19 ديسمبر، 2024 10:45 ص

بعد احداث ١١ ايلول كان الاستغراب الامريكي اكبر من هول الصدمة ، استغراب من مشاهد الفرح المرتسمة على وجوه الكثيرين حول العالم ، وخصوصا في العالم العربي ، الكثيرون لم يسألوا عن الفاعل والمغزى ولم يكلفوا انفسهم عناء السؤال عن الضحايا وهل استهداف المدنيين عمل مشروع ام لا ، المهم لديهم ان امريكا تلقت ضربة موجعة ، كان هذا كافيا ليصرخ الامريكان ، لماذا يكرهوننا ؟ ، بالطبع لم يكن هذا سؤالا من ساسة امريكا بل من مواطنين لايعنيهم ولايريدون ان يعرفوا الكثير عن سياسة بلدهم الخارجية ، فليس صعبا على الادارات الامريكية معرفة الاجابة ، امريكا التي قسمت المنطقة وساندت الانقلابات ونصبت الحكام ودعمت طغيانهم وسرقت الخيرات وافتعلت الحروب وتتدخل بكل صغيرة وكبيرة في الشرق الاوسط كما في كل العالم تعرف نفسها جيدا ، وتعرف ايضا ان هؤلاء الحكام كانوا يستغفلون شعوبهم ويكسبون رضاهم بادعاء العداء لامريكا، فالمراهق الذي تبنته المخابرات الامريكية ودربته وسلمته الحكم يطرب لسماع الاصوات المرددة صدام اسمك هز امريكا في الوقت الذي كان يتلقى التعليمات والاوامر من رامسفيلد ، لذا هم يعرفون الاجابة لكنهم ضخموا السؤال ليصبح عصي على الاجابة ويخلف اثرا في نفس المواطن الامريكي ليكون توطئة لاحداث قادمة ، تمثلت في البداية  بالرد الانتقامي السريع من حلفاء الامس ، تنظيم القاعدة ، فكانت الحرب في افغانستان اولى ردات الفعل الامريكية حتى قبل ان تتضح ستراتيجية محددة لمواجهة الموقف الجديد ،
في غرف صنع القرار كانت هناك الكثير من الافكار ، ما رشح من بعضها ( عمدا ) ان القوم منقسمون على مشروعين  الاول يتبنى الفوضى الخلاقة كاسلوب انتقام وابعاد الخطر عن الساحة الامريكية والثاني مشروع الشرق الكبير القائم على فكرة احلال الديمقراطية بدل حكم الطغاة الذي جلب العداء لامريكا ، فكانت فكرة حرب العراق كبالونة اختبار للمشروع الثاني ، هكذا ارادت ان يفهم العالم ،  بلع حكام المنطقة الطعم  وتيقن الجميع ان الدور آت عليهم يوما ما ، قاتلوا باقذر ادوات الحرب واكثرها خسة لافشال المشروع الامريكي الجديد ، لم يتخلف احد عن هذه الحرب لاجيران العراق ولا غيرهم ، حتى بات من غير المستغرب ان تجد مخابرات جزر القمر تعمل في العراق ! ، ضحك الامريكيون كثيرا وهم يرون الجميع يتسابق لافشال مشروع لم يكن له وجود اصلا ، فما الشرق الاوسط الجديد ووعود الحرية والديمقراطية الا وهم لم يفطن اليه الا من فطن لسيطرة امريكا على مبنى وزارة النفط العراقية وتركها لمخازن العتاد والاسلحة نهبا لمن هب ودب ، حتى صبي سوريا مدعي الفطنة لم يسأل نفسه يوما لماذا ترسل اليه السعودية (حليفة امريكا) الانتحاريين لكي يعدهم ويرسلهم للعراق ، بل كان فرحا بتقارير المخابرات السورية وهي تخبره بتزايد خسائر امريكا من الجنود لكن تلك التقارير لم تخبره ان نعوشهم كانت تذهب لاوغندا .
في ذروة نوبة الضحك والنشوة الامريكية وهي تقود الشرق الى الهاوية  ، حدث امر نغص عليهم ، حزب الله اسر جنديين اسرائيليين ، ظنوها فرصة للخلاص من هذا الارق ، الخلاص من الجهة الوحيدة في هذا الكون التي بنت ايدلوجيتها على عداء واضح وصريح لامريكا واسرائيل ودون اي تدليس ومواربة ، وساء الظن ومنيت اسرائيل بالهزيمة في حرب تموز ٢٠٠٦ ، كانت هزيمة قاسية لاسرائيل وهزيمة اقسى لامريكا ، بعد الحرب درسوا الموقف بعناية ، تقرير فينوغراد لم يكن مهما للساسة في البلدين بقدر مظاهر الفرح والتأييد العربي ( الشعبي )  لحزب الله ، ذكرهم ذلك بمشاعر الفرح والشماته باحداث سبتمبر ، لايمكن لهم ان يروا الجماهير العربية ( السنية ) تحتفل بنصر حزب الله ( الشيعي ) ، يجب الانتقام من حزب واجه الالة العسكرية الاسرائيلية العملاقة وصمد امامها لاكثر من شهر فيما لم تستطع كل الجيوش العربية الصمود اياما ،  لم يبقى في جعبتهم من سلاح للانتقام الا القنبلة النووية، والقنبلة النووية التى تصلح لليابان غير التي تصلح للعرب ، لذا قررت امريكا واسرائيل اللجوء لقنبلة الفتنة ، العم سعود جاهز لتقديم هذه الخدمة ومخازن الحجاز مليئة ببراميل الفتنة المقددة ، وقد برع ال سعود في ذلك ، في ظرف سنوات قليلة اصبح المواطن العربي ( السني ) الذي احتفى بنصر حزب الله يقذف الحزب بشتى انواع السباب والشتائم ، ويحتفي باطلاق العيارات النارية في الهواء فرحا بانفجار سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية لبيروت .
بقي الامر هذا الحال الى ان اطل الربيع العربي برأسه من تونس ، كان ربيعا حقيقيا عفويا، تمثل برغبة جامحة بالثورة على الطغيان ، وسرعان ما تلقفته مصر والبحرين لذات الدوافع ، هذا الامر لم يرق كثيرا للامريكين كونه لم يكن في الحسبان ، لكن هذا لم يمنع من توظيفه بشكل جيد فيما بعد لذات المشروع ، الفوضى والعنف هي المكافأة التي يجب تقديمها لهذين الشعبين في مصر وتونس وغض الطرف عن ثورة البحرين ارضاءا لراعي الفتنة ، ولابد من تحويل هذا الربيع العفوي الى خريف عنف يزيد الفتنة اشتعالا في المنطقة ، ويحرق الاخضر واليابس ، في سوريا واليمن وليبيا ولبنان والعراق ، الجزائر والمغرب والاردن والسودان تنضج فيها الامور على نار هادئة وتنتظر ساعة الصفر ، الموت لابد ان يضرب كل ارجاء العرب ، يجب ان يأكلوا بعضهم هؤلاء الاوغاد . اما الخليج ، أداة الفتنة ووسيلة العدوان والنافخ بالنار ومزودها بالوقود فالى اجل ما ، صنيعة البريطانيين وعملاء الامريكان الذي يدفعون اكثر من نصف عوائد نفطهم اتاوة للامريكان من اجل استمرار بقائهم ، سيكتشفون يوما ان امريكا لاتقل بداوة عنهم وان تأجيل الثأر لايعني نسيانه وانها لم تنسى  منفذي الهجمات عليها لاي بلد ينتمون ،
هذا هو المشروع الحقيقي الذي استقر عليه الرأي الامريكي منذ البداية ، الفوضى والعنف ، بعدها سيمكن الاتفاق على سايكس بيكو جديدة ، امريكية خالصة هذه المرة لتقسيم المقسم ، وتفيت وتقطيع الاوصال ، دويلات مجهرية بلا اي دور او تأثير او فاعلية ، خصوصا العراق ومصر وسوريا ، وما تقاسم الادوار بين الامريكيين ودول الخليج الا دليل على هذا ، الامارات والسعودية تدعم العسكر والعلمانيين وقطر تدعم الاخوان المسلمين والسلفيين لايجب ان يستقر الامر لاي منهما ومثلها تونس وليبيا ، وكذا الحال في سوريا ، امريكا القادرة على كل شيء في هذا الكون تعجز عن اسقاط بشار الاسد، نكتة سمجة لاتنطلي على من يعرف قوة امريكا لكن يراد ان تحطم سوريا وتسحق تماما قبل اي شيء ، وكذلك العراق بؤرة عنف واستنزاف للدم لانهاية لها حتى تحين الساعة ، ساعة ان يشبع الامريكان وال سعود من منظر الدم عندها سياتي الجميع وبضمنهم ال سعود لكي يعرف كل منهم خارطته الجديدة وحدودة التي تتفضل عليه امريكا برسمها وسنكون لها من الشاكرين بعد ان كنا ادواتها الفاعلين .

أحدث المقالات

أحدث المقالات