ألمستقرء للواقع السياسي والأمني في العراق، سيجد حالة متلازمة من الإنعكاسات المختلفة، والتي تعطي ارتدادات متباينة، من حيث التوقيتات وما يحيطها من أحداث، مما يعني أن المنظومة المؤسساتية التي تقوم عليها مرتكزات الدولة، هي معرضة بشكل كبير للإختراق والقرصنة، من جهات لها إرتباطات داخلية وخارجية تتبنى مشروعاً ومخططاً يهدف إلى إسقاط التجربة الديمقراطية في العراق، والعودة إلى سابق عهدٍ عانى منه الشعب لعقودٍ عجاف من الظلم والقهر والاستبداد.
بعد سقوط نظام البعث في العراق، تعرض الفضاء الوطني لتقلبات المناخ السياسي، والذي يخضع لمزاجات وتوجهات ومشاريع متقاطعة ومتضادة، فأثرت بشكل ملحوظ على الأوضاع السياسية والأمنية والإجتماعية، وقد تمخضت عنها أجواءٌ مُربكة وغير مستقرة، إنعست سلباً على الواقع الوطني، مما جعلها تنتج خلافات كبيرة أثرت على التركيبة المجتمعية في العراق، وبسببها تم إقحام الشعب بمنزلقات خطيرة، كادت أن تُدخل البلاد بحربٍ أهلية، تكون ذات دوافع طائفية وعرقية ومناطقية، يطول أمدها تستمر وتمتد لعقود من الزمن.
في عام 2003 أخذت تتسارعت وتيرة العنف، من خلال الإنطلاق المفاجئ لشرارة الإغتيالات والتصفيات الجسدية، تحت منطلقات ومسميات طائفية وعنصرية، حتى أصبح القتل على الهوية هو العنوان البارز لمجريات الأحداث في تلك الفترة، وفي غضونها أيضاً تم استهداف المراقد المقدسة في سامراء، وتفجير أضرحة الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، رافقها إنتشار كبير وخطير للجماعات الإرهابية المؤدلجة، مما زاد في حدة التوتر واتساع دائرة التصادمات والصراع.
بسبب الدخول المفاجئ لتنظيم داعش في المناطق الغربية، وانهيار جميع تشكيلات المؤسسة الأمنية، وسقوط محافظات عراقية بيد هذه الجماعة الارهابية، وبأوقات حرجة وتأريخية وحاسمة، أصدرت المرجعية الدينية العليا الفتوى العظيمة بالجهاد الكفائي، فتصدى الملايين من العراقيين لهذه الهجمة التكفيرية، وتم اعادة بناء القوات الأمنية في تلك المناطق، لتبدأ حرب ضروس مع هذا التنظيم الإرهابي دامت ثلاث سنوات، خرج العراق بعدها منتصراً، وتم الإعلان عن هزيمة نكراء للفلول الإرهابية، لتنطوي بذلك صفحة قاسية ومظلمة سِمتُها القتلُ والذبحُ والحرقِ والتمثيلِ وإشاعة الظلمِ والفسادِ والطغيان.
نهاية عام 2019 كان هناك سيناريو جديد، يحمل الكثير من الخفايا والأسرار، وبصمة اللاعب الخارجي واضحة من خلال الإيقاعات والمجريات والأحداث التي رافقت التظاهرات، المنطلقة في شهر تشرين، فالطرف الثالث الذي يقتل المتظاهرين تارةً والقوات الأمنية تارةً أخرى، بالقنص والاغتيالات والخطف والتغييب، هو ذاته الذي يشرف على عمليات العنف ويديرها منذ 2003 والى يومنا الحاضر، والأسباب واضحة ومعروفة ومكشوفة للجميع، فهي حرب فكرية وآيدلوجية مفتوحة، يقودها التكفير المتشدد ويذكيها الإستعمار الطامع، وهي ما تزال قائمة ولم تضع أوزارها بعد.