من القضايا المهمة ذات التأثير الكبير على العملية التربوية مراعاة العنصر التربوي لما تمليه عليه وظيفته من التزامات متعددة لسبب بسيط هو ان المجتمع يضع المعلم ضمن قائمة النخب المؤثرة في الحياة الاجتماعية ،ولقد احتفظ مجتمعنا ولازال يحتفظ بتلك الصورة المقترنة بطابع الاحترام والتبجيل للمعلم ،وفي مقابل ذلك فرض هذا الاحترام على المعلم الالتزام بالسلوك والتعامل الذي يضمن الحفاظ على هذه الصورة الناصعة.وقد دلت الاثار الادبية المختلفة على وجود هذه المكانة المرموقة للمعلم عبر العصور المختلفة،ونحن اذ نتناول مفردة المعلم في هذا الموضوع فإنما نقصد المعلم بماهو معلم بغض النظر عن المفردات التي استخدمت فيما بعد للتمييز بين المراحل الدراسية كالمدرس والأستاذ..الخ ،فمفردة المعلم فيها دلالة اوسع لكل من ادى هذه الوظيفة وعلى ذلك دلت المصادر التاريخية فقد اشارت الى المعلم الاول والمعلم الثاني .
في عهد النظام البائد اصيبت المسيرة التربوية بانتكاسة كبيرة نتيجة الغبن والحيف الذي وقع على الكوادر التعليمية- كما هو معلوم – حيث اضطر المعلم تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة الى مزاولة مختلف الاعمال من اجل تأمين معيشة عائلته مما ادى الى تصدع الصورة التي اشرنا اليها في الوسط الاجتماعي،وما عادت تلك السطوة المعروفة للمعلم على الطالب تحت تأثير الظروف المذكورة ،وبالرغم من زوال تلك الظروف بزوال النظام الفاشل الذي اوجدها الااننا لانجانب الحقيقة اذا قلنا ان آثارها السلبية لازالت موجودةعلى الواقع التربوي ،بل ان مشكلتنا الحقيقية تكمن في كيفية ارجاع صورة المعلم في الذهنية الاجتماعية الى سابق عهدها،وفي كيفية ازالة ماعلق في ذهن الطالب من مفاهيم خاطئة ادت الى تجاوز الحد المسموح به ضمن علاقة المعلم بالطالب. ولكي تؤدي الحلقات الثلاث – المعلم الطالب ، المادة – دورها المطلوب في العملية التربوية لابد ان تكون العلاقة بين المعلم والطالب مبنية على اسس تضمن مسار صحيح لانتقال معلومات الدرس من المعلم الى الطالب دون تأثير لما يحصل احيانا من سوء فهم لطبيعة تلك العلاقة وما تتطلبه من التزامات وقيود تحفظ للمعلم مكانته وهيبته ،وترتقي بالمستوى التربوى والأخلاقي للطالب.
وبناءا على ماتقدم ولأجل النهوض بالواقع التربوي الى مستوى افضل فان هناك جملة امور لابد من مراعاتها سعيا لتحقيق الغاية المتقدمة ومنها :
1.الاهتمام بالعنصر التربوي من كافة الجوانب بما يجعله في غنى عن البحث عن وسائل وبدائل هنا وهناك من اجل تأمين متطلبات المعيشة اللائقة به وبدوره المطلوب منه وبما يجنبه العمل الاضافي ضمن مجالات لاتناسب وضعه وقيمته الاجتماعية.
2.تطوير قابليات المعلم وخصوصا المتخرجين حديثا من خلال الدورات التطويرية والايفادات وورش العمل لغرض الاطلاع الميداني على تجارب الاخرين داخل وخارج البلد والاستفادة منها في تقويم العملية التربوية .
3.على المعلم ايلاء الجوانب المتعلقة بشخصيته الاهتمام الكافي من حيث المظهر الذي يعكس للطالب صورة المثال والقدوة الصالحة القادرة على تنمية الذوق السليم عند الطالب ورفع مستوى ثقافته العامة بما يمكنه من التعاطي مع كافة تساؤلات الطالب واستفساراته ومناقشاته بالثقة العالية والمقدرة الكافية.
4.على المعلم الاحاطة بالمادة العلمية او الادبية ضمن مجال اختصاصه الوظيفي والبحث الدائب عن الوسائل والأساليب المساعدة على سهولة ايصال المادة الى ذهن الطالب.
5.كما ان على المعلم التقيد بما يمليه التشريع الالهي والنظم والقونين فضلا عن التقاليد الاجتماعية بما يعطيه مستوى من المصداقية امام طلبته تمكنه من التوافق بين مايطرحه من افكار وتوجيهات وبين مجمل مايصدر عنه من سلوك وتصرفات .
6.اعتماد اساليب التقويم والارشاد المستند الى تجربة التربويين القدامى من ذوي الكفاءة والمقدرة لمتابعة اداء الكوادر التعليمية واكتشاف نقاط القوة والضعف ومن ثم توجيه العمل التربوي وفق المسارات الصحيحة.
7.من الامور المهمة جدا في العملية التربوية وهي بالتأكيد غير خافية على ذوي الشأن توفير الابنية المدرسية الملائمة وبضمنها المستلزمات والمتطلبات الاخرى من اثاث وأجهزة ومتطلبات اخرى .
8.اختيار ادارات مدارس كفاءة قادرة على التعامل مع كافة الاشكاليات المحتملة الوقوع وإيجاد الحلول الممكنة لكل حالة .
ان النقاط المتقدمة ونقاط اخرى لها كبيرالاثر اذا ماأخذت بعين الاعتبار في تطوير كفاءة المعلم ورفع مستوى الطالب. من المعيب حقا ان نعهد للمعلم تربية اجيال ولانوليه الاهتمام الكافي.فالمعلم هوحجر الزاوية في خروج هذه الاجيال المتعاقبة من الاختصاصات المختلفة ،كونه المحطة الاولى لكل طالب ومن خلاله يبدأ نقطة الانطلاق نحو المستقبل.خلاصة مانريد قوله هواننا اذا اردنا جيلا نعتمد عليه في مستقبلنا علينا اولا الاهتمام بالأداة التي تصنع ذلك الجيل وهو المعلم.ومن هنا وجب علينا ان نعرف قيمة العنصر المربي ماله وماعليه.والله الموفق.