19 ديسمبر، 2024 3:05 ص

العواصف الترابية .. نعمة أم نقمة ؟

العواصف الترابية .. نعمة أم نقمة ؟

تجتاح البلد ،المبتلي بكل أفات الزمن ، أجواء مغبرّة ، يندر ان ينجو منها يوما ، وتقاريرالبيئة تبشـّرنا ان 300 يوم من كل سنة ، ستكون مغبرّة ، بشرى أخرى من الاف البشائر ، كلها غير سارّة .
ونحن ازاء ظاهرة لم تكن مألوفة في عراق ما قبل عام 1991 ، اي منذ ما يسمى بعاصفة الصحراء التي أتت أكـُلها بغبار نحتثي به حتى اليوم ، وقبل ذلك التاريخ ، لم يكن الجو مغبرا بتلك الكثافة المريعة.
وتحاول فضائياتنا المحلية ،ان تـُزين هذا الامرعلى لسان اناس بسطاء وكأنه منـّة من الله ،كونه يقضي على الأفات الزراعية ،ولا أدري ، هل ولـّى زمن العلم ، فصرنا نطلق التصريحات على عواهنها ، دون تجربة أو دراسة أو استقراء ولو بسيط ؟ .
تعالوا ندرس أثار تلك الظاهرة :
1. ان أكثر من 40 % من الفيروسات تنتقل بواسطة حبيبات الغبار تلك ، حسب تقارير علمية مؤكدة.
2. انها المسببة للكثير من حالات الوفاة عند مرضى الربو ، وكبار السن ، وممن يعانون من أمراض في الصدر      في مستشفيات البلد ، فهل شهد مسؤولونا ذلك؟
3. ان الغبار الذي يكسو ورقة النبات ، والذي يكلّـّل الخضرة بلون كئيب ، يجعلها غير قادرة على استيعاب الطاقة الضوئية وبالتالي لا تعمل بأكثر من 70 % من طاقتها ، وينسحب ذلك الضرر على الغلات الزراعية.
4. شحة مياه الاسالة بسبب تلوثها  بالغرين (المستورد) ، مما يجعل عمليات الترشيح ( الفلترة) عسيرة وبطيئة .
5. تقليل مدى الرؤية بشكل دراماتيكي وخطير ، مسببا حوادث السير ، والغاء رحلات الطيران ، وأن كانت        مطاراتنا مقفرّة ، وبطائرات مستأجرة من (البالة)! ، بسبب خوفنا ، وكأننا لصوص ، من دولة أصغر من كف اليد لسخرية القدر!.
6.أن الغبار الذي يدخل الرئة ، يتحجّر في الداخل ، ويصبح من الصعب التخلص منه .
7.جميع محركات الاحتراق الداخلي تحتاج لهواء نظيف ، والغبار يسبب انسداد مرشحات الهواء ابتداء من السيارات وانتهاء بمولدات الطاقة الستراتيجية ، الغازية والبخارية والحرارية ، ويتطلب ذلك فترات صيانة أضافية على حساب وقت الاداء.
8. انها تضيف اعباءً كبيرة من التنظيف بعد انحسار موجة التراب ( هذا ان انحسرت) ، وعند الانتهاء من              التنظيف ، سرعان ما يفاجئنا ذلك الزائر الثقيل مرة أخرى ، لتذهب جهود التنظيف هباء ، والتنظيف ممالا شك                                                                       به متعب ، خصوصا وانه يعلق بالاثاث والسجاد ، وحتى لو هرب العراقيون من الأنفجارات ، والاغتيالات        وهراء وسجالات الساسة الى داخل (القاصات) ، فسوف يتسلل اليهم الغبار!.
مَنْ يدري ، لعل احدهم يتحفنا يوما ، برأي ، أو بفتوى ، أو بتعليق ،ان العواصف الغبارية ،من انجازات السياسيين ، وان الهزّات الأرضية رحمة من عند الله ، لأنها تنظف الأرض من شرار الخلـْق ! ، وان الكهرباء ، رجس من عمل الشيطان لأنه يسبب الصعقة !، وأن شحة المياه ، تقلل من أحتمال الغرق ! ، وأن تعبيد الطرق يزيد من سرعة المركبات ، فتزيد حوادث الدهس!.
صحيح ان العراق يتنفس اللامعقول في كل شيء ، ولكني اشعر بالرثاء على دولة ، في القرن الحادي والعشرين ، تنتظر قدوم الغبار ليبيد لها أفاتها الزراعية (عليّ وعلى أعدائي) ، ولا تستخدم  أليات المكافحة المتطورة مثل باقي البشر !.
لا أجدّف اذا قلت ان سبب ذلك تقصير السياسيين أيضا ، وهم بالاصل مقصرون حتى النخاع ، فالسبب الرئيسي لتلك الكارثة هو نقصان المسطحات المائية بشكل مخيف ، خصوصا الأهوار والبحيرات ، والأهمال المتعمد للزراعة ،وهي قوت الناس والعزوف عن أنشاء الأحزمة الخضراء والتشجير ، ولا استثني المواطن الذي بأمكانه عمل الكثير ، وانتشار سموم المولدات التي تـُعد بالملايين .
المؤامرة على البلد كبيرة ، تشترك فيها جميع الدول المطلة على الحدود بلا استثناء ، فها هي تركيا ، تقيم السدود ، وها هي أيران ، تقطع 30 رافدا مهما ، وها هي سوريا …
أضعف الأيمان ، ان يملأ سياسيونا الأرض صخبا واحتجاجا على تلك الدول من عدة طرق هم أعرف بها ،وأن يكون حضورهم قويا ومدويا في كل المنابر والمحافل الدولية ،ابتداءا من الامم المتحدة ، مرورا بمنظمات البيئة ،وليس انتهاء بمنظمات حقوق الأنسان واليونسكو ، يقع ذلك على عاتق جميع الوزارات ، خصوصا وزارة الخارجية الخاملة والخجولة ، وقد سمعت مؤخرا ان لدينا وزارة للبيئة !! ، فالامر جلل ، يهدد بانقراض تاريخ وحضارة ، يهدد بفناء بلد بأكمله ، وادي الرافدين ، الذي سيتحول الى صحراء قد تـُلحق بالسعودية  يوما ما ، فيعود ما يتبقى منا الى حياة البداوة وأخلاق الصحراء.
العجب كل العجب من ناس أو سلطة ، لا تميّـز بين نعمة الله وسخطه .

أحدث المقالات

أحدث المقالات