18 ديسمبر، 2024 11:52 م

العهود والأسماء وحي 8 شباط

العهود والأسماء وحي 8 شباط

كل عهد له رموزه وتماثيله وأسماؤه. وكلما سقط عهد ذهبت معه جميع سيميائيّاته (علاماته) فعندما انهار العهد الملكي وجاءت الجمهورية الأولى زالت  صور الملوك وأسماء الأمكنة المرتبطة بالعهد المباد (المدرسة الهاشمية وسينما الملك فيصل وحديقة الملك غازي …) وحلت محلها أسماء جديدة: مطعم الجمهورية، جسر الشهداء، الأحرار. شارع الكفاح، ساحة التحرير. وعندما اغتيلت الثورة وزعيمها استبدلت حتى أسماء المدن التي بناها باسم الثورة فصارت لاحقا مدينة صدام ثم الصدر… وكذلك نصبت تماثيل الدكتاتور صدام وجدارياته في كل الأماكن، لكنها تلاشت في يوم وليلة بعد هزيمته النكراء، فاستبشر الناس خيرا بالقادمين الجدد.
وعلى الرغم من أن الوضع لم يستقر بعد إلا أن صورا بدأت تظهر هنا وهناك، تقليدا لحكام العهود البائدة بل السير على النهج ذاته… فتغيرت أسماء قاعات وثانويات ومدارس. ولا شك أن المواطن يقبل بتغيير الأسماء التي ارتبطت بدكتاتوريين وحكومات ظالمة. ولكن لماذا تغير الأسماء الوطنية المرتبطة بأعلام العراق وعلمائه ومدنه؛ أو بشهداء وطنيين. وعلى سبيل المثال لماذا يجري تغيير اسم مدرسة الجمهورية أو إعدادية الحلة أو البصرة أو أية محافظة أخرى، أو جسور يطلق عليها الجماهير أسماء  ترتبط بالمكان على سبيل المثال مجسر الثورة لقربه من مدينة الثورة، فما أن يصبح الاسم متداولا، حتى ترفع لافتة بعنوان آخر يرتبط بتوجه سياسي معين فتأتي الأسماء حزبية ضيقة أو طائفية، ولماذا نرى اسم  شهيد معين- مع احترامنا الكبير لكل شهيد-  يطلق على عدد من البنايات والمؤسسات، بينما لا يحصل شهيد آخر على أي تكريم لا لشيء إلا لأن الأول يمثل اتجاها سياسيا حاكما. وفي كثير من الأحيان تطلق الأسماء بالقوة في زمن الفوضى وغياب الدولة والانفلات العام، لتكون في ما أمرا واقعا… 
            وقد لفت نظري أن حيّا كبيرا وسط مدينة الحلة يقع على شارع أربعين، مازال يسمى رسميا  “حي 8 شباط”!  لماذا لم يسارع الحكام الجدد لتغييره أسوة بكل ما غيروه؟ هل نسي هؤلاء أن هذا الاسم يعني انقلاب 8 شباط  الذي اسقط ثورة 14تموز المجيدة على يد البعثيين وبمساعدة أمريكية وبعض دول الجوار؟ الانقلابيين الذين خلال مدة حكمهم التي لم تدم سوى تسعة أشهر، امتلأت السجون وساد الظلام والاضطهاد والملاحقة  وأهدر دم كل من يعارضهم، وتراجع الاقتصاد وتوقف العمران  وعاثوا في الأرض فسادا.
                   والسؤال: لماذا بقي هذا الاسم البغيض يطلق على الحي وهو علامة فارقة على عهد يعد نقطة سوداء في تاريخ العراق؟ يصعب على المرء  أن يجد إجابة مقنعة، إلا إذا أعتقد أن هذا السكوت من لدن الإدارة المحلية أو غيرها، يعكس عدم استيعاب لهول ما ارتكب على أيدي الانقلابيين القتلة المجرمين. وربما يفسر هذا عدم شمول شهداء وضحايا تلك الفترة الدموية وعائلاتهم بالقوانين التي شُرّعت بعد 2003 لتعويض ضحايا النظام المقبور منذ توليه الحكم ثانية عام 1968 .