23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

“العنف الأسري” والسياسات الخبيثة!

“العنف الأسري” والسياسات الخبيثة!

يقصد بمفهوم “العنف الأسري بأنه الأفعال الجسدية أو النفسية أو العاطفية أو الاقتصادية المؤثّرة في الفرد الآخر، سواء داخل الأسرة الصغيرة، العائلة، أو الأسرة الكبيرة، العشيرة.

وتنامت في عصرنا الحاضر العديد من الظواهر المخيفة التي تُدلّل على هشاشة الترابط الإنساني، وقلّة الوعي بقيمة البيتالساكن، والحياة الآمنة الناعمة، وبرزت هذه الهشاشة بشكل كبير وعملي في العنف الأسري“!

ويساهم “العنف الأسري” في تهديد سلامة الفرد والمجتمع وبالمحصّلة النهائية الدولة، ولهذا فنحن لا نَتحدّث عن مشكلة شخصية وأسرية يمكن أن تنتهي خلف جدران المنزل، بل هي معضلة مجتمعية، قومية واستراتيجية، ينبغي التوقف عندها وتفحص أسبابها والعمل، قدر الإمكان، على تقليل آثارها التخريبية، للحفاظ على كيان الإنسان والمجتمع والدولة.

ولا يذكر العنف الأسري إلا ويذكر العنف ضد الزوجة، ولكن لا تذكر أنواع العنف الأخرى، ومنها العنف ضد الأطفال، وضد النساء المطلقات أو اللاتي فاتهنّ قطار الزواج لأسباب اجتماعية أو صحية وغيرها.

ومن أبشع أنواع العنف الأسري هو العنف النفسي القائم على تهديم نفسية الإنسان، البنت أو الابن وغيرهما، وتداعياته لا تعالج بسهولة، وقد تقود لآفات مجتمعية أخطر وأشدّ، ومنها الهروب نحو المخدّرات ورفاق السوء!

إن محاربة الأسرة للأبناء، في وقتنا الحالي، المليء بالكثير من المغريات، وربما، البدائل عن الأهل، ومنها العلاقات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي، أو أماكن الدراسة والعمل، هي معضلة خطيرة ينبغي الانتباه إليها والسعي لمعالجتها!

ومن أبرز أسباب العنف الأسري:

– الفهم السيء للدين، وعدم الصبر والتحمّل والتدرج في معالجة الحالات السلبية!

– البيئة السقيمة القائمة على تقليل دور الإناث والعناية بالذكور.

– السياسات الخبيثة الساعية لتفكيك الأسرة، المجتمع.

– الحروب ونتائجها التخريبية، ومنها الهجرة الداخلية والخارجية.

– الثقافات العليلة، وقلّة الوعي بأهمّية الأسرة في بناء الإنسان.

– اختلاف الثقافات والمفاهيم بين الأجيال السابقة والجديدة.

– ضعف الميل نحو التعليم الهادف لبناء الإنسان والمجتمع وبالنتيجة الدولة.

سوء اختيار الزوجة، وحتى الزوج، والتي تُعدّ المرحلة الأخطر، وحينما نفشل نرمي الكرة بملعب القسمة والنصيب، بينما المطلوب شرعا، وعقلا البحث عن المرأة المناسبة، والزوج المناسب.

– تعتبر الظروف المعاشية من أسباب العنف الأسري، وبالذات حينما يحاول بعض الأبناء” التغليس” عن قدرات العائلة المالية، وبالتالي تنشأ حالة التنافر والتناحر، والتي ستقود بالنهاية لتنامي العنف الأسري.

– التطور المذهل في الاتصالات التي قربت البعيد وبعدت القريب، وخلقت مشاكل أسرية مركبة تقود للعنف.

إن الحَلّ الأنجع لهذه الآفة، يبدأ من البيت، ومن الضروري أن تُحاول الأسرة، قدر الإمكان، نشر أجواء التآلف والمحبّة مع الأولاد، والعمل بموجب سياسة التعاون المشترك لمواجهة ظروف الحياة المختلفة.

وجميع الحلول العائلية لا يمكن أن تُثمر إن لم تقم على الاحترام والتقدير والعرفان، وإلا فإن نكران الجميل من أشدّوأخطر الوسائل التدميرية للأسرة!

ولا ننسى دور المدارس والجامعات ومراكز البحث والكيانات الدينية في التحذير والتقليل من العنف الأسري.

ولخطورة العنف الأسري ولشدة آثاره المهلكة تعمل الدول الملوّثة على تجاهل آثاره المجتمعية، وتسعى لتوسيع انتشاره لأنه يقود إلى هشاشة الإنسان، وضعف التفكير،وإهمال الحاضر وضياع المستقبل، وبالمحصلة التغاضي عن سياساتها التخريبية!

يفترض بالدولة النقية أن تكون بديلا عن الأُسر السقيمة، وتكون هي الحامي للمواطنين في مراحل حياتهم الأولى حتى يصلوا لمراحل النضوج الفكري والعقلي.

التصدع الأسري قنبلة موقوتة، ويفترض بالدول الحكيمة مواجهتها قبل أن تنفجر، وتدمّر الإنسان والمجتمع والدولة، وحينها لا ينفع العمل ولا الندم!

dr_jasemj67@