18 ديسمبر، 2024 11:41 م

قبل ان اكتب مقالي هذا قمت بلصق منشور في صفحتي على الفيس بوك عن المعسكر النازي الشهير ( اوشفيتز Auschwitz ) الذي تصادف اليوم ( 27 كانون الثاني 1945 ) الذكرى 70 على دخول الحلفاء اليه . وانتظرت ردود الافعال . هذه الأختبارات المعرفية اقوم بها بين الحين والآخر للتأكد من بعض المعتقدات وتحويل الظنون الى يقين . وقد ارفقت مع المنشور 9 صور مرعبة تخص المعتقل .
أكرر ليس الغرض الرئيس من لصق المنشور هو تسليط الضوء على معسكر الاعتقال ( اوشفيتز Auschwitz ) ولا ( الهولوكوست ) ولا جرائم النازية رغم ان ذلك من واجبي الانساني . ولكن للتأكد من صحة معتقداتي بشأن العوق الروحي الذي نعاني منه كأمة . اليكم المنشور والنتائج التي توصلنا اليها .

معسكر أوشفيتز
Auschwitz
………….

تمر اليوم 70 عاما على دخول الحلفاء معسكر الأعتقال والأبادة ( اوشفيتز Auschwitz . ) سوف يجتمع اليوم القادة الاوربيون و ومعهم ما تبقى من نزلاء هذا المنتجع النازي وعددهم (300) في المدينة البولونية التي يقع فيها المعسكر .
يعتبر معسكر أوشفيتز من أكبر معسكرات الاعتقال النازية ويتكون من ثلاث معسكرات رئيسية و45 معسكر فرعي.
صمم معسكر أوشفيتز بناء على أفكار (هاينريك هملر ) وزير الداخلية الألماني لوضع حل أخير لليهود في أوروبا. وتم نقل اليهود بالقطارات في الفترة بين ربيع عام 1942 وخريف عام 1944 إلى غرف الإعدام بالغاز في المعسكر من جميع أرجاء أوروبا الواقعة تحت الاحتلال النازي.
اتهم (رودولف هوس) القائد الأعلى للمعسكر أثناء محكمة نورنبيرغ بعد نهاية الحرب بإعدام ثلاثة ملايين شخص، ثم تم تعديل الرقم ليصبح 1.1 مليون أكثر من 90% منهم من اليهود بالإضافة إلى 150 ألف بولندي، 23 ألف من أقوام روما وسنتي ، 15 ألف من السجناء السوفيت في الحرب وعشرات الآلاف من الجنسيات الأخرى.
سقط معسكر أوشفيتز في 27 يناير 1945 بيد الجنود السوفييت وهو اليوم الذي أصبح لاحقاً اليوم الدولي لذكرى الهولوكوست.
أدرج أوشفيتز كأحد مواقع التراث العالمي في بولندا عام 1979، ويزوره حوالي 700 ألف زائر في العام.

….
أنتهى المنشور الملصق في صفحتي في الفيس بوك لهذا اليوم والآن جاء دور النتائج المستخلصة :

لم يحض المنشور باي اهتمام كما توقعت ولم يوقع عليه سوى بضعة اسماء لا تتعدى أصابع الكف . صمت مطبق . هنالك ضجة الى جانبي يحدثها احد البصريين حول مرور 50 عاما على وفاة بدر شاكر السياب في احدى مستشفيات الكويت ( وليس في غرفة الغاز ) . اما الصديق الآخر فيدعوني الى الكتابة بمناسبة مرور عامين على وفاة قاص عراقي مات ميتة طبيعية جدا بين أهله وصحبه وليس في زنزانة انفرادية في الشعبة الخامسة او في ابو غريب .

نحن نعاني من عوق روحي . يتمثل هذا العوق بأننا نحمل في جيوبنا ختم (طمغة ) للحم البشري مثل تلك المستخدمة في الرقابة الصحية . هناك لحم مجاز و لحم غير مجاز . وهناك تقسيم اكثر شيوعا هو لحم حلال او غير حلال . لا يوجد في عقيدتنا ان اللحم البشري هو واحد سواء كان في القطب الشمالي او مجاهل افريقيا . مسيحيا او يهوديا او بوذيا . اسودا ام أبيضا ام أصفرا . عربيا ام كرديا ام فرنسيا .
اللحم البشري ليس واحدا في عقيدتنا . فهناك لحم بشري مقدس وهناك لحم لايساوي شيئا ويمكن رميه للكلاب المسعورة لتنهشه ( مثلما حصل للوصي عبدالأله في 14 تموز 1958) . وهنك لحم كردي متمرد يمكن خنقه بغاز الاعصاب مثلما حصل في حلبجة ( 5000 ضحية ) او الانفال ( 182 الف تم تصفيتهم ودفنهم في مقابر جماعية لا زالت مجهولة ) . اما اللحم الذي ينحدر من نسل رسول الله فهو يختلف كليا عن أي لحم آخر . هنا ندخل الى المسلخ المقدس . تحمل هبرة اللحم هنا ختما ألهيا .
. واذا فتحنا ملف الضحايا البشرية فسوف نعثر على لحوم بشرية بشتى الألوان : مجازر الارمن ودارفور ورواندا . وهناك ضحايا الكوارث الطبيعية . وهناك ضحايا الارهاب كما حصل في سبتمبر ولندن ولوكربي ومدريد وموسكو وباريس . كل هذه اللحوم البشرية لا تستوقفنا دقيقة واحدة . ورغم اختلاف اسمائها الا انها في النهاية واحدة . هي لحم بشري لكننا لا نراها كذلك بسبب العوق الذي نعاني منه . نحن لا نقف عند هذه الضحايا ولا نخصص لأطفالنا فرصة التعرف عليها والوقوف دقيقة صمت واحدة أمامها .
منذ اربعة عشر قرنا ونحن ننوح على 72 فارسا قتلوا في كربلاء . سكبنا دموعا تكفي لملأ حوض الثرثار و جلدنا صدورنا وظهورنا قرونا . وفلقنا رؤسنا حتى يطفر الدم منها , وسرنا مئات الملايين من الاميال . ولكننا لم نذرف دمعة واحدة خارج هذه الحادثة . هناك من حولنا حوادث كثيرة لا تثير شهيتنا على البكاء . كأن هناك ازرار للدمع يتحكم بها غيرنا . بل اننا لم نعد نبكي حتى على أرواحنا وموتانا . هناك نصف مليون خسرناهم في حرب ايران لم نقف لهم دقيقة واحدة . وهناك ضحايا قدموا ارواحهم بطريقة لاتقل روعة عن طريقة الامام الحسين . تحملوا شتى انواع العذاب في المعتقلات والسجون قبل ان تعلق جثثهم على اعواد المشانق . القائمة طويلة وتتجاوز الرقم 72 الذي نحرص عليه بشدة . لكننا لا نقتطع لهم من سنتنا دقيقة واحدة . لانسير في مواكب الى حلبجة او أيران لنقدم التعازي لأرواح الموتى ولا للوقوف على الارض الخنادق التي ابتلعتهم . في مجزرة قصر الرحاب هناك مشاهد لا تقل جاذبية عن مشهد الطف . جثة تقطع وتسحل وتعبر نهر دجلة وتعلق على أعمدة النور . وطفل صغير يذبح اسمه جعفر اليتيم ( يقابل عبدالله الرضيع ) . وملك صغير سوف يتزوج بعد يومين تماما مثل القاسم ابن الحسن . اما ماجرى لنساء القصر فيتجاوز في فضاعته ما جرى في الطف .

والآن اليكم هذا اللغز المحير . ماذا تعرف عن ( بشت آشان ) ؟
اليكم اربعة اجوبة وعليكم اختيار واحد منها :

1- جرم سماوي , 2- مغنية يابانية , 3- قرية كردية , 4- شامبو للقشرة .
( بأمكانك الاتصال بصديق اذا عجزت عن الاجابة )

المشتركات كثيرة بين حادثة الطف وبشت آشان . في هذه القرية الكردية التي تقع في جبل قنديل حوصر ( 72) من الانصار الشيوعيين ( تماما بقدر شهداء الطف ) يوم 1 آيار 1983 من قبل قوات الاتحاد الوطني الكردستاني ( اليكيتي ) بزعامة جلال الطالباني . كانت العملية هي صفقة بين صدام وجلال لتصفية الشيوعيين العرب ( الانصار) في كردستان . رفض الشيوعيون الاستسلام . وقاموا حتى آخر طلقة . وكان بينهم مقاتلات عربيات . استشهدوا جميعا . وقطعت أصابع الشهيدة أحلام”عميدة عذيبي” وقتل فيها الرفيق تيسير بعد أسره جريحا، وتركت عشرات الجثث في العراء تنهشها الذئاب ولم يسمح للفلاحين بدفنها..
هنالك حوادث كثيرة لاتثير فينا الشهية للدمع . نحن نحزن بطريقة غير لائقة ولاتمت للأنسانية بأية صلة وليس فيها الحد الادنى من القيم . هنالك حوادث كثيرة وبشر ازهقت ارواحهم و قتلوا لأسباب سامية لكننا لا نمنحهم دقيقة صمت واحدة . ولا نأخذ بيد أطفالنا ليتعرفوا على قبورهم .

ليبدو ان (بشت آشان) تخص نوعا محرما من اللحم هو ( اللحم الشيوعي ) . اما ضحايا النازية فهم يحملون ختم (اليهود ) وبذلك يكون خنقهم في غرف الغاز هو عمل غير مقزز لنا كعرب ومسلمين .

سوف تتوسع قائمة اللحم البشري المختوم بختم تشوهنا وبرودنا الانساني . لن نقف دقيقة واحدة على ضحايا غزو الكويت ولا على ضحايا الزلازل والاوبئة والفياضانات ولا على سبتمبر واخواتها . اما شهداء الجيش الامريكي الذي سفحوا دمائهم وحررونا من البعث وزمرة صدام وسمحوا لنا بالتنفس بعد قرن من الاقصاء , هؤلاء الجنود سوف نضع عليهم ختم ( المحتل ) و لن نعثر لهم على قبر في العراق, بل ولا اي اثر يدل عليهم . كأن الذي حررنا من صدام هو طبق فضائي . او مخلوق خرافي يشبه ( الطنطل) . لا توجد دقيقة واحدة في سنتنا لذكرهم . نحن لا نحزن الا على 72 شخصا فقط سقطوا في كربلاء . لاشك اننا نتفهم الحاجة الروحية لهذه الطقوس ولكننا لا نفهم كيف تحتل السنة كلها ولاتترك حتى بضعة دقائق للحم البشري الهائل المحيط بنا , هنا نتوقف ونضع علامة استفهام على انسانيتنا ؟ هنالك عوق روحي وراء هذه الظاهرة .

ولكي اقيس مقدار العوق الروحي الذي نعاني منه كان لابد ان استحضر الارقام . في الزيارة الاخيرة لكربلاء كان هناك ( 20 ) مليون زائرا حضروا مراسيم العزاء . وقبل ان أرسل هذا المقال عدت الى منشوري في الفيس بوك عن معسكر الاعتقال النازي ( اوشفيتز Auschwitz ) . حسبت عدد الموقعين عليه فظهر أنه : بعد اربع ساعات من تعليق المنشور لم يتجاوز العدد (5 ) اشخاص .
وبذلك يكون مقدار العوق الروحي هو بنسبة ( 20 ) مليون الى ( 5 ) .