22 ديسمبر، 2024 8:49 م

العوائل العراقية بين دكتاتورية الأخلاق وديمقراطية الانفلات العائلي

العوائل العراقية بين دكتاتورية الأخلاق وديمقراطية الانفلات العائلي

لا يخفى على احد اليوم الاوضاع التي تعيشها اغلب العوائل العراقية من اختلاف جذري في العادات والتقاليد مقارنة مع الحياة الاسرية التي كانت تعيشها في الماضي القريب.. فلقد كان النظام الاسري متماسك بقوة رب الاسرة والطاعة العمياء له من قبل افرادها لان كلمته تعتبر غير قابلة للنقاش وقراره هو الوحيد الذي لا يمكن لأي فرد في هذه الاسرة معارضته على اعتبار انه قرار صحيح وصادر من قائد العائلة والغاية من مضمونه دوما هو الحرص على التماسك الاسري والمحافظة على مستقبلها من الضياع والانحراف الاخلاقي…
كان الاب يعتبر نفسه هو المسؤول الاول عن كل شيء يخص أسرته وتعتبر الأم الوكيل له بكل مهماته الابوية في حالة غيابه عن عائلته..
لم يكن الابناء يناقشون هذه القرارات لأنه مقتنعون تماما بانها قرارات صحيحة وفيها تهذيب لأنفسهم وضمان لمستقبلهم وتجدهم دوما يتنافسون فيما بينهم على ارضاء اهلهم على اعتبار ان هذا الشيء مهم ويترك بصمة في قلوب ارباب الاسر ويعتبر شهادة مهمة مفادها إن الابن المطيع والمثابر في كل اعماله الاسرية المكلف بها والناجح في حياته العملية سواء الدراسة والتعليم او في الاشغال المنزلية الاخرى يعتبر انسان صالح ويمكن الاعتماد عليه في قيادة الاسرة احيانا….
ان العائلة العراقية كانت تعيش في الامس القريب حياة متماسكة اخلاقيا مع وجود قناعة تامة بما متوفر لهم وموجود من كل المستلزمات التي حولهم  ولا يفكرون في المقارنة بين معيشتهم ومعيشة من هو افضل منهم من ناحية الجانب الاقتصادي لانهم يعرفون جيدا ان رب الاسرة يقدم كل مجهوداته الممكنة من اجل اسعادهم وتقديم الافضل لهم… ورغم ان الحياة كانت مبسطة جدا والامكانات المعيشية بسيطة الا ان الكثير من الصعوبات الاقتصادية كانت تواجه ارباب الاسر فرغيف الخبز لم يكن توفيره بالسهل وببساطة الطبيعة لان الدخل المادي لكل العوائل كان ضعيف جدا سواء كان في القطاع الخاص او القطاع الحكومي. فالفلاح كان يتقاضى اثمان قليلة جدا عند بيع محاصيله الزراعية او من راتب وظيفي لا يتعدى بضعة  دنانير شهريا وعليه ان تكون لديه خطة اقتصادية ثابتة لسد حاجات عائلته الضرورية وفي مقدمتها المأكل والملبس اضافة الى مصروفات بسيطة اخرى مثل المصروفات الدراسية لأبناء الاسرة….
هكذا كانت تعيش العائلة العراقية فتجد بينهم ترابط اسري متين غير قابل للتفكك او الانحطاط ومطابق تماما  للمفهوم الاخلاقي لتلك الاسرة…
لقد كانت الاخلاق مهمة جدا ومطلوب من كل رب اسرة توفيرها مثلها مثل توفير رغيف الخبز لأسرته.. وكان افراد الاسرة لديهم القناعة بما قسم الله لهم في هذه الحياة…
فأين نحن اليوم ايها الاسر العراقية الكريمة من ذلك. وهل مازالت هناك سلطة للاب او الام داخل العائلة وهل مازلنا نحافظ على عوائلنا من التفكك  ومازلنا متمسكين بالمفهوم الاسري والجواب هو العكس وللأسف الشديد لدى اغلب العوائل العراقية. فالأب اصبح دوره توفير الجانب المادي فقط اما الجوانب الحياتية الاخرى فيعتبر معالجتها  خارج صلاحياته والام تعتبر ان واجبها فقط هو القيام بالأعمال المنزلية مثل الطبخ وتنظيف البيوت ولذلك تجد الضعف الواضح في شخصيتها داخل الاسرة…
لقد اصبحت اغلب العوائل بليلة وضحاها تعيش بعيدة عن مفهوم الاسرة الصحيحة وتجدهم جميعا امام الاعذار والذرائع لفشلهم الواضح في ما يقومون به من اعمال تنافي الرابط والتماسك الاسري واصبحوا ينظرون الى ذلك بانه مفهوم ثقافي جديد ومهم واصبح اغلب الآباء يتباهى بتصرفات ابنائه الغير صحيحة.. ولقد وصل الحد في بعض الاسر  احيانا عدم الجلوس على طاولة اسرية واحدة بين افرادها الا في المناسبات العامة. واصبح التشجيع فيما بينهم على الفشل وعدم ممارسة حياتهم بالصورة الطبيعية المطلوبة.. وعلى الجميع ان يعيد حساباته قبل الضياع التام وقبل الوصول الى الهاوية لان الاغلبية اليوم قد وصلوا الى حافاتها القريية. وعلى رب الاسرة ان يفكر جيدا بأهمية متابعة كل تصرفات ابناءه وبناته بمثل تفكيره بتوفير رغيف الخبز والملبس اللائق لهم وان يعرف جيدا ان الملبس الجيد والأكل الجيد يحتاج الى اخلاق جيدة حتى تكتمل كل المتطلبات الضرورية لإنجاح وبناء اسرة صحيحة يسودها الاحترام المتبادل بعيدا عن مفهوم التفكك والانحدار الاخلاقي.