18 ديسمبر، 2024 7:09 م

العولمة الرأسمالية واعادة بناء اليسار الاشتراكي

العولمة الرأسمالية واعادة بناء اليسار الاشتراكي

يحاول الباحث لطفي حاتم في كتابه الجديد المعنون ” العولمة الرأسمالية واعادة بناء اليسارالاشتراكي” الاجابة على السؤال التالي : هل لا زال حزب اليسار الاشتراكي الديمقراطي قادراً في ظروف العولمة الرأسمالية على انجاز وظائفه السياسية؟ بمعنى الدفاع عن المصالح السياسية والاجتماعية للطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟

وبناء على ذلك، يجتهد الباحث لملاحقة تطور أحزاب اليسار الاشتراكي العربي في ظل نظام نظام القطبية الواحدة، أي عصر العولمة الرأسمالية كما يسميه، فيشير إلى حدوث تغيرات فكرية وسياسية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، تمثلت بتخلي أغلب أحزاب اليسار عن دكتاتورية البروليتاريا، والماركسية ـ اللينينة، والدور القيادي للطبقة العاملة في التحول الاشتراكي، ورفض نظام الحزب الواحد والإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية، والتخلي عن الثورة بمفهومها الانقلابي العنيف لصالح التداول السلمي للسلطة.

وعلى ضوء المعطيات السابقة، ظهرت ثلاث تيارات كل منها يتفاعل مع نتائج العولمة بشكل مختلف، فالأول، سماه التيار الراديكالي التي تشكلت منظومته الفكرية وأدواته الكفاحية من الأرث التاريخي للحركة الشيوعية، فبقى يدعو إلى استلام السلطة السياسية لبناء الإشتراكية بركائزها ” السوفيتية”، أما التيار الثاني، فاطلق عليه اليسار الديمقراطي المنفتح على التطورات الدولية والساعي إلى اغناء الفكر الماركسي النقدي بما يتلائم مع التغيرات الدولية، والثالث هو تيار ” الاشتراكية الديمقراطية” الذي اندفع إلى تمثل شعارات العولمة البراقة متخلياً عن كل التجربة التاريخية للحركة الاشتراكية ، مشيرا إلى انحسار هذا التيار بسبب النتائج الكارثية لنهج الليبرالية الجديدة الذي أدى إلى تخريب الدولة الوطنية.

بعد ذلك يتناول الباحث الأسباب التي تقف وراء عدم فعالية أحزاب تيار اليسارالاشتراكي ودورها الهامشي، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، والذي برز جلياً خلال فترة الاحتجاجات التي شهدتها عدد من البلدان العربية، على الرغم من تاريخها العريق في نضال الشعوب العربية من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات والمرأة ، فيرى أنها تتمثل بـ:

1ـ غياب الرؤية الفكرية التي تشكل قاعدة للنهج السياسي، حيث لم يستطع مثقفوا اليسار الديمقراطي من وضع رؤية فكرية تتعلق بالموقف من الدولة الوطنية ومسار تطورها اللاحق في أطار التشكيلة الرأسمالي المعولمة.

2ـ سيطرة العقلية التقليدية التي تؤمن بالدور الرئيس للقيادة التاريخية، وما نتج عنها من استمرار النزعة التنظيمية الأوامرية التي لا تتلائم مع التطور الجديد من الكفاح الوطني الديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى ابتعاد القيادات الشبابية التي نشطت، خلال الاحتجاجات الشعبية، عن أحزاب اليسار الاشتراكي.

3 ـ النظرة المتعالية للحركات السياسية الحديثة، التي أغلبها تبنى أفكار اليسار عن المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية بجانبها السياسي الاجتماعي.

4ـ تفتت القاعدة الاجتماعية للمجتمعات العربية إلى كتل طائفية ـ مذهبية وقومية وعشائرية، ضاعف من عزوف الكتل الشعبية عن مواصلة المشاركة بفعالية في العمل السياسي بسبب الخيبات المتكررة التي افرزتها البرامج المثالية التي كافحت في ظلها سابقاً، الأمر الذي نتج غياب الفئات الاجتماعية الساندة لبرامج وشعارات اليسار الديمقراطي.

5ـ ما زالت أحزاب اليسار الديمقراطي ، تعاني من موقفها التاريخي من الدين باعتباره أحد المكونات الرئيسية للوعي الاجتماعي، وقد استغل ذلك من قبل تيار الإسلام السياسي لتحجيم نفوذ أحزاب اليسار الاشتراكي في المجتمع.

بعد ذلك ينتقل الباحث إلى طرح بعض الأفكار التي تمكن اليسار الديمقراطي من المحافظة على دوره التاريخي في ظروف العولمة الرأسمالية، منها:

ـ الاجواء العالمية التي تساند الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان باعتبارها احد سمات أيديولوجية العوملة في العلاقات الدولية ، يساعد قوى اليسار الاشتراكي على استثمار هذه الظروف في نضاله المزدوج ضد الاستبداد المناهض للانظمة الاستبدادية وضد المشاريع الجديدة للهيمنة على مقدرات الشعوب العربية، مشيراً إلى أن قانون الاستقطاب الراسمالي المعولم افضى الى توسيع القاعدة الاجتماعية المناهضة للرأسمالية.

ـ فشل وصفات الليبرالية الجديدة التي طبقت في العديد من البلدان العربية، وما نتج عن ذلك من اقصاء العديد من الشرائح الاجتماعية الناهضة اقتصاديا عن مراكز الانتاج الفعلية وتحويلها إلى قوى هامشية.

ـ يشترط في في الكفاح الوطني لأحزاب اليسار الاشتراكي الديمقراطي، الاستفادة من الشعارات الفكرية التي أطلقتها العولمة الرأسمالية حول الديمقراطية السياسية وحقوق الإنسان والقضية القومية.

ـ السعي لتكون تحالفات سياسية واسعة لتكوين كتل تاريخية قادرة على المشاركة بفعالية في العملية الديمقراطية الجارية في المرحلة الراهنة.

ـ الربط بين النضال الاجتماعي والوطني، بمعنى الكفاح من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية والكفاح ضد مساعي القوى الخارجية لتهميش الدولة الوطنية وسيادتها ونهب الثروات الوطنية بالاشتراك مع النخب السياسية المتنفذة التي تولت السلطة عن طريق الشرعية الانتخابية.

ـ الموقف المتوازن من حقوق الاقليات القومية والمذهبية، بما يحافظ على الوحدة السياسية للبلدان العربية ضد محاولات تفتيها عن طريق دفع الاقليات إلى تكوين كانتونات منعزلة، تحت ذريعة تحقيق حقوقها المشروعة.

ـ ولكي تنجح أحزاب اليسار الديمقراطي في تحقيق المهام السابقة، لا بد من إجراء تعديلات تنظيمية تواكب عملية التجديد الفكري والسياسي وتمنع حصول تعارض جزئي بين ديمقراطية النهج السياسي والموروث التنظيمي، وما يتطلبه ذلك من تفعيل آلية التنظيم الديمقراطية وتوسيع القاعدة الاجتماعية بقوى جديدة تتعدى إطاراتها الطبقية التقليدية ” عمال وفلاحين” من خلال الانفتاح على مصالح القوى الاجتماعية المناهضة للتبعية والافقار والتهميش والدفاع عن مصالحها في البرامج الانتخابية، وبناء النهج السياسي على أساس تفعيل العقل الجماعي وترصين الحوار الفكري العلني حول القضايا التي تواجه المجتمعات العربية، خاصة دراسة التشكيلة الوطنية واعتماد السياسة الواقعية القابلة للتحقيق والتنفيذ.

أخيراً الكتاب ينطوي على فكرتين أساسيتين، استقاهما المؤلف من تجربته التاريخية، فهو مشارك بارز في المشهد السياسي والفكري لحركة اليسار العراقي، لأكثر من نصف قرن، الأولى، مفادها ان الانغلاق الأيديولوجي الذي صبغ فكر اليسار خلال فترة ازدهاره خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، استند على مسلمة ” ان انتصار الإشتراكية وصل إلى نقطة اللا عودة ” متناسياً أن هذه الفكرة غير جدلية، بناء على قول ماركس من أن التطور، بشكل عام، يسير بشكل حلزوني وليس مستقيم.

الفكرة المحورية الثانية التي تلازم أبحاث لطفي حاتم، هي العلاقة بين الفكر والسياسة في تجربة اليسار الاشتراكي العربي، حيث أنه يغيب الفكر لحساب السياسة، فضاعت حركة اليسار بين متاهات السياسة اليومية، فاصبح متلقياً للأفكار لا منتجاً لها كما هو الحال في الحركات السياسية التي واكب تطور فكرها وسياستها حركة التطور في بلدانها. وللتدليل على أطروحته السابقة، يشير الباحث إلى أن اليسار يجهد نفسه في تحليل الأفكار التي يطرحها، مفكرون أوربيون، على سبيل المثال، أخذت نظرية التطور اللارأسمالي التي روج لها مفكرو الأشتراكية القائمة، خلال عقدي الستينيات والسعينيات من القرن الماضي، جل النشاط الفكري لليسار، الامر الذي عرقل من إمكانية انتاج أفكاراً، خاصة به، تساهم في خلق قاعدة فكرية تلائم البيئة الثقافية والاجتماعية الحاضنه له. وبعد انهيار تجربة الاشتراكية، غرق في تحليل النظريات الغربية الجديدة مثل، نهاية التاريخ، صدام الحضارات، الفوضى الخلاقة وغيرها، لذلك أصبحت السياسة محور نشاطه، الأمر الذي أدى إلى ان يصبح نشاطه الفكري مقلوباً، فبدلاً من وضع سياسات وبرامج وشعارات معللة فكرياً، قام بالبحث عن ” تلفيقات فكرية ” تدعم برامجه ونهجه السياسي.

يحتوي الكتاب على ثلاث فصول، الأول تناول النظام السياسي الدولي وترابط نزاعات دوله الوطنية، والثاني، العولمة الرأسمالية وتبدلات الفكر الاشتراكي، والثالث العولمة الرأسمالية وفعالية اليسار الديمقراطي.