23 ديسمبر، 2024 1:09 م

 العودة للفردوس السومري

 العودة للفردوس السومري

“وبأمر مني تتراكم أكوام وتلال من الشعير، داري تلقي بظلالها على المستنقعات، مسكني حيث الأسماك طويلة الشارب، تقترب من النباتات ، والشبوط هناك يتسلل بين القصب ويثير الماء موجات، والطيور من اعشاشها تزقزق نحوي مرحات” مقطوعة من قصيدة سومرية.
وسط مساحات واسعة من بطائح خضراء، مغمورة بالمياه ومكسوة بنباتات متشابة تسمى الاهوار، أوجد الإنسان السومري وسائل بدائية للمعيشة تنسجم مع هذه البيئة، حيث يسكن في (صرائف)من القصب قائمة على جزر (جباشة)

،تبنى من حصائر القصب (البواري)،الموضوعة على حنايا شبه متوازية من حزم القصب (الشباب)،وينتقل بقوارب صغيرة من الخشب المطلي بالقير (المشحوف)،ويجرد سيقان القصب الطري كعلف للجاموس الذي يمده بالحليب ومشتقاته، وبسبب وفرة المياه ومنابت القصب والبردي، ازدهرت الثروة الحيوانية، فأصبحت مراعي طبيعية للأسماك وأنواع كثيرة من الطيور كالبط والاوز والخضيري والحذاف ودجاج الماء ومالك الحزين (الزركي والرخيوي)واللقالق والبجع والنسور (الحوم )والعصافير وغيرها.

واختراع طريقة لزراعة الرز (الشلب)تتناسب وطبيعة المنطقة تسمى (الشتال والشلاع)، وكذلك زرع النخيل على ضفاف جداول المياه وعلى الجزر وسط الاهوار (الاشن)،وكذلك الشعير والحنطة وبعض الخضروات.

عاش الإنسان السومري في هذه المنطقة وبذات الوسائل قبل 5000 سنة، يدلل على ذلك وجود 122 موقع أثري، فقط في هور الحمار، بعضها يعود إلى فجر السلالات السومرية (2350 -2800 (ق.م ،لذا تعد ذو أهمية سياحية وجمالية وصناعية أن كانت هناك إرادة للاستثمار في هذه الجوانب.

استمر هذا الترابط البيئي والاجتماعي ، حتى أصبح تجانس يقنع الجميع، معتمدين على منتج المكان في جميع احتياجاتهم، فتكون مجتمع عنيد أحب حياته وطقوسه ونال القناعة بما تمن به البيئة.

هذا الفردوس السومري بقي يمني نفسه بالخلود ،و لم يدر بخلده أن هذه الجنة ممكن ان تبور ،حتى قرار النظام السابق عام 1992 تجفيف الاهوار ،عندما اعتبرها منطلق لشرارة الانتفاضة الشعبانية عام 1991 ،وخلال بضع سنوات اضمحلت الحياة في المكان، واستحال إلى صحراء قاحلة، وزحف الملح (الصبخ)إلى أرضها، وغطت السموم نخيلها ،فتحول معظمها إلى جذوع خاوية، وصطبغ كل ما فيها بلون التراب.

مما اضطر أهلها أن يهجروها بالكامل، إلى المدن

المحرومة من أغلب الخدمات المدنية، مما زاد من معاناتهم وزاد من اريفت مدن العراق، والحديث في هذا المضمار ذو شجون.

سقط النظام السابق بعد دخول الماكنة العسكرية الأمريكية للعراق، بحجة أن النظام يستخدم الأسلحة الكيمياوية، وقام بجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية منها تجفيف الاهوار، واستثمر الأكراد هذا الحدث بشكل عاد عليهم بفوائد كبيرة، (أما عمي حمزة فلا بواكي له )بل على العكس من ذلك، بدأ البعض يرفع شعارات ضد المحتل، بدلا من مطالبته باعمار المناطق المدمرة، وخصوصًا انها كانت شماعة لاحتلال العراق، علماً ان مشكلة الاهوار أخذت بعدا دولياً آخر، نتيجة بناء السدود على نهري الفرات ودجلة في كلا من سورية وتركيا، والتي قللت من تدفق المياه إلى العراق، وكانت هناك فرصة كبيرة لاستثمار الحدث بوجود الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وتسجيل الاهوار كجزء من التراث الإنساني ، وقد صرفت أموال في هذا المجال من قبل الأمم المتحدة و المنظمات الانسانية لإنعاش الاهوار، ولكن الفساد وانعدام الرؤية جعلاها محدودة الجدوى.

أما حكومتنا المركزية فاخر شيء تفكر فيه هو عودة الاهوار، علما أن هذا الموضوع ليس موضوعا بيئيا وإنسانيا واقتصادياً، بل هو هدف سياسي مهم جداً، بل يجب أن يكون على قائمة الأهداف السياسية، ولكن لا حياة لمن تنادي.
[email protected]