19 ديسمبر، 2024 1:05 ص

العيد الوطني.. والقضاء العراقي

العيد الوطني.. والقضاء العراقي

مرّ على العراق من يومين عيده الوطني بذكرى انتهاء الانتداب البريطاني وقبول البلاد في عصبة الامم المتحدة، وفات على المسؤولين ومن احتفل بهذا اليوم بأن قبول العراق في المنظمة الدولية حينها كان بسبب ما تتمتعه سلطته القضائية من استقلالية ورصانة بوصفها أحد ابرز دعائم الدولة الحديثة.
طوال الحقب الماضية عانى القضاء العراقي من محاولات السطوة والسيطرة عليه من قبل السلطة التنفيذية خلال مدة حكم النظام السابق، وبقيت هذه المؤسسة تعاني من مشكلات جمّة أهمها أنها تطبق قوانين وفق فلسفة حزب البعث المنحل في ادارة الدولة.
والغريب أن نواباً يحمّلون المحاكم مسؤولية تطبيق تلك القوانين حتى الان، وهم يعرفون جيداً بأن السلطة التشريعية مسؤولة عن سن القوانين، وبالتالي على هؤلاء النواب الاسراع في تمرير قوانين تسهل على المحاكم عملها بما يخدم مصلحة المواطن.
بعد العام 2003، اخد القضاء على عاتقه ترتيب اوراقه مجدّداً، والعمل على اعادة هيبته التي فقد جزء منها جراء سياسات النظام السابق، حيث تم تشكيل مجلس القضاء الاعلى كواحد من مكونات السلطة القضائية المنفصلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أذن واحدة من أهم مكتسبات العراق الجديد هو عودة استقلال القضاء والفضل يرجع إلى المسؤولين عن الملف القضائي الذي كان لهم دور كبير في دعم هذه الاستقلالية.
في العراق، يُعرف أن هناك مجلس للوزراء، ومجلس للنواب، ومجلس للقضاء الاعلى، وهذه المؤسسات تملتك علوية على بقية مؤسسات الدولة وفق ما ينظر اليه المواطن البسيط.
لو أجرينا مقارنة بين هذه المجالس، لوجدنا أن التمثيل السياسي موجود في مجلسي الوزراء، والنواب، طبقاً لما يسمى حصص المكونات تحت اطار المحاصصة الطائفية والعرقية.
أما مجلس القضاء الاعلى، وهو برئاسة رئيس المحكمة الاتحاية العليا وعضوية رئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ورئيسي هيئة الاشراف القضائي وجهاز الادعاء العام، ورؤساء المناطق الاستئنافية في عموم البلاد باستثناء اقليم كردستان، فأنه مختلف عن هذين المجلسين، لانه حافظ على طبيعته القضائية، ولا يقحم نفسه في ما يسمى بتمثيل المكونات وغيرها من العنوانين التجميلية لمفهوم المحاصصة الطارئة على العراق.
فاعضاء مجلس القضاء، من القضاة المهنيين الذين لديهم مؤهلات علمية وادارية تجعلهم يعملون بصمت بعيداً عن الاضواء، لأنهم يعرفون جيداً بأنهم لا يحتاجون إلى تزويق اعلامي أو جيوش الكترونية تدعمهم، كما أنهم لا يظهرون في وسائل الاعلام في مناسبة أو بغيرها لغرض التهجم أو تأجيج الشارع.
فغاية عضو مجلس القضاء الاعلى هو تطبيق العدالة، والقيام بالمهام الادارية المناسبة الموكلة وفق القانون بما يسهم في وصول الحقوق إلى اصحابها.
لكن ما يزيد المخاوف وجود بعض الجهات التي تحاول نقل تجربتي مجلس النواب والوزراء إلى مجلس القضاء وجعل اعضاءه يمثلون كتل سياسية أو مدعومين من قبلها، من خلال سن تشريعات تفرض السيطرة على القضاء العراقي وتقوضه وتجعله رهينة بيد الكتل السياسية كما حصل مؤخراً عند تشريع قانون هيئة الاشراف القضائي المثير للجدل.