لم يعد خافيا على الجميع, مدى الهوة واتساعها بين الجمهوربكل فئاته ومكوناته من جانب, وبين الطبقة السياسية المتصدية للمشهد من جانب اخر, نتيجة للتراجع الكبير و الانهيار الملحوظ, على كافة المستويات والاصعدة, السياسية والاجتماعية والخدمية وغيرها… ان من جملة الاسباب التي ادت الى انهيار منظومة التكامل بين طرفي المعادلة (الجمهور والطبقة السياسية) يعود لطبيعة النظام السياسي ذاته والياته وما افرزه من نتائج ومعطيات, في ظل وجود نظام برلماني متهرئ غير قادر على الممازجة والمزاوجة بين المصلحة العامة والمصالح الحزبية الخاصة.
نقطة رأس سطر..!
لا يمكن الخلاف من الجانب النظري ان النظم البرلمانية تعد من اكثر النظم تطور وحداثة في ادارة الدولة وشؤونها, لما تتماز به من تمثيل جماهيري وفسحة واسعة لابداء الرأي وممارسة العمل السياسي بكل يسر وسلاسة. الا انه وفي الوقت ذاته وبشكل عام, لا يخلو ايضا من الكثير من الثغرات التي من شأنها ان تجعله اقرب للدكتاتورية منه الى الديموقراطية!
النظام البرلمانية في العادة لا يخرج عن محورين اثنين فقط (بلحاظ التجربة العراقية).. الاول هو الاتجاه نحو برلمان ٍعادل, بمعنى؛ برلمان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة, من التيارات والاحزاب والمكونات والطوائف والقوميات (منفردة), الا وكان له تمثيل وحضور برلماني واضح, وهذا سيؤدي بطبيعة الحال الى انهيار حتمي للمنظومة العمل السياسي, كونه سيكون فاقد للمركزية والرؤية الموحدة والقرار الواحد, مما ينتج تضارب في القراءات وتشضي لمكونات وتشتت الاراء وضياع النتائج.
اما المحور الثاني؛ هو الاتجاه نحو برلمان فاعل, بمعنى؛ برلمان يتكون من كتل سياسية كبيرة ذات ثقل جماهيري تحظى بتمثيل عدد من المكونات والطوائف والقوميات, مجتمعة تحت عنوان واحد, وبهدف ومشروع وطني واحد.. ويبدو ومن خلال السنوات السبعة عشر الماضية, من التجار والمخاضات العسيرة التي رافقت العملية السياسية في العراق,
استحالة تحقيق مبدأ التوافق والاتفاق بعنوانه الشكلي, حيث اننا ومنذ انطلاق العملية السياسية في العراق وحتى اللحظة لم نصل اولى عتبة الانسجام, فلانسداد السياسي وتبادل التهم ونعدام الثقة بين الاطراف السياسية والتشذرم والانغلاق هي الصفة السائدة والصبغة الطاعنة على جميع الوانها وكوناتها, وكان ذلك جليا في ما حصل مؤخرا من تعطيل لمعظم قطاعات الدولة وشل حركتها, بعد استقالة حكومة عبد المهدي منذ ما يقارب اربعة اشهرمضت, فمنذ ذلك الحين وحتى الايام القليلة الماضية, لم تستطع القوى السياسية وبكل ما تملكه من خبرة وامكانية وحنكة, من احتواء الازمة ولملمة اطرافها وايجاد الحلول الناجعة مع توفر اداوتها ومقدماتها في المكون الواحد فضلا عن المكونات الاخرى, حتى اخذ البعض منهم يعتقد ويعتمد سياسية لي الاذرع, كما حصل قبيل تكليف (محمد توفيق علاوي) حيث اخذ البعض من قوى المكون السني, وعلى وجه الخصوص القوى المنضوية منها في تحالف البناء, الذي اشارنا اليه ضمنا في في المحور الثاني (البرلمان الفاعل) بفرض الارادة واملاء الشروط والتلويح بالاقليم والانفصال عن المركز في حال عدم حصولها على المكاسب الحزبية. كما هو الحال ذاته في ما بين القوى الشيعية ايضا, حيث اخذ الكثير منها يلوح بعدم تمرير اي حكومة ما لم يحصل على ضمانات لمكاسبه الحزبية..!
وجهة نظر..!!
لم يعد بامكان الشارع العراقي بعد مضي التجارب السابقة وما تبعها من نتائج سلبية, ان يمنح الثقة مجددا للطبقة السياسية مالم تغير من سلوك واليات العمل السياسي ومنهجها في التعامل مع القضايا المصيرية للبلد, ومنها على سبيل المثال لا الحصر, موضوعة حصر السلاح بيد الدولة دون غيرها, وقطع الطريق عن كل حراك مسلح خارج اطار الدولة.
كما لا يمكن ايضا اعادة الثقة وردم هوتها وجسرها, دون ان يكون هناك مبادرات حقيقية ومعالجات واقعية لطبيعة النظام السياسي. كأن يكون اجراء تعديلا دستوريا يتوافق ومتطلبات المرحلة الحالية, واهمها موضوعة المادة(76) المعنية بتكليف رئيس الوزراء, التي طالما كانت عقبة ومحل نزاع امام تشكيل جميع الحكومات السابقة والحالية, وينبغي الاتجاه نحو خيار اكثر واقعية ومرونة لاجل التحرر والخلاص من سطوة المتنفيذين وفرض ارادتهم, ويكون ذلك على سبيل المثال؛ ان تطرح الكتل الكبيرة (كتل المكون الشيعي) صاحبة الاستحقاق, عدد من المرشحين لا يتجاوزن الخمسة كحد اقصى, لغرض انتخاب احدهم بشكل مباشر لمنصب رئيس الوزراء من قبل الشعب. وهنا سيتم قطع الطريق امام النزاعات الشخصية التي طالما كانت هي الحاضنة والراعية لمجمل المفاوضات السياسية من جانب, ومن جانب اخر سيكون للطراف الاهم في المعادلة -الجمهور- دور رئيس في الاختيار و نظم العملية السياسية واشعاره بدوره المهم الذي طالما عتقد بتغييبه واحتكاره من قبل المتنفذين, كما وانه ايضا سيمنح رئيس الحكومة القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية بكل حزم وارادة بعيدا عن املاءات اصحاب المصالح الضيقة..