18 ديسمبر، 2024 7:53 م

العودة إلى عالم الدُنيا

العودة إلى عالم الدُنيا

ملاحظة الفكرة المطروحة بحاجة إلى استفاضات أكثر في التدعيم أو النقد وما هي إلا انطلاقة بحثية لبزوغ فكرَة جديدة عن عودة الإنسان لعالم الدُنيا. لا ادعي دقتها بالكامل ولا أدعي نقصها بالمطلق وَعَلَى قدّر ما أعطانا اللَّه من البيان نقول؛
راجع سورة عبس بالكامل لطفاً
ثم اذا شاء انشره/ عبس ٢٢
كلا لما يقض ما امره / عبس ٢٣
أية النشور في هذه السورة تختلف اختلافاً يثير الملاحظة والتدقيق عن النشور المذكور في جميع ايات القرآن الخاصة بالنشور لما بعد الموت والتي ممكن ان يفهم مِنْهَا في باقي النصوص بشكل عام ( نشور يوم البعث/ او يوم القِيَامَة) اما هذه الآية تثير محل استغراب كبير بما تحوي من قراءن في نفس سياق السورة.
من هذه القراءن ( كلا لما يقض ما امره)! ( ثم اذا شَاء انشره)، هنا اذا شَاء عبارة مثيرة للدهشة فعلاً كل سياقات القران في النشور تتحدث عن الحتميّة الجماعية للنشور الا في سياق هذه الآية فكأن هناك مقصود فردي لبعض البشر في النشور.
الذي بطبيعة القراءن يختلف عن النشور الحتمي الجماعي ( يوم الحساب/ يوم القيامة) وكأن الآية تتحدث عن حالة خاصة في النشور لما بعد الموت للإنسان تختلف جذرياً عن الحالة المذكورة في كل سياقات الآيات المذكورة في السور، تكلم صاحب الميزان في تفسيره بطريقة اراد بها ان يوظف النص القرآني بنفس سنخية النشور الاعتيادي واظنه في هذا ابتعد عن الدقة في توأمة هذا النص مع النشور المذكور في كل السياقات الخاصة بهذا المعنَى، هناك اشارات فاصلة لهذا المعنى ولهذا النشور عن النشور الجماعي والمعهود في ايات القرآن الأخرى، ومن خلال التتبع عزيزي المتدبر ومحاولة سحب بعض القراءن الداخلية او الخارجية على الآية تجد ان هناك فعلاً فرق بين النشورين.
النشور الأول للانسان كفرد
النشور الثاني الجماعي ( يوم يخرجون من الأجداث سراعاً)
( ونفخ بالصور فإذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون)
((إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ﴿٣٥ الدخان﴾))
((يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴿٧ القمر﴾))
هذه النشورات الحتميّة الجماعيّة التي اتخذت منها أجزاء للتفريق بين مفهوم النشور الأول ( النشور الفردي) المتعلق بالمشيئة (( اذا شاء انشره))! لاحظ العبارة بثم اذا شاء انشره؟ حالة مختلفة عن الحقيقة الثانية الجماعيّة في النشور ليوم البعث والقيامة.
لدينا في فلسفة الذات الإلهية شَيْء هو ؛ امر متعلق بالذات المقدسة نفسها وهذا غير منفكة وغير مشتقة ولا ممنوحة لأحد كالالوهية او الوحدانية والصمدية، والشيء الملازم للذات المقدسة لكنها منفكة بنحو الأصالة لا بنحو العارض الموجود الذي يمكن ان يكون موجود او لايكون، بل هي اصيلة في الذات مندمجة ليست جزء ذات بل هي كل الذات وهذه مايسمى عليها الصفات ( كالرحمة، والعطف، والانتقام، والعدل…الخ)) هذه صفات تنفك على نحو فيوضات للخلائق مع بقائها هي نفسها اصل الذات المقدسة وليست جزء مندمجة كلياً بالذات بجملتها منفكة “”جزئيا”” فقط على الخلائق وهذا ما يسمى صور من ذات الله المقدسة في الارض وهذه مرتبة موجودة ومتوفرة لدى البشر ويمكن الحصول عليها بسهولة، اما ما يتعلق بأصل الذات المتفردة وليس بأصل الصفات فذلك امر ممنوع من الشراكة او التقليد بل هو أمر يستحيل اطلاقاً تمثيله.
العلة في الأمر اين؟
ان اية ( ثم اذا شَاء نشره) امر متعلق بالمشيئة المتنزلة للبشر القابلة للتغير والمنع او الإعطاء وليس متعلقة بالمشيئة الذاتية او النشور الحتمي،
لاحظ بسهولة اذا شاء الله امات الانسان
اذا شاء احياه
اذا شاء رزقه ، اذا شَاء دفع عنه الشر، اذا شاء هداه…..الخ
امر متعلق بالمشيئة الكيفية الخاضعة للحكمة والإرادة فحسب.
لكن في المقابل هناك مشيئات حتمية ضرورة إلهية واجبة متعلقة بالإرادة الذاتية وليست الصفاتية.
مثل نهاية كل شَيْء ألموت ( كل من عليها فان)) طال او قصر.
نهاية البشر الحساب (( خير او شر))
نهاية الحياة الساعة ، القيامة، الواقعة….الخ
اشارات حتمية او عبّر عنها الفناء المطلق لكل شَيْء. هذه حتمية ذاتية وليست حتمية مجتزئة بالمشيئة لحكمة معيّنة.
هنا يبرز الفرق في هذا النشور في الآية المذكروة والمتعلقة بالمشيئة في النشر،
قرينة اخرى؛
(( ثم السبيل يسره))
(( ثم اماته واقبره))
هنا الامور تجري بشكل عام وكأننا نقرأ اية وظفت كلامها لغرض الموت والحياة وعالم مابعد الموت ( الاخرة). لكن هنا الاية الاتية ستحيلك الى إحياء في الدنيا،
تأتي الآية الاخرى لتقول (( ثم اذا !!! شاء انشره))
لاحظ معي (( ثم السبيل يسره!!! ثم اماته واقبره( امر حتمي مشيئة ذاتية) لكن ثم اذا شاء انشره!!
نحتاج الى وقفة بين (( ثم السبيل يسره))، وبين ( ثم اذا شاء انشره)).
لو لم يتيسر السبيل هل في هذه الحالة ستتحقق المشيئة في النشر؟
واين هذا النشر؟ في عالم الدنيا؟ ام في الآخرة؟
لو كان في الآخرة؟ تأتي الآية التي بعدها لتقول (( كلا ليقض ما امره))
ما امره؟؟
والسبيل يسره!!
لتأتي الاية لتعصف بك ذهنيا لتخاطبك ليس لعالم الآخرة بل بوجودك بالدنيا ( فالينظر الانسان الى طعامه…. الخ)) ونهاية الايات تعصف عصف اخر نحو الآخرة. وذكرها القرآن بالصاخة، وكانه يريد ان يفصل بين العالمين عالم النشور الفردي وعالم النشور الجماعي،
قرينة اخرى اخالف بها جمهور المفسرين في التفسير البرزخي لأية
(( ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين))
ليس شرط ان تكون برزخية كما يعبرون لو دعمنا هذه الآية مع هذا النشور نعرف ان هناك نتيجة بعث ونشور فردي لنفس الانسان الذي يموت وذلك امر متعلق (( بالـ ثم السبيل يسره)) لو يتعثر السبيل المتيسر سينشر الانسان من جديد مرة اخرى لكن هل مدار النشر في نفس الأرض ام في غيرها؟ نفس المكان؟ نفس الهيئة؟ يعلم او لايعلم؟ ثم ما هو ذلك السبيل الذي تعثر ولم يتيسر؟ ما نوعه؟ ماهدفه للإنسان المنشور؟ هل هو ديني بحت؟ هل هي رسالته بالحياة؟ هل هو عمل او امر توقف انجازه وتعطل ويعاد نشر الانسان في الدنيا لاتمامه؟ ذلك الانسان المنشور هل هو من نفس الصلب والنسب؟ لاحظ ((اماته واقبره)) هو نفسه الذي (( اذا شاء نشره))!!!

اذن نفسه الانسان ينشر وهو يعلم انه منشور مرة أخرى (( احييتنا اثنتين)) لكن سيأخذ تعاليم وآلية وقواعد النشر الجديد في عالمه الذي سيعود له مع احترامه اي الانسان المنشور لاصول وقواعد النشر والالتزام بها.
انه عالم أخر سنحيا به بعد الموت غير عالم الآخرة بل هو عالم بالدنيا نفسها بعد موتنا سنعود لها لكن الامر متعلق بأمرين
(( السبيل اذا تعثر ولم يتيسر))
(( اذا شاء)) اي بالمشيئة
يبقى هنا هل هو نشور جسدي ام روحي؟
يعني نرجع بنفس الجسد بأختلاف او تشابه الهيئة او روحيا فقط؟
لدي تأويلات كثيرة الى الآن لم اوفق الى حقيقة استطيع اعتمد عليها في نوعية النشور هذا،
لكنك ستعلم انك منشور من جديد هنا النقطة التي توقفني بنفس جسدك او جسد أخر؟ ام روحيا فقط ستكون منشور؟
هل سمعت بالأرواح الغاضبة؟ التي تظل غير راضية عند استلابها نتيجة الظلم او الغدر او القتل؟ هناك حقائق كثيرة وعلمية ومثبتة عن هكذا أمر، للأرواح التي تتعذب!!
امر اخر راجع بعض الادعية كالزيارة الجامعة وزيارة ال يس
(( ان رجعتكم حق لاريب فيها))
(( مؤمن بايابكم))
(( ذكركم في الذاكرين وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور))
لاحظ العبارات جيداً وتمعن عزيزي في العمق.
النّتيجة التي اكاد اجزم بها ان هناك أسماء ماتت ومن ثم نشرت اين لا ادري؟ لكن هي تعلم وتعرف انها هنا والى ماذا جائت وعلى اي شَيْء؟ وليس الأمر محصور للأئمة فقط عليهم السلام لو سلمنا بالتفسير العرفاني لهذه الجمل العظيمة، بحكم القراءن والآية التي ذكرتها ان الأمر يجري علَى الآخرين،
ان هناك حياة اخرى سنعيشها بعد الممات ولأسباب ذكرتها سابقاً وبنفس هذه الدنيا. والذي سأستفاد منه في نص هذه الزيارة اننا ووفق قواعد ومحددات معينة سننشر من جديد هنا بالدنيا لكن ليس بنفس الجسد بجسد أخر لكنك تعلم انك كنت هنا سابقا وكان اسمك فلان وعملت كذا وكذا… والان انت رجعت من جديد باسم مختلف وجسد أخر لكن بنفس روحك وانت تعلم ذَلِك لكن قواعد ( المشيئة)) لاتتيح لك التصريح!
نحن عالم مليئ بالمنشورين مرة اخرى للحياة لأسباب رحيمة او اسباب عُنفيّة،
هذه الحالة ستشكل تفسير مقنع وجدير بالإهتمام لمعرفة اسباب الصراعات التأريخية والتحولات في مزاجات البشر والممجتمع والأفراد،تعطيك تفسير عن مهمتك التي ستنجزها والتي قد تتحول في لحظة ما، كَذَلِك هناك أمر غاية في الأهمية وفق القواعد الأساسية المتعلقة بالمشيئة للنشور، عندما ترجع ستكون بحال افضل او تخوض صراع جديد، او تعيش في عالم الدنيا في عالم أخر دولة أخرى لسبب ما، هناك امور كثيرة ستترتب على هذه النّتيجة وما ذكرتها الا قليل، امر اخر لا يعني ان هذا النشور الفردي المتعلق بـ( ثم اذا شاء انشره)) هو عملية تدوير ومتحولين من البشر الامر يختلف. القرآن واضح اماته واقبره ثم اذا شاء نشره، ليسوا متحولين بل منشورين من جديد في هذه الدنيا. وكذلك هؤلاء ليس هم الخلق الجديد بل مسيرة الخلق مستمرة وفق هذه القواعد بخلق انسان اخر جديد (( ﴿ أَفَعَيِينَا بِالخَلقِ الأَوَّلِ بَل هُم فِي لَبسٍ مِّن خَلقٍ جَدِيدٍ ﴾. وان كانت الاية ايضاً فيها إسناد لادعاي. بكل الاحوال المسيرة في الخلق هي هي لم تتغير. لكن الامر الجديد ان هناك نشور لنا حسب المشيئة في عالم الدنيا.

اعتذر عن عدم الدقة في الصياغة او الاستفاضة في المبحث لانه كتب كتلخيص، كان هدفي هو فتح الباب للتأمل بالآية، لأترك للقارئ اللبيب فرصة التفكر والتعمن والتدقيق والتمحيص حول نشأته الثانية في عالم الدنيا وبأي مكان ستكون؟