23 ديسمبر، 2024 8:53 ص

العيد عود الى صناعة الذات

العيد عود الى صناعة الذات

العيد من العود والرجوع وهو احتفال ومهرجان يقيمه المسلمون في نهاية شهر الصوم ، ينتظمون في صفوف ليؤدوا الصلاة شكرا على نعمة الطاعة التي منحهم الله ، وعرفانا للخالق العظيم على فتحه لابواب المغفرة والرجوع اليه والهروب من الذنوب والمخالفات التي مارسوها خلال سنتهم ، يلبسون في هذا العيد ملابس التقوى التي نسجوها في مدة بقائهم في رحاب الشهر الفضيل قبل ملابس الزينة النظيفة البهية .
يبدأ شهر رمضان من حيث ينتهي ولا ينتهي بانتهائه وهكذا كل الممارسات العبادية الاخرى في ديننا العظيم اذ ما الفائدة من العبادة عندما ينتهي تاثيرها عندما ننتهي من ادائها ، ولا تلقي بظلالها على حياة المسلم ولا ينطبع ببصمتها خلقا وسلوكا وتقوى وشعورا بالرقابة الالهية المستمرة التي لا تنقطع طيلة حياته فهذه الشعائر العبادية ليست للتعب والعناء ولا لهدر الوقت .
العيد هو تاكيد وتثبيت لتعاليم واخلاقيات شهر رمضان المبارك ولملمة لما جناه المسلم من اثار ايجابية على حياته خلال مدة الصيام ، وفهرسة وفرز لحصيلته المعنوية والمادية من خلال هذه الدورة التربويه الالهية التي مر بها المسلم ومعرفة ما له وما عليه من خلال مراسيم العيد من صلاة ، وخطبة ، واداء حق واجب الزكاة وكلمات ينطق بها الامام لتثبت القيم والمثل التي تعلمها المسلم من هذه الممارسة العبادية الكبرى التي يتغير فيها كل شئ في الوجود حتى الشجر والحجر وتنطبع بطابع روحاني خاص مميز عليه الصفات والميزات الروحانية الرمضانية الجليلة .
العيد هو انتظام وترتيب للمسلمين الذين خاضوا هذه الدورة التدريبية المكثفة على شكل صفوف للصلاة وسماع للامام ومعرفة الحاضر والغائب ومدى الالتزام والمعرفة شبيهة باولئك الجنود الذين خاضوا وادوا تدريبات جسمية وعضلية وجهدية لا تخلوا من صعوبة ويريدون ان يعرفوا ما عملوا وحصيلة ما مارسوا من تدريب من خلال صفهم ورصهم بعد انتهاء الدورة التدريبية شبيهة بصفوف المصلين واصطفافهم يعرفهم بها القائد على ما عملوه ومارسوه وما تعلموه ليثّبت هذه الحقائق والممارسات في وجودهم وسلوكهم ويضعها في قسم التطبيق العملي ويجعلهم مهيئين للدفاع عن حياض الوطن في اي لحظة قد يباغت فيها العدو حتى لاتذهب هباء ولا تكون فريسة النسيان .
كان المسلمون في شهر رمضان المبارك في دورة تعلموا فيها فن القضاء على الرذائل والآثام والمعاصي والنفاق والتلون والكذب وكل خصلة دنيئة من شانها ان تاكل ايمان الانسان المسلم وتقلل من نصيبه من الثواب والرضا عند ربه العظيم والعيد اللبنة الاخيرة في بناء الانسان الاخلاقي .
لم تستطع الانظمة الوضعية ولا الحضارات من صنع انسان كامل كما يصنعه شهر رمضان المبارك من سمو روحي وتجرد عن نوازع الشر ، فالعيد هي المرحلة النهائية لتعديل وتشذيب سلوك المسلم ووضعه على المسار الصحيح وهو الحصة والدرس الاخير الذي يدخله المسلم من اجل اتقان ممارسة الدين بشكل عملي صحيح من دون ارتكاب اي شين يعود بالضرر على المسلمين عامة .
لقد انهى المسلمون الدورة التدريبية الاولى وسيدخلون الدورة العملية الثانية متمثلة بموسم الحج الشريف ، حيث يكون المسلم عن قرب من مواقع واماكن نشوء هذا الدين وحياة النبي والانبياء والصحابة المنتجبين الذي عانوا من اجل نصرته وايصاله الينا ، ليتمثل حياتهم ويعيشها عن قرب لتزوده بدفعة ايمانية جديدة وسمو في عالم الاخلاق ، وهكذا هو المسلم قد مر بعيدين عظيمين عيد الفطر والاضحى حتى يجعل من حياته وردا واحدا من الطاعة لله وحده لا شريك له ليعيش معنى التوحيد الافعالي ولا يشرك بعبادة ربه حب الدنيا والمال والسلطة والشهرة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وغيرها من حطام الدنيا الزائلة الفانية وياليت قومي يعلمون .
في هذا العيد يجتمع الاحبة ويلتقون فكريا واجتماعيا وروحيا ليدّعموا ما انطبعوا عليه في الشهر الفضيل من الحب والاخوة والتعاون لتنتشر السعادة وتزول الاحقاد والكراهية عن النفوس وتذوب كل الحوائل والحواجز التي خلفتها الدنيا والشيطان . العيد هو قرب من الله وخطوة باتجاه مرضاة الحق تبارك وتعالى ، يهنئ به المسلمون وينسون التعب والعناء ومشاكل الدنيا وهمومها ولو وقتيا لترتسم الابتسامة على الشفاه والضحكة على الوجوه ونفرح الفرحة التي لا تخرجنا عن حدود الحشمة والوقار مبتعدين عن كل سلوك قد يخرجنا من اطار الادب والالتزام وننسى ولو لبرهة اوضاع الوطن السياسية الماساوية .
شهر رمضان وما حواه من قيم عليا والعيد كلها محطات صنعها الله من اجل سعادة الانسان فما احراه ان يدخلها ليستفيد منها اقصى فائدة ليحظى بالراحة النفسية والاطمئنان الروحي الذي يدفعه للعمل نحو الاحسن ويشعر بانسانيته من خلال هذا العمل المتواصل للحصول على نتائج اعلى وارقى .
وفي النهاية علينا ان لا ننسى شهدائنا من حشد وجيش وعوائلهم الشريفة التي انجبت الشرفاء المدافعين عن الوطن والمقدسات من ارجاس الشيطان وجنود الظلام والتوحش وان لا ننسى شهداء الكرادة ومرارة وآلام ذويهم ، فلانهم قممم وكواهل اصيبوا بالضرر لانها اول ما تصاب وتتضر اما الاخفاف والمناسم والقعور فلا .