23 ديسمبر، 2024 12:56 ص

العيد وإنهاء (الإفلات من العقاب)!

العيد وإنهاء (الإفلات من العقاب)!

يعتبر العيد من المناسبات المليئة بالمعاني السامية والمشبّعة بالقيم النبيلة، ولهذا ينبغي ألا نجعلهامناسبة شكليّة خالية من معانيها الجوهريّة الدقيقة، والمتمثّلة بالسلام والرحمة والتكاتف والتعاطف.

نتطلّع أن تكون مناسبة العيد بوابة نتسامى عندها على كافّة خلافاتنا، وأن نفتح قلوبنا وأبوابنا لكلّالأحباب الأنقياء لننطلق معاً من أجل مستقبل أوطاننا وعوائلنا.

والعيد مناسبة جامعة للناس في الظروف الطبيعيّة والشاذّة، ولهذا يلهمنا العيد في الأوطان الهشّة والمنافي الإجباريّة أن نتفهّم ضرورة التلاحمالمجتمعيّ الإنسانيّ، لأنّ العيد مناسبة تكامليّة تهذيبيّة تكافليّة، وينبغي أن يكون محطّة متجدّدةتنطلق من عندها الحياة انطلاقة بهيّة، وبعيدة عن الشحناء والتنافر والتناحر، وعليه يتوجّب أن تكون أيّام العيد مناسبة شفّافة وعمليّة لتجديد العهد والوفاء للوطن، وللتضامن مع بعضنا، وألا ننسى الفقراء والمحتاجين والمظلومين داخل الوطن وخارجه!

إنّ العيد النقيّ لا يكون وسط الركام، أو فوق تلال الخراب والفوضى، ولهذا، ومن باب التمسّك بالحياة والوطن وتطبيق معاني العيد الجليّة، تآزرالمئات من العراقيّين في عدّة مدن عراقيّة وأجنبيّة يوم الأحد الماضي، 18/ تمّوز/ يوليو 2021، لترتيب حملة (إنهاء الإفلات من العقاب)، وقد طالبوا، خلال مظاهراتهم، الحكومة والمجتمع الدوليّ بلزوم ملاحقة المجرمين والمخرّبين، الذين ضيّعوا معاني الأعياد والحياة الصافية، ونشروا مظاهر الدم والتخريب.

المتظاهرون هتفوا بشعارات محدّدة وقانونيّة تتمثّل بضرورة إنهاء ملفّ المليشيات وقوى التخريب والفساد التي قتلت ولاحقت شباب العراق الباحثين عن المستقبل، وحطّمت الوطن!

إنّ متظاهري تشرين الذين خرجوا من أجل الحرّيّة وجدوا أمامهم ثلّة من الحاقدين على الحياة، الذينأفرغوا سمومهم المميتة في أجساد شباب تشرينالطريّة وعقولهم المتفتّحة وأحلامهم الواسعة، ومع كلّ هذه الصور السوداويّة كان الموقف الحكوميّوالبرلمانيّ لا يرقى لمستوى المسؤوليّة المطلوبة لإيقاف نزيف الدم وتحقيق آمال الجماهير، ولهذا كانت حملة (عدم الإفلات من العقاب).

وتسعى حملة (عدم الإفلات من العقاب) إلى:

إصلاح منظومة القضاء وتخليصها من عناصر وممارسات الفساد.
الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين والصحفيّين وتسليمهم للقضاء.
الكشف عن مصير المغيّبين والمختطفين قسريّا والقبض على الجناة.
إطلاق سراح المعتقلين بتُهم كيديّة، لمشاركتهم بالاحتجاجات، أو لنشاطهم المدنيّ.
كشف المعتقلات والسجون السرّيّة غير القانونيّة، وإحالة مسؤوليها للقضاء.
محاسبة كلّ المتورّطين بقضايا الفساد وفقاًللقانون.

ومع أهمّيّة أهداف الحملة إلا أنّ الملاحظ أنّها تقتصر على مرحلة جزئيّة من تاريخ الكارثة العراقيّة بعد العام 2003، وهي مرحلة ما بعد مظاهرات تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، ولهذا ينبغي أن تشمل تلك الملاحقات كافّة المتورّطين بقتل وتهجير المواطنين منذ العام 2003 وحتّى الساعة لأنّ هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ويتحتّم ملاحقة جميع الخارجين على القانون دون تمييز بين مرحلة وأخرى، أو دَم وآخر!

ويفترض أن تشمل جماعات الفتنة، التي هجّرتالمواطنين وحرمتهم من وطنهم وعوائلهم، لأنّ الأولى قتلتهم مادّيّاً وسحقتهم تحت الأرض، والثانية هجرتهم وقتلتهم معنويّاً وهشّمتهم فوق الأرض!

إنّ الأوطان لا تُبنى بالبغضاء والشحناء والكراهية والتناحر، بل إنّ الحبّ والتفاهم والتآلف والتكاتف تُعدّ من الأسس الراسخة لبناء البلدان وعمارة الأرض، وعليه ينبغي أن نكافح معاً كلّ مظاهرالخراب والفساد والإرهاب والاغتيالات المادّيّة والمعنويّة، وأن نتلاحم لبناء مجتمع صاف وخال من الشوائب، وهذا سيقود بلا شكّ لبناء دولة مستقرّة كريمة، لا مكان فيها للسفّاحين، ولا يوجد على ترابها أيّ قوّة فوق القانون، لأنّ البلاد التي فيها طبقة فوق القانون لا يمكن أن تسير على سكّة البناء والرقيّ والحضارة!

ومع كلّ هذه العقبات يحلم العراقيّون بعيدهم الكبير المطرّز بسيادة الوطن، وسواعد التعاون، والمكلّل بقلائد الأمن الذهبيّة، وسنابل الخير الوفير، وعطور زهور المحبّة والتعايش، وظلال أشجار التفاهم، وهذه الأهداف أو الأحلام لا تتحقّق إلا بتلاحم شعبيّ، وحكومة وطنيّة قويّة قادرة على تطبيق القانون على الجميع، ولا يكون أيّ فرد أمامها فوق القانون!

عيد العراقيّين هو يوم الوصول لمرحلة بناء الدولة العادلة، والتعايش الإنسانيّ والتكاتف المجتمعيّ، والسلام المُستدام، والحياة الحرّة الكريمة، الخالية من الطالحين والمحاربين للحياة والمستقبل، والمليئةبالأمل، والزاهية بتطبيق العدالة على الجميع، ولا يمكن لأحد أن يتهرب من قبضة العدالة والقانون!
فمتى نصل لهذا اليوم؟