لم يختر محمد منفاه في المانيا وهوبعمر السابعة الان ، لكنه الارهاب والفوضى واللاقانون التي جلبتها اميركا باحتلال العراق وما افرزته من طائفية بغيضة تاجر بها من ركب موجة السياسة بعد الاحتلال ،الذي جعل منه يتيما وهو ما زال في شهره الاول في بطن امه ، فلم يكتب له ان يرى والده الذي هو الاخر لم يعرف انه ترك نطفة ستكبر ليكون طفلا عراقيا يعاني وجع الغربة في المنفى ومخاطر البحر وهو لم يتجاوز بعد الثالثة او الرابعة من عمره .. لم يختر محمد اليتم ولا الغربة وما زال برغم صغر سنه وذكائه المميز يقول بلغة طفولية بريئة احب العراق واشكر المانيا لانها سمحت لي ان اعيش فيها وادرس برغم انها لم تمنحني الى الان اقامة اسوة باخرين لم يتعرضوا لمتاعب ومخاطر وظروف انسانية صعبة كالتي عانيتها.. ويضيف كنت اتمنى ان يسمح لي ان اقابل المسؤول لاقول له لم اكن مخيرا في المجيء الى المانيا ولكني عرفت من والدتي حجم ما كان يتهددنا من مخاطروسمعت منها انكم ملاذنا الامن لكني ومنذ خمس سنوات اعيش مع امي بقلق دائم بسبب عدم منحنا الاقامة .. ويتساءل هل تنصفنا ميركل وتجعلنا نعيش بعض من فرحة العيد ؟!
محمد مثل اي طفل اخر يحلم بوالد يصطحبه بالعيد لشراء ملابس او ان يصطحبه الى الحدائق العامة والملاعب وكثيرا ما يسأل عن ابيه، غير ان الارهاب وأد احلامه عندما وضعوا عبوة في سيارة والده وهو لم يزل في شهر العسل لم يمض على زواجه غير شهر واحد .. وتعرضت والدته في العراق لضغوط كبيرة اضطرتها لاختيار الطريق الصعب وهو الهجرة من خلال البحر بصحبة شقيقها الذي لم يفارقهما ..
قصة محمد بكل ما تحمل من وجع ليست الوحيدة فبحسب احصاءات منظمات حقوق انسان دولية فان هنالك ثلاثة ملايين واربعمائة الف مهجر موزعين على 64 دولة .. كما ان هنالك مئات العوائل التي غرقت بالكامل ولم تصل الى البر في مشاهد مأساوية تتحمل مسؤوليتها الادارة الاميركية التي احتلت العراق وتركته يعيش فوضى وانفلات امني وفساد ودمار ما زلنا نعاني اثاره الى اليوم .. انها حالة الضرورة التي تدفع البعض لاختيار الهجرة كخلاص من واقعها البائس .
اعتقد ان ذكريات الطفولة تبقى عالقة لذا ففي كل عيد فطر او اضحى اتخيل محمد كما غيره من اليتامى في دول المهجر وهم ،حتى لمن يتمتع بحالة استقرار نسبي و حصل على الاقامة منهم ،يمرون بحالات حنان وشوق الى اماكن عاشوا فيها ومن الصعب عليهم ان ينسوها ..ومهما يبلغ مستوى تطور المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي فانها لاتعوض ساعة لقاء عائلي حميمي ..
ربما نكون قد فقدنا في العراق وربما في مجتمعاتنا العربية ايضا الكثير من عاداتنا في الاعياد ، لكنها وكما الاحظ تبقى قوية في المهجر ولا اعرف السبب ، ربما لتعويض بعض ما فقدوه ، حيث تحرص العوائل العراقية والعربية على التزاور فيما بينها وتبادل التهاني الذي غادره معظمنا واستعضنا عنه ببطاقات تهنئة من خلال الهاتف النقال ! لكنه يبقى في غير الاحوال يبقى كما يقول الشاعر ( باي حال تعود ياعيد )!
اخيرأ عيد اضحى مبارك وسعيد لجميع العراقيين وخاصة محمد وكل الايتام وتمنياتي للجميع بالخير والسعادة وعسى ان تجد السيدة ميركل من يترجم مقالنا البسيط فتمنح الفرحة لمحمد عسى ولعل .