22 نوفمبر، 2024 10:31 م
Search
Close this search box.

العودة بأكثر من خفين

العودة بأكثر من خفين

باستقراء سريع للطاولات التي طرحت عليها مشاكل العراق خلال عقد ونصف عقد عجاف، مضت والمواطن العراقي يتقلب بين صفيح ساخن وآخر أكثر سخونة، يتبين للمستقرئ أن طاولة مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي أقيم في الكويت، ليست أول الطاولات، فهناك المئات بل الآلاف من الطاولات التي عقدت عليها مؤتمرات واجتماعات ولقاءات، عجت بالشرفاء والمحبين، وكذلك غصت بالـ -ناقصين- والمبغضين، وبين هؤلاء وهؤلاء، خرجت كل تلك التجمعات صفر اليدين إلا من خفي حنين.
وعملا بمقولة (كن مظلوما ولاتكن ظالما) باتت كفة المواطنين العراقيين راجحة على كفة المتحكمين بأمر بلدهم، مع أن الأخيرين في مؤسساته ووزاراته وهيئات رئاساته الثلاث، يعيثون فيها بأعداد (تسد عين الشمس)..! وهذا أمر لاينكره عاقل ومنصف لو حكمناه في أمر المواطن وحكامه، إذ أن الغالبية العظمى من العراقيين يتربعون على عرش المظلومية في بلدهم الغني بالثروات، ولهم على حاكميهم حقوق مسلوبة، وأموال منهوبة، ولهم كذلك (حوبة) لاسيما إذا كان ميزان العدل والحق هو الحكم، وقد قيل عن الظلم والظالم:
لاتظـلمن إذا ماكـنت مقتـدرا
فالظـلم مرتعـه يفضي الى النـدم
تنام عينك والمظلوم منتبـه
يدعو عليـك وعين اللـه لم تنـم
ومازال العراقيون المظلومون يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين متضرر ومنكوب، وصابر وجزوع، وخاسر ومغبون، وضحية ومغدور، رغم عيشهم في بلد جمهوري فدرالي تعددي ديمقراطي (الله يچرّم). فيما لايزال ساسته وأرباب الحكم فيه وأولي الأمر وأصحاب القرار، يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين سارق ومرتشٍ، وناكث وحانث، وكاذب ومماطل، ومزور وغشاش، ومتواطئ و… (ناقص) عن جدارة واقتدار منقطعي النظير.
فلو استعرضنا ماطرح من مشاريع وأعمال على طاولات المجالس الثلاث خلال السنوات الماضيات، لانرى إلا النزر اليسير منها قد تحقق على أرض الواقع، وكأن الأمر متعمد ومقصود -وهو كذلك فعلا- ففيما يخص التشريع، غالبا ما يتأخر البت في كل ما له صلة بمصلحة المواطن ومعيشته وأمنه واستقرار حياته الاقتصادية، إذ مامن أحداث صغيرة او كبيرة تطرأ على البلد، إلا واتخذها المشرعون ذريعة في التأثير المباشر على يوميات المواطن ومفرداته. ولو استعرضنا على ذات الطاولات في المجالس الثلاثة ولاسيما مجلس النواب، تاريخ المشاريع والأعمال المطروحة التي تنتظر التفعيل والإقرار، لتعود بالنفع والريع للمواطن، لتبين لنا بكل وضوح أسباب هذا الشح والقحط في الإنجازات، إذ يعتمد إقرار المشاريع والقرارات والقوانين على مدى تحقيقها المنافع والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية لمقرريها. وإن أردنا الاستيضاح أكثر عن هذا الانحياز علينا النظر الى مايجري تحت الطاولات، المستديرة منها والمستطيلة والخماسية والسداسية والسباعية والثمانية، فهناك تتضح بشكل جلي الأيادي المتعاضدة والأذرع المتشابكة، التي دخلت العملية السياسية على غفلة من الزمن، وصار أمر الملايين من أبناء البلد تحت رحمتها.
إن البلد وهو يطوي عقدا ونصف العقد من أعوام الحرية وزمن الحكومات المنتخبة، كان من المفترض أن يكون شعبه بعد ذاك الصبر في مقام غير مقامه الذي آل اليه، ومن غير المعقول أن يستمر عيشه وهو يعاني من سلبيات الديمقراطية، نائيا عن أيجابياتها قسرا، ومن المؤكد ان تحقيق الإيجابيات مرهون بأولي أمره في بلده، والذين بدورهم مرهونون بيد الأحزاب والكتل والشخصيات النافذة ليس بداخل البلد فحسب، بل القابعون خارجه كذلك. ولعل مؤتمر الكويت ليس آخر مجلس عزاء للعراقيين، إذا ماذهبت أموال الإعانات والمنح كعادتها الى جيوب الفاسدين، فما دامت الطاولات لاتحصى ولاتعد، فالاجتماعات حولها حتما تكون هي الأخرى على قدم وساق، ولتأتِ بأكثر من خف لحنين وغير حنين.

أحدث المقالات