يعبر العيد الوطني في كل بلد ، فضلا عن الرموز الوطنية الاخرى كالعلم والنشيد الوطني ، عن سيادته واستقلاله ، وتاريخه وحضارته ٠
من جانب اخر ، فان العيد الوطني ، هو يوم للاحتفال سنويا بالمنجزات الوطنية ، ولتعزيز انتماء المواطنين لوطنهم ، ولتأكيد ما يجمعهم رغم هوياتهم المتنوعة ٠
وعادة مايرتبط ( العيد الوطني ) باستقلال الدولة ، او تأسيسها ، او انتصار ثورة قامت فيها – بشرط ان يكون عليها اجماع وطني ٠ وبعض الدول تتخذه من تولي الملك مقاليد الحكم فيها ، بل وبعضها يتخذ من حدث تاريخي مهم ، عيدا وطنيا ، فاستراليا ، تتخذ من ٢٦ يناير – كانون الثاني ، عيدها الوطني وتسميه ( يوم استراليا ) ، والذي يصادف يوم وصول طلائع المستوطنين البريطانيين – عام ١٧٨٨ – الى استراليا ٠ وهو ما يعتبره السكان الاصليين اهانة لهم ، ويتظاهرون فيه سنويا احتجاجا على اتخاذه عيدا ، ويسمونه ( يوم الغزو ) ٠ ومثال آخر على ذلك ، اسبانيا ، والتي تتخذ من يوم وصول كولومبس للقارة الامريكية – في ١٢ اكتوبر عام ١٤٩٢ – عيدها الوطني ، وتسميه من بين اسماء اخرى ( يوم كولومبس ) ، والذي تعتبره رمزا للثقافة والحضارة الاسبانية ( بالمناسبة كولومبس ايطالي الاصل والولادة والجنسية ، ولم ينضم للاسبان الا قبل رحلته الشهيرة ببضعة اشهر ) ٠ وهنا في اسبانيا ايضا ، يوجد مَن يحتج على مناسبة كهذه ٠ فمقاطعة ( كاتالونيا ) الطامحة للانفصال ، تعتبرها رمزا للاحتلال الاسباني لاراضيها ، وللتصفية العرقية لسكان القارة الامريكية الاصليين ٠ وينادي سياسيون ومثقفون اسبان باختيار يوم آخر بدلا منه ، بل ان استطلاعا للرأي كشف ان نسبة هامة من الاسبان يرفضون هذا العيد ٠ ويمتد هذا الجدل الى القارة الامريكية نفسها ، وخاصة في امريكا الجنوبيه ، حيث تسميه فنزويلا مثلا( يوم المقاومة ) اي مقاومة شعوب امريكا اللاتينية للغزو الاوربي ٠
واذا استثنينا بريطانيا ، التي ليس لها عيد وطني رسمي ، انما عيد ميلاد الملكة ، هو بمثابة اليوم الوطني ٠ فان ثمة بلد وحيد في العالم ليس له عيد وطني :
هو العراق ٠
والحقيقة ان العراق كان يتخذ من يوم جلوس الملك فيصل الاول على عرش العراق عام ١٩٢١ ، والذي يصادف ٢٣ آب ، عيدا وطنيا في العهد الملكي ٠ وبعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ، صار يوم الثورة هو العيد الوطني ٠ لكن النظام السابق – وفي عام ١٩٧٠ – حول العيد الوطني الى ١٧ تموز ٠ ومن هنا بدأت المشكلة ٠ فما ان سقط نظامهم حتى تم الغاء الاحتفال بانقلابهم ، وظل البلد بعدها بلا عيد وطني ٠
ان التلاعب بالرموز الوطنية ، وتغييرها ، كلما حدث انقلاب عسكري ، هو جريمة وطنية ، اذ انه يضعف تلك الرموز ، ويلغي دورها الوطني ، ويحولها الى رموز انظمة او احزاب ، مما يُفقد الرموز الوطنية قيمتها في الذاكرة الشعبية ، ويُجهز على كل عوامل الاستمرار والتواصل والترابط بين الاجيال المتعاقبة ، والتي من شأنها تعزيز الهوية الوطنية الجامعة ٠
لقد غير العراق علمه – مثلا – خمس مرات ، وعيده الوطني اربع مرات ، وشعاره ثلاث مرات ٠٠ بينما احتفظ كمال اتاتورك بالراية التركية ، والتي كانت عثمانية ، رغم انقلابه على كل ماهو عثماني ٠
ولازال العراق – وحتى هذه اللحظة – من دون عيد وطني ٠ بل ولازال علمه وشعاره مؤقتين ٠
وثمة ثلاثة اقتراحات متداولة للعيد الوطني :
الاول ، يوم ٣ تشرين الاول – اكتوبر ، والذي يصادف انتهاء الانتداب البريطاني عام ١٩٣٢ ٠ وهو حدث شكلي ، فقد ظل النفوذ البريطاني في العراق – بعده – قويا ، بل وقامت بريطانيا باحتلال العراق احتلالا مباشرا عام ١٩٤١ ٠ ومن ثم فلا قيمة تاريخية له ، ولا العراقيون يتذكرونه ، بل لم يسمع به اغلبهم ٠
الثاني ، يوم تأسيس المملكة العراقية ، في ٢٣ اب ، والذي يصادف يوم تتويج الملك فيصل الاول عام ١٩٢١ ٠ وقيمته تأتي من كونه يوم تأسيس اول دولة عراقية في التاريخ ، ولكنه لا يحظى بقبول شعبي ٠
الثالث ، يوم تأسيس الجمهورية العراقيه ، في ١٤ تموز ١٩٥٨ ٠ وهو الاقتراح الاكثر قبولا عند اغلب العراقيين ٠
واذا كان ماجرى فيه من قتل وسحل ، هو سبب اعتراض البعض عليه ، فان الفرنسيين ، ومع اعتزازهم بالقيم الديمقراطية ، يتخذون من الثورة الفرنسية يوم ١٤ تموز ، عيدهم الوطني ، رغم ماحدث فيها ولسنين عديدة من فضائع ومآسي ٠
ان البحث عن صور مثالية ، لا تخاذها رموزا وطنية ، هو ضرب من الوهم ٠ ولنضرب مثلا بفرنسا ثانية ٠ فالعلم الفرنسي الشهير ، بالوانه الثلاثة المميزة ، اصله مجهول الى حد بعيد ، مما يترك مجالا لتعدد الحكايات والنوادر ٠ وتروي الاسطورة ان الرسام لويس دافيد هو من اختار ترتيب الوان العلم ٠
حتى النشيد الوطني الفرنسي ( لا مارسييز ) ، تم تلحينه في البداية بصيغ مختلفة ، مما كان يؤدي الى حدوث فوضى عارمة عندما كانت تجتمع عدة فرق موسيقية لتؤدي النشيد ٠
ان العراق اليوم احوج بلد في العالم ، لاحياء رموزه الوطنية وتعزيزها ، ليتوحد حولها شعبه ، ويترسخ بها بناء دولته ٠ ومن ثم لايجوز ان يبقى هو البلد الوحيد في العالم ، والذي لا يملك عيدا وطنيا ٠