاقِ وَ هي: (إِيران، تركيا، سوريا، الأردن، السعودية، الكويت)، وَ لَمْ يُحَدِّدْ المَسْؤولُونَ، أَيّاً مِنْ هذهِ الدُّوَلِ، هِي المَعنيّةِ بالموضوعِ؛ بشَكلٍ مَدْعومٍ بأَدِلَّةٍ ثُبوتيَّةٍ، وّ هَذا خَطأ كبيرٌ جداً، وَقعَ بهِ المَسؤولونَ في الدَّوْلَةِ العِراقِيّة.
بِلا شَكٍّ، أَنَّ هناكَ استراتيجيَّةٌ مُوجّهةٌ، لتَحطيْمِ العمليّةِ الدِّيمُقراطيَّةِ في العراق. وَما الأَعمالُ الإِرهابيَّةُ، وَ الفَسادُ الماليّ، وَ تَوابِعَهُما في مفاصلِ الدَّوْلَةِ، إِلاّ أًعمالٌ تَكتِيْكِيَّةٌ للوصولِ إِلى الهَدفِ المرَكَزيّ. إِنَّ الإِصْرارَ الصّارِمَ، مِنْ قِبَلِ المَسؤولينَ العِراقيّينَ، بعدمِ كَشفِ اسمِ الدَّوْلَةِ، أَو الدُّوَلِ المحادِدَةِ للعِرَاقِ، وَ الّتي تَسْعَى لتَدْمِيرِ النِّظَامِ الدِّيمُقراطيّ فِي العِرَاقِ، لَمْ يُخرَقْ إِلاّ بَعدَ تَصريحِ السَيّدِ المالكيّ، كَمَا جَاءَ فِي، (مَوقِع السومريّة نيوز في 15 حزيران 2012): (و تعدّ اتهامات المالكي لقطر والسعودية، الأولى من نوعها التي يُطلقها بشكل مباشر، إذ كانت تقتصر على مقربين من المالكي، دأبوا على إطلاقها لاسيما في الفترة التي تلت انعقاد القمة العربية في بغداد في (29 اذار2012)، بعد ان شهدت هدؤاً نسبيا قبيل القمّة، كما تعدُّ اول اتهامات مباشرة، من المالكي للدولتين بمحاولة اسقاط النظام العراقي، خلال الولاية الثانية له).
إِنَّ العملَ الإِرهابيّ فِي العِرَاقِ، خَرجَ مِنْ طَوّْرِ النِّزاعِ المَحَلِّي، الّذي تُسَيّطِرُ عَليّهِ أَطْرافٌ دَاخِليَّةٌ، وَ إِنْ كانَتْ تُحَرِّكُها (إِراداةٌ خَارجيَّةٌ). فَقَدّْ دَخَلَ العِرَاقُ بَعدَ أَحداثِ سُورِيّا، فِي مَرحَلَةَ الصِّراعِ الدُّوَليّ. فأَصبَحَتْ السَيْطَرةُ على النَّشَاطِ الإِرهابيّ، فِي هَذهِ المَرحلَةِ، تَختَلِفُ فِي تَفَاصِيْلِها، عَنْ سَابِقَتِها. فَفِي المَرحَلَةِ الأُوْلَى، كانَتْ تُرِيدُ بَعضُ الجِّهاتِ السِّياسِيَّةِ إِعادَةَ تَرتيْبِ أَوْرَاقِها، عَنْ طَرِيقِ ضَغْطِ المَجَامِيعِ الارهابيَّةِ، لِلحصولِ عَلى مَساحةٍ أَكبرَ، في دَائرةِ الحُكْمِ، وَ تَوّزيعِ المَناصِبِ الحُكومِيَّة.
لَكِنْ في المَرحلةِ الحَاليَّةِ، وَ هيَ الثَّانِيَّةُ مِن مَراحِلِ الصِّراعِ، أَصبَحَتْ أَهدافُ مِنْ يَقِفونَ وَراءَ الإِرهابِ أَوْسَع. فَهُم يَتَصدَّوْنَ الآنَ، لِلوصُولِ إِلى مَشروعٍ اسْتِراتِيْجِيّ، مُعَاكِسٍ لِلمشْرُوعِ (الوَهْمِيّ)، الّذي أَطْلَقَ عَليْهِ، مَلِكُ الأُردُن عَبدُ اللهِ الثَّانِي (الهِلالَ الشِّيْعيّ). فَمِنْ خِلالِهِ، يُريدُوْنَ صياغَةَ شَرقِ أَوْسَطٍ جَديدٍ، كمَا تَتصوَّرُهُ السُعودِيَّةُ وَ حُلفَاؤهَا، (دولُ الخَلِيجِ، وَ تُركيا، وَ الأُردُن، وَ إسرائِيْل). وَ هذا المِحوَرُ سَأُسَمّيْهِ مِحوَرَ (السُعوديَّةِ – إِسْرائِيْل). وَ هَذا الشَرقُ الأَوْسَطُ، غَيرُ الشَرقِ الأَوسطِ الجَديدِ، الّذي رَسَمَتْ مَعالِمَةُ أَمريْكا، فِي نِهايَاتِ القَرنِ المُنصَرِم.
فالتَّغييرُ الجَديدُ في ميزانِ القِوَى، (فِي مَنطِقَةِ قَلْبِ الشَرقِ الأَوسَطِ)، الّذي حَصَلَ بِسَبَبِ وجُوْدِ إِيرانَ، كَقُوّةٍ نَوَوِّيَةٍ فِي المَنطِقَة. جَعَلَ مِحْوَرَ (السُعوديَّةِ – إِسْرائِيْل)، يَتَبَنّى رُؤيةً جَديدةً لشَرقِ أَوسطٍ جديدٍ ثَانٍ، خَالِيَاً مِنَ الدَّوْرِ الإِيْرَانِيّ. إِنَّ العَمَى السِّيَاسِيّ لِهَذَا المِحْوَرِ، جَعَلَهُ يَنْسَاقُ لِلمَشْرُوعِ الأَمْرِيْكِيّ الإِسْرائِيلِيّ، تَعْبِيراً عَنْ تَبَعِيَّتِهِ التَّاريْخِيَّةِ، لِهَذا المَشْرُوع. دُوْنَ التَّفكِيْرِ بِأُفُقٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ نَاضِجٍ، مِنْ خِلالِ التَّعَاونِ مَعَ إِيْرَانَ، لِوجُودِ مُشْتَركَاتٍ آيِدْيُولُوْجِيَّةٍ وَ اقْتِصَادِيَّةٍ وَ ثَقَافِيَّةٍ وَ حَضَارِيَّةٍ وَ جِيُوسِيَاسِيَّةٍ، تَشْتَرِكُ بِهَا دُوَلُ المَنْطِقَةِ (عَدا إِسْرائِيْل)، مَعَ إِيْرَانَ.
بَعدَ انتِهاءِ حَربِ العِراقِ مَعَ إِيْرَانَ ، وَ جَرَّاءَ تَجرِبَةِ إِيْرانَ المُرَّةِ، مَعَ أَكثَرِ دُوَلِ المَنْطِقَةِ، وَ مَعَ أَمْريْكا وَ الغَرْبِ، لاتّخَاذِهَا مَوْقِفِ المُعَادِي لَهَا. استَطاعَتْ إِيْرَانُ، أَنْ تَضَعَ لَها رُؤْيَةً استِراتِيجِيَّةً، لِكَي تُحافِظَ بِها، عَلى وجُودِهَا إِقليمِيّاً وَ دُوَلِيّاً. فأَصْبَحَتْ إِيرانُ (راغِبَةً أَو مُكرَهَةً)، داخِلَ حَلَبَةِ الصّراعَاتِ الدّوَليَّةِ. وَ أَخَذَتْ تَسْعَى لِضَمَانِ مَصَالِحِها، كَمَا يَسْعَى الآخَرونَ لِذَلك. مُستفيدَةً مِنَ الوَضعِ الاقتِصَادِيّ المُتَرَدِي فِي أَمريْكا، وَ رَغبَةِ بَعضِ دُوَلِ أَوْرُبّا (بريطانيَا وَ فَرنْسا وَ المانيَا)، في تَنشِيْطِ علاقَتِها مَعَ إِيْرانَ، لِضَمَانِ مَصَالِحِها. وَ فعلاً، بتَارِيخِ 11 ت2 2013،تَمَّ تبادُلُ التَمثيّلِ الدُّبلوماسِيّ، بيّنَ بريْطانيَا وَ إِيرانَ، وَ إِنْ كانَ بأَدنى مُستَوياتِهِ (قائمٌ بالاعمَالِ غَيرُ مُقيْم). وَ هَذا هُوَ شَأْنُ صِرَاعِ القِوَى، فِي مَيْدَانِ السِّياسَةِ الدُّوَلِيَّةِ، فَكلٌّ يَبْحَثُ عَنْ مَصَالِحِه.
(و عالم الصراع -نظرياً وتطبيقياً- هو عالم القوة و الصراع، ولا يمكن لأي كيانات سياسية ان تنفذ اليه بدون ان تتسلح على قدر امكاناتها بمتطلبات القوة والصراع، وإلاّ فلن تستطيع أن تجد لنفسها مكاناً مرموقاً وسط هذا السباق المحموم نحو القوة، الذي انجزت فيه كثير من الدول قدراً يفرض لها الاحترام و المهابة بين الجميع)(آيديولوجية الصراع السياسي/د. عبدالرحمن خليفة).
فِي 29 ت1 2013، زارَ السيَّدُ نُوْرِيْ المَالِكيّ، الوِلايَاتَ المتّحدَةِ الأَمريكيَّة. وَ تَضَمَّنَ جَدوَلُ أَعمَالِهِ، إِضَافَةً إِلى لِقَاءِ الرَّئيسِ أَوْبَامَا، لِقَاءِ عَدَدٍ مِنْ كِبَارِ المَسّؤولينَ، السِّياسِيّينَ الأَمريكيّين. وَ كذلكَ لِقَاءَآتٌ مَعَ شَخصيَّاتٍ أَكاديميَّةٍ، مَعنِيَّةٍ بالشأْنِ السِّياسِيّ، وَ العِلاقَاتِ الدُّوليَّة. وَ لقَاءَآتٌ معَ شخصيَّاتٍ تَحمِلُ اتْجاهاتٍ فَكريَّةً وَ ثَقافِيَّةً مُؤَثِّرَةً فِي أَمريْكا، وَ أَلقَى مُحاضَرَةً عَنِ الإِرهابِ، فِي مَعهَدِ السَلامِ الأَمريكيّ. كَمَا أَنَّهُ طَرَحَ عِدَّةَ مَواضِيعَ، في هذهِ الزّيارَةِ، مِنها:
1. عَقْدُ مُؤتَمَرٍ دُوَليٍّ في بَغدَادَ، لمناهَضَةِ الإِرهَاب.
2. تفعيلُ دَوْرِ الاتفَاقِيَّاتِ المُبرَمَةِ بَيّنَ العِراقِ وَ أَمريْكا، وَ التَّأكيْدُ على التِزامِ الجَانِبيّنِ، باحترامِ بِنُودِ هذهِ الاتِّفاقيّات.
3. التَّأكيدُ على أَهمِيَّةِ الاستِثمَارِ في العِراقِ، مِنْ قِبَلِ الشَرَكاتِ الأَمريكيَّة.
4. تَزويْدُ العِراقِ بِقاعِدَةِ مَعلوماتٍ، عَنْ التَّجَمُعاتِ الإِرهَابيَّةِ في العِرَاقِ، وَ التَّنسِيقِ الاستِخبَارَاتِيّ بَيّنَ الجَانِبَيّنِ، في مَجَالِ مُكافَحَةِ الإِرهَاب.
5. تَزويْدُ العِرَاقِ بأَسلِحَةٍ مُتطوِّرَةٍ لمُقاتَلَةِ الإِرهَاب.
6. أَنْ يَقومَ العِرَاقُ بِدَوْرِ تَقريْبِ وِجهاتِ النَّظَرِ، بَيّنَ إِيْرانَ وَ الولاياتِ المُتَّحِدة. (خُصوصَاً إِذا أَخَذْنا بالحُسّبَانِ، إِنَّ تَقارُبَ إِيْرانَ وَ أَمريْكا، سَيضَعُ حَدّاً لِتدَهورِ الأَوضَاعِ في أَفغانِسْتَانَ، بِحُكْمِ المَوقِعِ الجِيُوسِياسِيّ، الّذي يَربِطُ إِيرانَ وَ أَفغانِستانَ). وَ لِهذا الموَضوعِ انعِكاسَاتٌ ايْجَابيَّةٌ عَلى العِرَاق.
7. أَنْ يَقُوْمَ العِراقُ بدَوّرٍ وَسيطٍ، لإِنْهاءِ تَداعِيَاتِ الأَزمَةِ السُّوريَّةِ. مِنْ خِلالِ الحِوَارِ السِّياسِيّ، بَيّنَ أَطرافِ النِّزاع.
عَلى مَا يَبْدُو، أَنَّ سِيَاقَ الأَحدَاثِ الّتي تَمَّ ذِكْرُهَا، تُقْلِقُ مِحْوَرَ (السُعودِيَّةِ – إِسرائِيْلَ). وَ مِنْ أَجْلِ تَطْمِيْنِ هَذهِ الدُّوَلِ، زَارَ وَزيْرُ خَارجِيَّةِ أَمريْكا (جون كيري) السُعودِيَّةَ فِي 4 ت2 2013، وَ التَقَى مَلِيْكَهَا عَبدَ الله. (و وصفَ الوزيرُ الأميركي العلاقةَ بين السعودية وبلاده بـ(العميقة والاستراتيجية) … و إِنها (سوف تستمر إلى ما لا نهاية)، واعتبر السعودية شريكا لبلاده (لا يمكن الاستغناء عنه)، وقال: (من الواضح أن هذا الشريك لديه آراء تخصه، ونحن نحترم ذلك). فيما كان الأمير سعود الفيصل أشار إلى تحليلات و تعليقات و تسريبات حول العلاقات السعودية الأميركية، و إنها ذهبت إلى حد وصفه بـ(التدهور و مرورها بالمرحلة الحرجة و الدراماتيكية))(جريدة الشرق الأوسط/5 ت2 2013).
سَيكونُ لِلمَوْضُوعِ صِلَةٌ فِي الحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذا المَقالِ إِنْشَاءَ اللهُ تَعَالى.
[email protected]