اصبح من المسلمات في الحياة العامة تنوع الاعمال والمسؤوليات للمجتمعات ,هذا التنوع المرتبط باداءها ضمن واجباتها الانسانية المناطة بها .
اليوم يحاول البعض وضع مفاهيم بعيدة عن الواقعية واللجوء الى فصل الواجبات عن بعضها ويفصل الادوار حسب مايراه هو دون الرجوع الى قواعد الحياة الاساسية وتفصيلاتها فهو يفصل العمل الاجتماعي عن السياسي ويفصل العمل الديني عن السياسي وياتي بمفاهيم غريبة يحاول ان يزرعها وينميها ليبعد اهل القرار عن ممارسة اعمالهم بالشكل المرسوم لهم حسب ادوارهم الاجتماعية العامة ,لذلك واجه اصحاب هذا الراي الكثير من المنتقدين وكذلك اصطف معهم الكثير وهذا الاصطفاف اتى نتيجة سوء اداء المؤدي من كل الاتجاهات مما جعل الثقة تفقد وبالتالي تظهر مفاهيم جديدة على السطح هي بعيدة عن الواقع وشروطه ,ولاجل تسليط الضوء على هذا الموضوع نستعين ببعض ماجاء من اقوال اهل الدراية والمعرفة بهذا الموضوع .
يقول المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي في خطاب المرحلة الرقم 55 :ان واجبات المجتمع تقسم على قسمين هما :
1- واجبات فردية وهي يتعين على الفرد القيام بها امام الله تبارك وتعالى سواء قام غيره بها ام لا كالصلاة والصوم .
2- واجبات اجتماعية وهي اعمل يجب على مجموع الامة القيام بها فان تصدى واحد او اكثرلانجاز هذا الواجب سقط التكليف عن الاخرين وان لم تقم به الامة اثم الجميع لتقصيرهم كمهنة الطب فلابد ان يدرس الطب عدد من ابناء الامة حتى يقوموا بهذه المهنة الانسانية فاذا لم يتوفر العدد الكافي لتلبية حاجة المجتمع حوسب الجميع على التقصير .
ولعل من اهم الواجبات الاجتماعية ادارة شؤون الامة على جميع المستويات وحفظ مصالحها واقامة العدل في البلاد وتفهم هذه الاهمية من واقعة الغدير الخالدة حينما امر الله تبارك وتعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه واله وسلم )ان ينصب عليا امير المؤمنين قائدا للامة من بعده واماما لها وجعل هذا العمل في كفة وتبليغ احكام الشريعة كلها في كفة اخرى فقال تعالى (ياايها النبي بلغ ماانزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته) المائدة من الاية 67 .
لذلك كله اصبح العمل السياسي هنا من الواجبات الشرعية الواجبة التنفيذ على رجال الدين والانخراط به هو للتصحيح والوقوف بوجه العبث باحوال البلاد واهلها .
ان العمل السياسي كما يقول المرجع اليعقوبي في خطابه 55 هو من اوضح آليات العمل بالمعروف والنهي عن المنكر واوسع القنوات للقيام بها فوجوبه من وجوبها لان الفرد العامل يستطيع من خلال موقعه الاداري اصلاح الكثير من الفساد والانحراف وقضاء حوائج المؤمنين وحل مشاكلهم ورد الحقوق الى اهلها واقامة العدل في الرعية وهذه الاعمال هي المصاديق الرئيسية لهذه الوظيفة الالهية ولاتتحقق بمعناها الواسع الا من خلال التصدي لادارة شؤون الامة .ويضيف المرجع الرشيد القول انها مسؤولية كل انسان كفوء نزيه قادر على ان ينصف الناس ويعطي لكل ذي حق حقه ويقيم النظام ويبسط الامن ويسير بالعدل ويمنع الظلم والفساد والانحراف بمقدار مايستطيع وهذه هي السياسة في الاسلام التي كان على راس من باشرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وامير المؤمنين والهداة من اهل بيته .
فالسياسة في الاسلام نظيفة في اهدافها لانها تبتغي رضا الله تبارك وتعالى واعلاء كلمته والرفق بالعباد وتخليصهم من الظلم والاستعباد ولاتجعل هدفها المصالح المادية الضيقة التي تستتبع الانانية والاستئثار والشح والاستغلال والقهر والقسوة وهي نظيفة في وسائلها فانها تحافظ على المبادىء والقيم السامية التي تؤمن بها .
اذن هذه النظرة الصحيحة للواجبات الاجتماعية المناطة بالفرد وعمله ضمن بوتقة المجتمع وبناءه فشتان بين الفكرة اليوم وتطبيقها الي انطوى مع شديد الاسف على غايات انانية وفردية بائسة دفعت المشككين بالدين الى طرح ارائهم البعيدة عن الاصل بهذه الصورة.
يقول المرجع اليعقوبي في نفس خطابه ان العمل السياسي الذي جعلناه من الواجبات هو ماكان في اطار الاسلام تشريعا وتطبيقا ,نعم قد تختلف الياته بحسب الفرص المتحة والشيء المناسب اليوم هو تشكيل التنظيمات الحزبية والنقابية والشعبية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني لا لتعيش الانانية الحزبية والعصبية المقيتة لها بل لتكون قنوات للعمل وواجهات وكيانات تدافع عن الفرد وتعبر عن مطالبه وتخوض باسمه ومن اجله العملية السياسية .
ويضيف المرجع بالقول ان العمل السياسي بالشكل المتقدم لايعني التخلي عن الخيار المرجعي في قيادة الامة لانه النظام الاكمل والاقدر على تصحيح مسار الامة وفق المنهج الالهي .
ان هذه الامور التي طرحها جناب المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي تصب في حقيقة واحدة لاغير وهي ان العمل هو بنية الاخلاص الى الله تعالى بخدمة المجتمع وفق الاسس السليمة والتي لايمكن معرفتها الا بالتقرب الى الله عز وجل وتطبيق طاعاته حسب المطلوب ,اذن هنا سقطت الفكرة التي تقول ان العمل السياسي يجب ان يكون بعيدا عن الدين واهله ,وان تصحيح مسار هذا العمل هو من واجب اهل الين الذين هم اعرف من غيرهم بالمجتمع .
ارجوا ان اكون قد وفقت في ايصال هذه الفكرة للقارىء الكريم والذي اريد منه ان لايبتئس عندما يرى مايسمى برجل الدين يخطىء ويتصرف على هواه بعيدا عن ارادة الخالق فالاصل هو التشريع والالتزام الحقيقي الصحيح به .