23 ديسمبر، 2024 11:40 ص

العَمّال والبطّال وذبابة الحقول

العَمّال والبطّال وذبابة الحقول

(عَمّال على بطّال ) كلمة يستخدمها المصريون بكثرة لانتقاد شخص ما في حالتي حركته وسكونه أو عمله وتبطلّه حيث لايُنتفع من عمله إن قام بعمل ، ويصبح عالة على إسرته إن تبطّل ،أي إنه في الحالتين خراب .
لدينا حكومة – نعم – وجاءت بانتخابات حرّة وإن غير منزّهة – كذلك نعم – ثم استغرقت ولادتها تسعة أشهر غير منقوصة تخللها عضّ أصابع ومناكفات وتهديدات وصفقات تفوح بروائح ليست مستحبّة وتدخلات ظاهرة ومستترة ،كلّ ذلك بائن إلى درجة الدوار إن لم نقل الفضيحة، وبالتالي كان ينبغي أن يأتي المولود سليماً مكتمل النمو  فلا هو خديج فنعذر ، ولاسقط فنيأس منه .
لكن تبيّن وكما في أفلام الرعب الهيتشكوكية ، إن المولود كان مجرد نبت لايمكن القول إن الرحمن قد نفخ فيه روحاً ولاركبته لحظة من صفاء ، بل تسبب بإطلاق المزيد من شياطين الموت والإرهاب فقتلت وفتكت ،ورعى شياطين الفساد فنهشت وخرّبت ،ثم وسعّ من دائرة المنتفعين فشملت أصنافاً جديدة بعد أن جدد للأقدمين، وهكذا ظهر إن المولود المنتظر ، كان مجرد ولد غير بارّ بأهله بمقدار برّه بالآخرين ، أما الجموع التي تدور من حوله ، فقد باتت أشبه بذباب الحقول : طنين مزعج إن طارت ، والتصاق خطر إن حطّت لإمتصاص دم المزارع أوفرسه.
تلك وقائع بات يدركها الجميع ، وبالتالي قد لاتستحق الذكر لشيوعها وكثرتها، لكن ولما كان لكلّ علّة تعليل ، فلابد من سبب ، لالنكتفي بإبطال العجب ، بل كي نتلمّس طريق الخلاص ،الذي قد لايبدو ميسراً الآن ،وسيزداد صعوباً بتناسب طردي مع تمكّن هؤلاء من إلتصاق أكثر إيلاماً بجسد العراق ، وقد لايتركونه إلا قشراً دون لباب .
هل ذلك تهويل ومبالغة ؟ أم تحذير مما سيأتي ؟
لاهذه ولا تلك، بل استناداً إلى قاعدة علمية معروفة بأن كلّ شيء يفقد الفائدة منه يتحول إلى ضرر ، تماماً كالدواء الذي يعالج مرضاً لكنه إن فسد ، يتسبب الإستمرار في تجرّعه بإطلاق أمراض قد لا تكون موجودة في الجسم أصلاً وهو مايسمى بالأعراض الجانبية التي تحذّر منها في العادة النشرات المرفقة بالدواء .
في مطلع شبابنا ، وبعد أن رأينا انتشار ظاهرة التدخين بين زملائنا ، ولمحاولة الحدّ من ذلك ، أسسنا جمعية أسميناها (جمعية مكافحة التدخين ) ولإضفاء الجدّية على عملنا، وضعنا جائزة مقدارها عشرة دنانير لمن يستطيع أن يثبت وبطريقة علمية موضوعية، فائدة واحدة للتدخين في مقابل مضارّه الكثيرة ، وقد نجحنا في رهاننا حيث لم يستطع أحد إثبات أية فائدة للتدخين وبالتالي قبض الدنانير العشرة – التي كانت يومها مبلغاً قيّماً-  لكننا في المقابل أخفقنا في منع زملائنا من  التدخين أو الحدّ منه حتى عند أقربهم إلينا ، بل إزدادوا إدماناً وشراهة للسجائر أكثر من ذي قبل.
لا أملك من المال مايسمح لي بوضع جائزة مغرية لمن يجد فائدة حالية للحكومة ورئيسها  يفوق – أو يعادل وحسب – الأضرار التي باتت تسببها أو تتسبب بها للعراق وشعبه، رغم أن الخطأ والصواب لايتساويان، فقد نحتاج إلى العديد من الأعمال الصائبة لتجاوز مايتركه عمل خاطئ واحد، لكننا نناشد كلّ من يستطيع أن يدلّنا على بعض تلك الفوائد وبشكل علمي موضوعي ، من دون إدعاءت سجالية أو شعارات طنّانة أو كلمات غير مجدية عن الضرورة وأخواتها وطبيعة المرحلة ومستلزماتها التي تتطلب وجود (أبي إسراء ) حصراً وتحديداً على رأس الحكومة الآن وفي المستقبل ، وذلك لخلّو العراق مما يمكن أن يقوم مقامه وإلا أصبحت البلاد في مهب رياح هو وحده القادر على التصدي لها ودحرها .
في بيروت عاصمة الاستقطابات المتناقضة ، كان نظام  (صدّام ) بنظر المثقفين العرب ، يتعرض إلى مؤامرة أمريكية / صهيونية / رجعية عربية ، تريد حرفه عن أهدافه الوطنية والقومية ، وبالتالي فكلّ من يعارض حكمه ،يكون في صفّ تلك القوى المتآمرة ،وكنّا نردّ عليهم بالقول : لستم من يحدد خياراتنا ، فلن نكون مع الطاغية ،ولسنا كذلك مع أية دولة تريد إلحاق الأذى بالعراق ،بل نريد بلداً ديمقراطياً حرّاً ، واليوم تعاد الإسطوانة ذاتها ، فالمالكي يتعرض إلى مؤامرة  من الثالوث ذاته ، وبالتالي لايملك العراقيون إلا أن يقفوا معه حتى لو كان في ذلك ضياع العراق ، وإلا حُسبوا ضمن القوى المعادية طبقاً لمنطق ( المالكيين ) الجدد. 
لابأس عليكم ، فقد كنّا مثلكم نستبشر خيراً بما يستطيع الرجل تقديمه للعراق ، ومثلكم وضعنا آمالنا في تجاوز المرحلة بصعوباتها ومراراتها ، لكننا نختلف عنكم بأننا لسنا واهمين كي نواصل الدفاع عن (دواء ) فقد صلاحيته، ولانحن (تجارّاً ) لنستمرّ بترويج مثل هذا البضاعة كي نقبض من ثم الربح ونثرى على حساب الناس الذين وثقوا بنا ،كذلك لسنا من المرتبطين بجهات هنا أو هناك تملي علينا مانقول أو ننظر ، لذا فإننا واثقون إنكم في دواخلكم قد تكونون مثلنا ومثل جميع العراقيين ، ترون مايحدث وربما تستنكرونه سرّاً وإن ساندتموه علناً ، فليس معقولاً إنكم فقدتم الضمائر فلا تشعرون وفقدتم الأبصار فلا ترون ، إذ مازلتم عراقيين كما نتصوّر، لكنكم لن تقولوا كلمة حقّ بأن عهد الرجل قد إنقضى أو يكاد، وإن كل يوم يمرّ عليه في الحكم ، تتسع فيه مهاوي العراق .
ليس في الإعتراف بذلك ما يعيب ، فقد تنحّى زعماء تاريخيون منحوا شعوبهم الحرية والتقدّم ، وكانوا كذلك منتخبين ، هل يعتقد أحد إن المالكي أكثر عطاءاً لشعبه من نيلسون مانديلاً مثلاً ؟ وهل قاد وطنه لنصر كما فعل ديغول أو تشرشل ؟ فأي من هؤلاء فقد أهميته وتقدير شعبه عندما خرج من الحكم ؟ في مقابل صدام حسين والقذافي والأسد وأمثالهم .
أيّاً من النماذج سيختار المالكي ؟ زعماء الصنف الأول ؟ أم طغاة الصنف الثاني ؟ وهل من داع للقول إن أولئك عمروا وعمّروا ، وهؤلاء دمرّوا  ودُمرّوا ، والتاريخ ذو عينين كما الحاضر وذو صوت كذلك ،فلنستمع إليه ولو قليلاً، أما أن نبقى هكذا (عَمّال على بطّال ) في الموقع ذاته ندافع عن فساد مستشر وأمن فالت وسيادة سائبة جعلت العراق مجرد بيدق شطرنج بيد لاعب غير ماهر وبارتباطات مكشوفة ومستترة ، إضافة إلى خدمات تزداد ترّدياً ،وبلد يدّمر بشكل مقصود ، ثم ننادي بضرورة ( الوقوف مع المالكي بوجه المؤامرات ) ؟؟  وهل من مؤامرة أكثر من ذلك؟