23 ديسمبر، 2024 4:24 م

العِرَاقُ وَ اسْتِراتِيْجِيَّةُ بِنَاءِ المَحَاوِرِ – 2

العِرَاقُ وَ اسْتِراتِيْجِيَّةُ بِنَاءِ المَحَاوِرِ – 2

في الحَلقَةِ الأُولَى مِن هذا الَمقالِ، تَوَصَلتُ عَن طَريْقِ المُقارَنَةِ بالأَرقَامِ، بَيّْنَ الشَكْلَينِ الجُغرَافيَّينِ، لِكُلٍ مِن دَوْلَةِ العِرَاقِ و دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ. و كَيّْفَ أَنَّ العِرَاقَ وُضِعَ قَسْراً، في نِطَاقٍ جُغرافِيٍّ غَيْرِ مُرِيْح. علماً أنَّ المُقًارنَةَ تَناوَلَتْ العِرَاقَ كدَوْلَةٍ مُتَوسِطَةٍ، و الكُوَيّْتَ كدَوْلَةٍ صَغِيرَة. فأَظْهَرتْ المُقَارَنَةُ، تَفَوّقَ دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ على العِرَاقِ، في الكَثيْرِ مِن المُمَيّزاتِ الجُغرَافِيَّة. و كَانَ وَراءَ إِجحَافِ، حَقِّ العِرَاقِ بهذا الشَكْلِ، لَيْسَ مَرَدُّهُ الصِّدفَةَ، و إِنَّمَا بِتَخْطِيطٍ مَدرُوسٍ، مِن قِبَلِ الإِمبِريَالِيَتيّنِ البرِيطَانِيَّةِ و الفَرنسِيَّةِ، عَن طَريْقِ تَقسِيْمِ الشَرْقِ العَرَبِيّ، وِفْقَ اتّفَاقِيَّةِ (سايكس بيكو)، المُبرَمَةُ بَيّْنَ تِلكُمَا القُوَتيّن. و اسْتِكْمَالاً للموضُوعِ أَقُوْل:
و إِذا أَضَفْنَا إِلى مَا تَقَدَّمَ، إنشَاءُ مينَاءِ مُبارَكٍ، مِن قِبَلِ دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ، و تَزحيّفُ الحُدودِ العِراقيَّةِ معَ الكُويّتِ، عدَّةِ كيلو مِترَاتٍ إِلى دَاخِلِ العِرَاقِ، مِن أَجلِ إِقامَةِ مَنطِقَةٍ آمِنَةٍ، بَيّْنَ الكُوَيّتِ و العِرَاق. و التَّنازُلُ عَن كليومَتراتٍ أُخرَى، مِن مِيْنَاءِ أُمِّ قَصْرٍ، حَسّْبَ مُقرَراتِ خَيمَةِ (سَفوان). سَيَكُونُ مَأزَقُ العِرَاقِ كَبيراً جِدّاً. فالأَشِقّاءُ العَرَبُ فِي دُوَلِ الخَليْجِ، يُحاصِرونَ العِرَاقَ اقتصَاديّاً، و مِنهُم مَنْ يُحارِبُهُ سِياسيّاً و أَمنِيّاً و إِعلاميّاً. 
لِذَا فَمِنْ حَقِّ العِرَاقِ أَنْ يَمُدَّ بَصرَهُ، صَوّبَ قُوَّةٍ إِقليميَّةٍ، تُخَلِصُهُ مِن الضَّغطِ العَربِيّ المُوجَّهَ ضِدَّهُ، و كانَتْ هذه الجِهَةُ هِي إِيْرَان. و معَ أّنَّ العِرَاقَ، حَريْصٌ عَلى إِقامَةِ علاقَاتٍ طيَّبَةٍ، معَ دُوَلِ الجِّوارِ العَربِيّ، و بَاقي دُوَلِ العَالَمِ، كمَا تَفرِضُهُ فَلسَفَةُ نِظَامِ الحُكْمِ الدِّستُوريّ، الّتي يَتبناهَا العِرَاق.  بَيّْدَ أَنَّ هذا التَّوَجُهُ، لا يَروقُ للسُعوديَّةِ و مِحوَرِهَا الإقليمِيّ، و دُوَلٍ عَربيَّةٍ أُخرى، و مَعَها تُركيَا أَيضَاً. فَعلى العِرَاقِ، أَنْ يَقومَ ببنَاءِ ثلاثَةَ مَحاوِرٍ استِراتِيجِيَّةٍ، لضَمَانِ أَمنِهِ الإِقليْمِيّ و الوَطنيّ، و هذهِ المَحاوِرُ هي:
أَوّلاً : مِحوَرُ العِرَاقِ – أَمريْكا. و هذا المحوَرُ، حَدَّدَتهُ اتّفاقِيَةُ إِطَارِ التَّعاونِ الاستراتِيجيّ. و اتّفاقِيَّةُ التَّعاونِ الأَمنِي، المُبرمتَانِ بيّْنَ العِرَاقِ و أَمريْكا. وهذا مَوجودٌ فِعلاً.
ثَانِيَاً: مِحوَرُ العِرَاقِ – إِيرَان. فبَعدَ نَجَاحِ الجُهدِ الدُّبلوماسِيّ العِرَاقي و العُمَانِي، في تَفكيْكِ الأَزمَةِ، بيّْنَ إِيْرَانَ و أَمريْكا، و لَو بِشَكلٍ مَقبُولٍ نِسبيّاً. إِضافَةً إِلى أَنَّ العِرَاقَ وَضَّحَ رؤيَتَهُ، بخُصوصِ وَضعِ إِطَارٍ، لِحَلِّ الأَزمَةِ السُّوريّة. فَمَهَّدَ ذلك للعِرَاقِ، أَنْ يأخُذَ دَوّرَ العُنصُرِ الجُيوبُولوتِيكيّ، بيّْن مِحوَرينِ استِراتِيْجِيَّينِ هُمَا إِيرَانَ و أَمريْكا.
ثَالثَاً: مِحوَرُ العِرَاقِ – تُركيَا. يَجِبُ عَلى العِرَاقِ السَعيُ الجَادِّ، لِتحقيقِ مِحوَرٍ للتعَاونِ الاسْتِراتِيجيّ، بيْنَهُ و بيّْنَ تُركِيَا. بالاستِفادَةِ مِن حَاجَةِ تُركِيَا الاقتِصَاديَّةِ للعِرَاقِ، هذا أَوَّلاً. و ثانيَاً، ارتباطُ تُركِيَا بحِلفِ النَّاتُو، الّذي سَيُسَهِلُ الكثيرَ مِن العَقبَاتِ، لإِقامَةِ تَعاونٍ عِرَاقيّ تُركيّ. خُصوصَاً إِذا أَخَذنا بنَظَرِ الاعتبَارِ، حَاجَةَ تُركِيَا لمثلِ هذا التَّعاونِ، في الوَقتِ الحَاضِرِ، بِسَببِ فَشَلِ جُهودِهَا، في إِقامَةِ تَحالُفٍ اسْتِراتِيجِيّ، بيّنَها و بيّْنَ مِصْر. كمَا أَنَّ هذا التَوجُةُ، يُشكِلُ عَامِلَ ضَغطٍ على السُعوديَّةِ، خُصوصَاً إِذَا تَمَّ النَجَاحُ بتَحييدِ تُركِيَا عَن مِحورِ السُعوديَّةِ، عَن طَريقِ تَقويَةِ شَبكَةِ المَصالِحِ بيّْنها و بيّْنَ العِرَاق. و على العِرَاقِ أَنْ يُطَوِرَ اسْتِراتِيجِيَّتَهُ مُستَقبَلاً، لتكونَ أَكثرَ فاعليَّةً، عندَما يَنجحُ في جعلِ المَحاورَ الثلاثَةَ المذكورَةِ سَابقاً، لتَصبَحَ مِحوَريّنِ جِيُواسْتِراتِيجِيَّينِ، حتّى تكتَملَ حَلقَةُ المَصالحِ، بيّْنَ جَميعِ الأَطراف. و المِحورَانِ هُما: 
     المِحوَرُ الأَوّلُ:   مِحوَرُ العِرَاقِ – إِيرَانَ – تُركِيَا.
     المِحوَرُ الثَّانِي:  مِحوَرُ العِرَاقِ – تُركِيَا – أَمريْكا.

علماً أَنَّ التَّحرُكاتِ السِياسيَّةِ، كانَتْ نَشطَةً في المَنطِقةِ، خلالِ الإِسبوعِ الّذي زَارَ فيه السيّدُ المالكي إِيْرَانَ في 4/12/2013 منها: زيارةُ رئيسِ مجلسِ الشورى الإِيرانيّ، لسلطنةِ عُمان. زيارةُ وزيرِ الخارجيَّةِ الإِيرانِيّ، للإِماراتِ العربيةِ. زيارةُ رئيسِ الوزراءِ السُوريّ لطهرَان. زيارةُ وزيرِ خارجيَّةِ الإِماراتِ لطهران. لقاءُ بندرِ بنِ سلطانَ، الرئيسَ الروسي بَوتين. زيارةُ وزيرِ الخارجيَّةِ الأَمريكيّ لإِسرائيْل. زيارةُ وزيرِ الدِّفاعِ الأَمريكيّ للبَحرين. تهديدُ سَلطنةِ عُمانٍ، بانسِحابِها مِن مجلس دُوَلِ التَّعاونِ الخَليجِيّ.
هذا النَّشاطُ الدُّبلومَاسِيّ، غيّرُ المتوقَعِ في المنطِقَةِ، يُعطي إِشارةً واضِحَةً بأَنَّ خَارطَةِ التَّحالُفَاتِ السَّابِقَةِ، على وَشَكِ التَّفكُك. و ستَحِلُّ مَحلَّها تَحالُفَاتٍ اسْتِراتِيجِيَّةٍ، جَديدَةٍ في المَنطِقَةِ. ستُسهِمُ بِشَكلٍ فاعِلٍ، برَسمِ صورَةٍ جَديدَةٍ لمُستقبَلِ العِراقِ و دُوَلِ الجِوَارِ. و الّتي تُعتبرُ الآن، نَواةً قَلقَةً و خَطرَةً، وفْقَ المَنظورِ الإِسْتِراتِيجيّ.
و ثَمَّةُ جانِبٍ آخرَ، يَجبُ عَدَمُ اغفالِهِ، يُؤَثرُ تَأثيراً مُباشراً، على استقرارِ المَنطقَة، و يُسهمُ في زيادَةِ نَشاطِها القَلِقِ و الخَطِر. و هوَ أَنَّ السُعوديَّةَ ماضِيَةٌ قُدُماً، بتَأجيجِ الجِانبِ الآيْديُولُوجيّ، بيّْنَ دُوَلِ المَنطِقَةِ، باستِخدَامِ الفِكْرِ الوَهَابيّ التَّكفيرِيّ، وَسيلَةً لِفَرضِ وجُودِهَا السِّياسِيّ، في المَنطِقَة. و هذا الجانِبُ الّذي تُصِرُّ عليْهِ السُعوديَّةُ، و تَسْعَىى مِن خِلالِ التَّهديدِ الإِرهَابِيّ، الّذي تَرعاهُ بطريقَةٍ مُباشِرَةٍ أَو غَيّرِ مُباشِرَةٍ. للتَدَخُلِ في شُؤونِ دُوَلِ المَنطِقَةِ، لتَغيّيرِ الواقِعِ السّياسِيّ، لِبعضِ أَنظِمَةِ دُوَلِ المَنطِقَةِ. كطَريقَةٍ تَكْفَلُ بَقَاءَ نِظَامِ العَائِلَةِ السُعوديَّةِ، قائماً على أَرضِ الوَاقِع. و هذا المشْروعُ المُدَمِرُ سَيَنقَلِبُ اتّجاهَهُ يَومَاً مَا، ليواجِهَ السُعوديَّةَ وَجْهاً لِوَجْه. لِذَا يُرتَقَبُ حُدُوثِ تَغيُّراتٍ سِياسِيَّةٍ شَامِلَةٍ في المَنطِقَةِ، حتّى تَكتَسِبَ بَعدَ ذلكَ، حَالةً مِن السَلامِ و الاسْتِقرَار.           
كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي
[email protected]