ترجمة / أحمد عبد الأمير
بقلم مايكل زي يوحنا/ تروث أوت
ربما لعب سلوك الولايات المتحدة في الفلوجة، على عكس الحكمة المألوفة، خلال – وحتى قبل – حرب العراق، دورا في إحداث الإندلاع الأخير للعنف في المدينة، فقد ذكرت وكالة فرانس برس (أي أف بي) أن 900 عراقي لقوا حتفهم حتى الآن جراء أعمال العنف في أنحاء العراق هذه السنة، وأن الفلوجة تجسد بؤرة القلاقل في البلاد، تلك المدينة التي استولى عليها مسلحون ومتطرفون مطلع هذا العام، وبقيت خارج سيطرة الحكومة،ويمسك بالمدينة، التي كانت ساحة لحصارين مميتين قادتهما الولايات المتحدة في العام 2004، “تحالف فضفاض من المقاتلين التابعين لـ [الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبطة بالقاعدة]، والجماعات الإسلامية الأخرى، ورجال العشائر المتمردون، ومقاتلون موالون لحزب البعث التابع للرئيس السابق صدام حسين”- إنها لصالة عرض حقيقية للمارقين.
لماذا الفلوجة؟ صحيح أنه غالبا ما يلقى باللوم على سوء إدارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ويعزو آخرون الأمر إلى انحدار المدينة إلى الصراع الدائر بسوريا وتصاعد التوتر الطائفي بالعراق (تقاد الحكومة من قبل الإسلاميين الشيعة، والفلوجة مدينة ذات غالبية سنية). وبطبيعة الحال، فإن البعض مثل السيناتورين جون ماكين وليندسي غراهام، عملا قضية زائفة، تكشف عن ذاتها إلى حد ما، من أن إنسحاب القوات الأمريكية من العراق هو السبب في ذلك.
ولكن هناك قلّة ذكرت بوضوح أن سلوك الولايات المتحدة في الفلوجة خلال حرب العراق ربما لعب دورا في سحب المدينة إلى نقطة الأزمة هذه. وعلى عكس ذلك، فإن كثيرا من الجدليجري حول ما إذا كانت الفلوجة سقطت على الرغم من الوجود العسكري الأمريكيذات مرة في المدينةبدلا من بسببه. ففي الحالات القصوى، تم تصوير الفلوجة على أنها مكان للتمرد حيث أن آثار تركة الولايات المتحدة تبخرت ببساطة،وهي مجرد وجهة نظر سخيفة.
المواجهات الأولى
يخصص جيرمي سكاهيل فصلا من كتابه، “بلاك ووتر”، يلخص فيه تقريرا صحفيا حول الأحداث التي جرت بالفلوجة في الأيام الأولى من حرب العراق. وقد بدأها فعلا بقصة حدثت في 13 شباط 1991، خلال حرب الخليج الأولى، مبينا أن الفلوجة كانت مسرحا للقصف الطائش من قبل طيارين بريطانيين كانوا ضمن تحالف قادته الولايات المتحدة للراغبين به، وتسبب الاستهداف الخاطئ بغارات جوية في ضرب مجمع سكني وسوق، مما اسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا، وفقا لمسؤولين في المستشفى المحلي.
وأشار سكاهيل إلى أن القصف على الأرجح ما يزال حاضرا في أذهان بعض الفلوجيين كونهم بدأوا بالاحتجاج على إحتلال مدينتهم بعد مرور 12 عاما على الحادث، وقد انتهت أولى هذه الاحتجاجات بسفك الدماء، بعدما أطلق جنود أمريكان مذعورون، ينتمون إلى الفرقة 82 المحمولة جوا، النار على متظاهرين أمام مدرسة تم تحويلها إلى مقر عسكري في 28 نيسان 2003. وتكرر وقوع الحادث الصغير في 30 نيسان بمركز للقيادة الأمريكية يقع في المقر الرئيسي السابق لحزب البعث في المدينة.
واصيب العشرات من السكان وقتل 17. وليس من المدهش، في كلا الحالتين، إدعاء الفلوجيين أن القوات أطلقت النار من دون مواجهة أية استفزازات خطيرة، في حين ذكر قادة عسكريون أمريكيون أن الجنود الأمريكيين كانوا يدافعون عن أنفسهم من نيران قادمة من المظاهرة. وعلى الأقل فيما يتعلق بالحادث أمام المدرسة، ألقت منظمة هيومن رايتس ووتش بشكوكها حول تقرير الولايات المتحدة.
وتستحق عمليات القتل تسليط الضوء عليها بداية، كونها تكشف كيف ساعد إحتلال الفلوجة على زعزعة استقرار المدينة في المقام الأول. وامتلات شوارع الفلوجة بما يصل إلى ألف من الفلوجيين في احتجاج خلال أيام قليلة عقب إطلاق النار أمام المدرسة. وكما أوضح سكاهيل، فأن واحدا من الزعماء المحليين وهو محمد فرحان، يذهب إلى القول إنه “عقب المجزرة، فإننا لا نؤمن أن الأمريكيين قد جاؤوا لتحريرنا، بل لإحتلالنا وأخذ ثرواتنا وقتلنا.”
تدمير المدينة
ستتحول الفلوجة إلى احدى مراكز- إن لم تكن مركز- التمرد خلال الحرب، تحت سيطرة المسلحين الذين يشبهون إلى حد كبير اولئك الذين استولوا على المدينة بداية هذا العام.
في آذار من العام 2004، وبعد أن تعرض أربعة من موظفي البلاك ووتر إلى كمين وتم قتلهم بوحشية في الفلوجة، قررت قوات التحالف أن الوقت قد حان لطرد المسلحين المحتشدين في المدينة. وما حدث بعد وقت قصير هو معركتا الفلوجة، واللتان سمّيتا من قبل الجيش بعملية عزيمة الاقتصاص وغضب الأشباح.
وعادت معارك العام 2004 إلى العناوين الرئيسة في وقت سابق من هذا الشهر بعد تسريب صور لأفراد في الجيش الأمريكي، لموقع تي أم زد الخبري، واقفين أمام جثث محترقة تعود لعراقيين قتلوا في المعركة. وفي حين قد ترسم الصور المروعة سلوكا شاذا، فإن سلوكيات التحالف المقرة خلال العمليات أثبتت القاعدة القائلة بعدم وجود هكذا أمرعلى نحو الحصار الرحيم.
الهجمات على الفلوجة، بمعزل عن قتل مسلحي المدينة، أودت بحياة المئات، إن لم تكن ما فاق الألف من المدنيين العراقيين- إلى جانب أولئك الذين يصل عددهم إلى أكثر من 100 جندي أمريكي. ومن بين أدوات الحرب الأكثر ترويعا التي استخدمت لطرد المسلحين كانت مادة كيميائية حارقة تدعى الفسفور الأبيض. ولعل الأمر أكثر بشاعة، حين زعمت تقاير عديدة أن التشوهات الخلقية في الفلوجة ارتفعت بشكل ملحوظ بعد المعارك (على الرغم من أن وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية نفتا هذا).
وذكر ظاهر جميّل، الصحفي الاستقصائي المستقل، أن “70% على الأقل من مباني المدينة تعرضت للتدمير” خلال معارك الفلوجة، إلا أن صحيفة الواشنطن بوست عرضت أرقاما أكثر تحفظا، غير أنها ما تزال مثيرة للدهشة نتيجة الدمار المتحقق عقب الهجوم الثاني. ونقلا عن تصريحات مسؤولين أمريكيين، ذكرتها الصحيفة، أن “أكثر من نصف منازل الفلوجة البالغة 39000 تضررت، ونحو 10000 منها قد تم تدميرها أو أنها تركت غير صالحة للعيش من الناحية البنائية.”
إن فقدان المنزل ليس ذلك الحدث الذي يمكن نسيانه بعد مضي مجرد تسع سنوات، لاسيما في بلد تتزايد فيه نسبة البطالة بشكل متواتر، إنه ايضا ذلك الأمر الذي ربما من السهل تذكر تجربة الاقتلاع من المنزل وتحويل المرء إلى لاجئ، ولربما يوجد 200000 من الفلوجيين تضرروا من الحصار هناك. علاوة على ذلك، فإن فقدان الأصدقاء أو أفراد العائلة نتيجة المعارك هو تجربة من المحتمل ان توزن في أذهان ما لا يحصى من سكان الفلوجة.
ليست الذكريات المؤلمة بالأمر الهيّن. في الفلوجة، تلك الذكربات المريرة، ربما تساعد في تفسير لماذا خرج الالاف من السكان إلى الشوارع احتفالا بانسحابنا في العام 2011؟ في حين رفع البعض لافتات كتب عليها “الآن نحن أحرار” و”الفلوجة شعلة المقاومة”. علاوة على ذلك، فإن الذاكرة الجمعية للحرب والاحتلال قد تستمر بتغذية استشرافات بعض المسلحين الذين يجوبون الشوارع اليوم.
،قامت الولايات المتحدة،على أقل تقدير، بتحويل المشهد في المدينة بصورة جذرية، وبفعلها ذلك، فإنها ساعدت حرفيا في جعل الفلوجة على ما هي عليه اليوم.