22 ديسمبر، 2024 11:01 م

في لحظة سكون وذكريات اجلس امام بحيرة هادئة افكر بما مر من ايام , حِلوها ومُرها . مرت على خاطري تلك الاسطورة الجميلة , ربما اتت في وقتها فقد كنت بحاجة للكلام وما اجمل الحديث حديثها , سميتها ( العنقاء) لأنها اسطورة لن يكررها الزمان , قلت لها :
مررت على خاطري مرور الكرام , اطربيني بذكرياتك يا عنقاء الزمان , يا ذات الطلعة البهية .
اجابتني والخجل بادي على جمالها مشوب بالالم فقالت بحياء :
كنت فيما مضى عروس للزمان احلق في سماء الحرية مغنية , اناشيد الفرح , واصحوا كل صباح منتشية بأسعد الاحلام واقعي مرح وخيالي فرح وما بينهما سرور وترف .
اتأنق كعادتي وافرش اجنحتي لترى الشمس رونقها , ثم اطير محلقة لأمتع ناظري بما شاء بصري وما يحب قلبي , فعشي وسط اجمل الغابات في احلى جزيرة .
لها من الاسماء خير وصفاء وكرم وبهاء تعطي الحرث بلا جهد وتثمر من الطيب كل ما تشاء , وفي جزيرتنا يعيش الجميع بسعادة يحبني الاهل والاقرباء  ولكن الغراب وما ادراك ما الغراب جار لئيم يكره الجمال وينبذ الحياة ويخصني في كل كلام بأبشع الاوصاف , مع انني لم امسه بسوء ولم اقرب اذيته يوما .
قلت لها مقاطعا : عرفنا الغراب وما ادراك ما الغراب .
فقالت : هو ليس منا بل هو جار غريب الطباع ماكر خداع , حاولت مرارا اصلاح امره ولكنه ابى الا الفساد يريد ان يحكم ارضي بجور ليحتم عليها الفناء .
حشد له جيش من الغربان ودخل بريش الشجعان والجبن رائحته بادية والغدر على الوجوه بيان , تحدى الخير بالغربان واستقوى على الطيبين بالشيطان , يدعي ملكيته لأرضنا بلا دليل ولا برهان , سوى اوراق ممزقة دحض اثرها .
هاجمنا الغربان فأحرقوا الخضار وجففوا الانهار وقطعوا الازهار من احضانها , وساسوا الارض بالنفاق ونهبوا الاوراق من الاشجار وملئوا الجيوب بالحرام , والشعب في سباته نيام .
لهم شلة من اللصوص ارادوا سرقة عشي ولكن برزت عليهم من المجهول رماح وسهام فولوا من حيث اتوا , وفي غرة عادوا فكمموني بالقيود وسرقوا العش من بين يدي وانا مقيدة لا اقوى مقاومتهم , ومن دفع عني الضر يوما قد خذلته السنين , تركوني مسجاة بعد ان احرقوا الغابة تحت شمس الصحراء , تنهش حرارتها في روحي , لا اعرف كيف زالت القيود , فقد كنت في غيبوبة والم , فتحت عيني وهربت .
ومنذ ذلك الحين الى اليوم وانا في ترحال واسفار اشجوا حنين عشي الذي فيه نشأت وماضي غابتي الجميلة التي احيلت الى صحراء .
قلت لها والقلب معتصر بما سمعت : قد ادميت القلب يا عنقاء الزمان , اصدقيني القول واين العش اليوم واين حل بك الزمان .
قالت والعين دامعةً : امر قد شاهت حقيقته وكل من اروي له ما جرى يسألني ذات السؤال , ابحث عن عشي منذ سنوات طوال , اتقفى الخيوط عسى .. ان اجد ما يعيد لي مجدي , فعشي ذاك الذي ضاع لم ابن غيره لي مسكنا , ولم ارتع في موطن زمان .
وها قد مرت السنين وانا عن الحقيقة باحثةً ومسرح الحياة قد دار علي بأوجاعه .
و اه من الزمان ومن غدره وكيف اصبحت ارضي مرتع للغربان , يسودون فيها بجورهم ويعشقون انزال البطش والهوان ,
واين ابناء الغابة واين الذئاب والاسود , قلت .
قالت : بعد معارك عظام قتلوا ومنهم من شُرِدَ مثلي ومنهم من استعصت عليه مناظر الالم في موطنه, فرضي بغربة عن ارضه .
قلت لها وهل نسوا مجدهم , بغضب المحب اجابت بأستنكار , كيف لذوي المجد ان ينسوا مجدهم وكيف لنا ان نترك ماضينا , ولكن نتجرع الصبر بقسوته , لنعود يوما , ولكن متى , لا يعلم الغيب سوى الباري الرحمن .
بكيت بحرقة حتى احمرت مقلتي ورسمت خطوط الدمع كالنهر على وجنتي واوجعت بحرقتها عضامي وجسدي , فالارض ارضي والحنين لها مهجعي , فيها قبلتي وداري ومسجدي , جزيرة العنقاء ذات الاساطير العظام ثابتة , للغزاة لا تركعي ولغير باريئُكِ اياك ان تسجدي .