الكاتب عبدالزهرة الطالقاني انموذجاً
يظن البعض أن ابن الجوزي (الخامس الهجري) هو أول من كتب المقال وذلك في كتابه (صيد الخاطر) أي قبل الفرنسي مونتني في كتابه (محاولات) في القرن السادس عشر وكانت تتسم مقالاته بطابع ذاتي ولاقت رواجا بالأوساط المحلية فقد دون في فصوله خواطره التي أثارتها تجاربه وعلاقاته مع الأشياء. وهذه الخواطر ليست وليدة البحث والدرس العميق وإنما هي خواطر آنية تولد وتزول سريعاً إنْ لم تُدوّن لهذا سعى إلى تدوينها في هذا الكتاب وسمّاه (صيد الخاطر) كما سمّى فيما بعد أحمد أمين كتابه في المقالة الأدبية بـ(فيض الخاطر) .
كتب ابن الجوزي في مقدمة (صيد الخاطر) ” لَمّا كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها، ثم تعرض عنها فتذهب، كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكي لا ينسى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “قيِّدوا العلم بالكتابة”. وكم خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب، فأتأسف عليه ورأيت في نفسي إنني كلما فتحت بصر التفكر، سنح له من عجائب الغيب ما لم يكن في حساب فانثال عليه من كثيب التفهيم ما لا يجوز التفريط فيه فجعلت هذا الكتاب قيداً –لصيد الخاطر- والله وليّ النفع، ، إنه قريب مجيب”.
ولكن كتابة المقال تاخرت في العراق إذا ما قارناه بالدول العربية مثل مصر ولبنان ويعود ذلك لاحتكاك تلك الدول بالغرب الذي أخذنا منه المقال ولم نأخذه وللأسف الشديد من تراثنا العربي الغني بالإبداعات .
وفي العراق كان هناك مجموعة من المبرزين بكتابة المقال سواء منه الأدبي أم الاجتماعي أم السياسي , وربما تكون الحياة الصعبة التي يعيشها العراقي بين الاحتلال والفقر سبباً في كتابة الكثير من المقالات..
هذا فضلا عن شيوع نوع من المقال يسمى (العمود الصحفي) الذي كتب به كاتبنا عبدالزهرة الطالقاني والعمود الصحفي أو مقال العمود هو مساحة حرة تضعها الصحيفة أمام كبار الكتّاب بمساحة محددة لا تتجاوز عموداً ليعبروا عن آراءهم ورؤيتهم حول قضايا مجتمعهم، ويتصف بالثبات من خلال العنوان والموقع في الصحيفة , وموعد النشر ، كما أنه يمثل فكرة أو رأي و خاطرة للكاتب و ذلك حول واقعة أو ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية لشد القارئ بالصحيفة .ويحتل العمود الصحفي مساحة كبيرة في الصحافة ومكانة مرموقة بين أنواع المقالات الصحفية وذلك لأنه يمتاز بالوصف الواقعي ويعتمد على مصادر الأنباء و يرجع إليها و يلتزم بالأسلوب الصحفي .
وقد حرص الكاتب عبدالزهرة الطالقاني على أن يكون عموده الصحفي مرآة للواقع القائم وحرص على الكتابة بشتى صنوف الموضوعات التي تهم القارئ العادي قبل القارئ المثقف , فقد كتب في السياسة وفي الأحدث الأخيرة التي شهدها العراق , من سقوط لبعض المدن العراقية بيد المنظمة الإرهابية داعش وقد كان يحاول أن يطرح وجهة نظره تجاه هذه الأحداث عبر أعمدته الثابتة في الصحف , فضلا عن تناوله المشكلات الاجتماعية التي خلفتها هذه الأحداث خاصة فيما تعرضت له النساء العراقيات على يد تلك الهجمة التترية , وما تعانيه من سبي وانتهاك للحرمات وتعذيب وسجن وتهجير , واستطاع الكاتب أن يوظف اهتمامه بالمرأة والطفل في الحديث عن تلك المشكلات وعرضها أمام المواطن العادي لأنها تمثل الحياة الواقعية العامة للشعب.
لذلك فانه يعزز الارتباط و العلاقة و التجاوب بين القراء من جهة و الصحيفة و الكاتب من جهة أخرى ، ويقوم الطالقاني غالبا بتبسيط المفاهيم لتناسب تعدد أذواق قراء الصحف و مستوياتهم الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية ، وعلى الرغم من أن الكاتب غالبا ما تدور الأعمدة التي يكتبها حول موضوعات جادة , إلا أنه أحيانا يتناول الموضوعات بطريقة مغايرة قد تكون طريفة ومسلية ويمتلك روح دعابة خالصة خاصة وهو يوضح بعض الحقائق التي تكون خافية على البعض منها الاسماء في عموده (عبدالزهرة .. وبس) فعبد الزهرة الذي يراه البعض شركاً بالله هو اسم محبب لأنه يعني الخدمة للزهراء عليها السلام .
ويلتزم بأن يكون عموده قصيرا ومختصرا و مفيدا و سهل الفهم للأكثرية و يعكس الهموم و الاهتمامات و الإرهاصات والهواجس .كما يغلب عليه الاهتمام بالشؤون العامة ، فيتعرض لمختلف القضايا ، ولكن من الزاوية التي تهم القراء وتمس مشاعرهم فقد كتب عن بعض التجارب الناجحة في بعض الدول العربية وغير العربية كالتجربة الصينية , والتجربة الكورية ، والتجربة الماليزية , والتجربة الاماراتية .. وعدها من التجارب الناجحة , وحاول أن يطرح تساؤلا قائماً على , هل أن الفرد ممكن أن يصنع دولة ناجحة ، خاصة وأن هناك تجارب لأفراد قاموا بصناعة دولهم ، ولماذا العراق لا تنجح التجارب فيه ؟ وما الخلل الذي يمكن أن يفشل تلك التجارب ؟, كما طرح نجاح بعض الشخصيات في التأثير بدولهم دون أن تكون لهم مناصب سياسية معينة .
لقد أفاد كاتبنا من المناصب التي شغلها في توظيف المعلومات التي لديه بحكم عمله وتبسيطها وطرحها للقارئ , منها عمله في السياحة والآثار, كذلك عرضه لما تقوم به دائرة العلاقات الثقافية من انجازات قد تكون خافية على الكثير منا , إلا أن الكاتب يقوم بطرحها بشكل موضوعي وبسيط ويركز على الموضوع مستعينا بأدلة وشواهد وبراهين تعزز فكرته ,كما أن أسلوبه من نوع السهل الممتنع ويعكس شخصيته وأحاسيسه بدون تكلف . ويتميّز بسهولة التعبير وخفة الظل كما أنه مهتم دائما بنبض الشارع وهمومه .