مواهب تُدفن ، وطاقات تُهدر ، شباب عاطلون، وأمّهات ثكالى ، وأرامل وأيتام ،وجوه حائرة، وأجساد ترتجف بردا، ومعدا خاوية تتلوى جوعا ، شرائح إجتماعية عصف بها الإهمال وطواها النسيان بعد سنوات ثقيلة خلّفت وراءها الجراح والحسرات.
لا تجد يدا حانية تُربت عليهم ، ولالسان ينطق بالأمل يخفف عنهم المعاناة الطويلة ، فبيوتنا متلاصقة ، وقلوبنا متباعدة ، مشاهد عذاباتهم تُدمي القلوب الرحيمة ، وقعوا بين شقي الرحى ، بين سياسيين بلا برامج، وأغنياء لايدورون إلا حول أنفسهم .
في واقع إنزوت عنه القيم ، وبات يرزح أسيرا لمفاهيم خاطئة مثل (قل لي كم تملك،أقول لك من تكون) تغولت المادية، فنضبت موارد الرحمة وغاب التكافل، وأرتفعت أرصدة الأنانية ، فأفترس الإستبداد أبناء الوطن، فكان الخراب هو الحصاد. وأصبح الإحباط سيد الموقف ، في ضوء غياب المشروع الحضاري الذي يوحدنا ، والأفكار البنّاءة التي تُطلق مكنوناتنا.
ثقافة التطوع درس لم نتعلمه في المدارس ، ولم نأخذه في الجامعات ، وقصة لم تذكر في البيوت ، أو حكايات السمر ، حتى خطيب الجمعة حدثنا عن كل شيء ولم يذكر(سورة الماعون).
ألقت الفردية مرساتها في أرضنا ، فكل يسعى من أجل نفسه فقط ، ويدندن في يقين (إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر) فلم يُسمع يوما في محافلنا بالمسؤولية الإجتماعية التي تعني الالتزام الذاتي والفعلي للفرد تجاه المجتمع وما ينطوي عليه من اهتمام به، ومحاولة فهم مشاكله، والمشاركة معه في انجاز عمل ما، مع الإحساس بحاجاته.
يبلغ عدد المتطوعين في العالم تقريبا 250مليون متطوع في جميع ارجاء العالم وهذا الرقم في إرتفاع مستمر، ولاسيما في ظل الكوارث الطبيعية والحوادث الطارئة والحروب والأزمات والتي تتطلب جهودا تطوعية عالمية ، ويمثل 55% من المتطوعين من الفئة العمرية مابين 35-45سنة ويشكل الجزء الاكبر منهم من النساء بحوالي 58% ، يفيد مكتب «القطاع المستقل»، وهو منتدى للمنظمات الخيرية بالولايات المتحدة الأمريكية، بأن نصف الراشدين الأميركيين تقريبا يقومون باعمال تطوعية. أن التطوع للمشاريع الخيرية يصل إلى 135 ألف ساعة سنويا، أي أن تلك الساعات إذا ترجمت إلى مبالغ فانها تصل قيمتها الى 4 مليارات دولار.
غياب ثقافة العمل التطوعي في مجتمعنا نتاج خليط من التربية الأسرية والبيئة الاجتماعية والتعليم والخبرات الشخصية، فالعمل التطوعي قرار ذاتي يتخذه الفرد بنفسه لتقديم جهده أو ماله اوفكره لتحقيق هدف معين يخدم هذا الهدف المجتمع ويساعده على تنميته.
التطوع يتضمن جهوداً إنسانية، ويقوم بصفة أساسية على الرغبة والدافع الذاتي من أفراد المجتمع بصورة فردية أو جماعية، ، ولا يهدف إلى تحقيق مقابل مادي أو ربح خاص بل اكتساب شعور الانتماء إلى المجتمع وتحمل بعض المسؤوليات التي تسهم في تلبية احتياجات اجتماعية ملحة أو خدمة قضية من القضايا التي يعاني منها المجتمع ، ويطلق على التطوع في مثل هذه الحالة بالاستثمار في رأس المال الاجتماعي .
عملية التطوع من أهم المواضيع التي يجب أن تطرح وتناقش و تنال أهمية كبرى.
فهو من أقوى العوامل المؤثرة في إعداد الجيل الجديد لأنها تدخل ضمن تكوينهم خلقياً ونفسياً واجتماعياً. ويساعد على صناعة مناخ من الإخاء والقيم النبيلة والتكاتف الاجتماعي، وينمي القدرات الذهنية. كما يعد ثروة اجتماعية وقيمة إنسانية تسهم في زرع كثير من القيم الإنسانية إذا ما تم تحفيز كافة أفراد المجتمع تجاهه.
الواقع الجميل يبدأ من الحلم، ويمكن للتطوع أن يشارك في تحقيق بعض الأحلام ، على أن يتسع مفهوم التطوع ليشمل مناطق أبعد من سد النقص في الغذاء والدواء والكساء ، بل يسد نقصًا حادًا في العلم ونشر الثقافة والمعرفة وتجميل البيئة وغيرها مما يحتاج أن تمتد إليه أيدي التطوع .
بادر للإنخراط في فرق العمل التطوعي لتتذوق متعة العطاء ، فتزكو نفسك ، ويهنأ قلبك ، وتشف روحك ، وتتحقق إنسانيتك. عش من أجل فكرة بناءة. إترك بصمتك ، إكسر قيد عزلتك ، إنزع أغلال التشاؤم ، أيقظ العملاق المعوق بداخلك ، إزرع زهرة في شارعك ، إبتكر مشروعا ، أسهم في مشروع ، إدعم مشروعا، أسهم في تنمية مجتمعك.
مُد يديك مع الذين يصنعون الأمل رغم نهر اليأس الجاري منذ سنوات ، فالتطوع في خدمة المجتمع بكل أنواعه ، حرفة العظماء ، جُد بوقتك ومواهبك من أجل تضميد جراح مجتمعك لتكون شريكا فاعلا في بناء غد أفضل .
إضاءة : كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير، بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا ، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين(سيد قطب 1906 – 1966من كتابه أفراح الروح).