21 ديسمبر، 2024 8:11 م

العمامة والسيدية

العمامة والسيدية

في طفولتي , كانت المرحومة أمي تجرجرني بيدها وبين أذيال عباءتها السوداء المهترئه في زياراتها الموسمية الى العتبات المقدسة ودور الأئمة الصالحين .. شهراً تجرني الى عتبة الأماميين العسكريين في مدينة سامراء , والشهر الذي يليه الى صحن موسى الكاظم في مدينة الكاظمية .. وتختمها في الشهر الذي يليه الى شباك العباس أبو الفضل وضريح أخويه الحسن والحسين .. وسوف لم تحقق نذرها أذا لم تمر على ضريح الامام علي , كما تردد مع نفسها أنه أبو الكل بأعطاء المرادات .

في تلك الزيارات لم أرى الا شفاه أمي يتحرك بطلب المراد من عتباتهم تحت لمعة دموعها والتي ما زالت تخترق ذاكرتي ككرات من البلور , أن يتحقيق دعائها بحفظ أولادها وقبر الفقر . كان يرعبني بخشوع هؤلاء المعممين بين أروقة العتبات الحسينية وبين أوساط الزائرين وكأنهم أوصياء الرب . كنت واهماً لسنوات أن هؤلاء منزلين من السماء ومبعوثين الله في الارض لنشر العدل والاسلام وبث روح الخالق في الأرض ولبساطة أمي باعتقاداتها زرعت في نفسي الخوف والرعب من رهبة الأذان وعمامة هؤلاء السراق , ما هي الا ستار للشعوذة والكذب , مغلف للادعاء بالدين وهو براء منهم . في كل زيارة , كانت أمي تطلب من أحدهم أن يشد بيدي خرقة خضراء تسمى ( سيدية ) مقابل حفنة خردة من الدراهم مصحوباً بالدعاء وأياديهم مشرعة الى الرب أن يحفظني الله ويجعلني ذات مقام عالي .

صورة هؤلاء المعممين ( أهل بيت الله ) بقت سنوات تلازمني في تفاصيل حياتي بالخوف والرعب والرهبة .. وكيف تمكنوا .. وماذا قدموا الى ربهم ليعطيهم هذه المرتبة وصية الله على الأرض ؟.

بعد أحتلال العراق 2003 وتخريبه وجدوا هؤلاء ضالتهم وتوسعت ألوان عماماتهم البيضاء والسوداء على حد سواء وبرزت على جباهم ندب سوداء من كثرة السجود ومحابس ملونه بشذرات كبيرة وسط جموع من البشر المبهوت بخزعبلاتهم , فبات العقل الجمعي ناصتاً سامعاً يبحث عن رقعه أو ترقيعه , تلك العمامة المقدسة ربما كانت في زمن تدل على العفه والطهارة , باتت اليوم جزء من التخلف وتخريب البلد ونسف العقول . في السنوات الاخيرة كثرت خطب الجمعة من على منابر بيت الله تطفح منها الكراهية والتحريض على القتل من خلال تعزيز مفاهيم الجهل حول تاريخنا الاسلامي وتحريف قييمه النبيلة في بناء الانسان وروح التسامح والتعاون . هذا كله جرى لأنعكاس ونتاج مجتمع تعرض الى ظروف صعبة وخارقة من التداعيات السابقة تحت سطوة نظام دكتاتوري وحصار مدمر , دمر نسيج المجتمع العراقي في ظل غياب وعي وطني أفتقده الناس لدور القوى الوطنية غابت سنوات طويلة عن المشهد العراقي , وعندما عادت تلك القوى الوطنية بعد أحتلال العراق رغم تشظيها , وغيابها لسنوات طويلة عن تطلعات الناس والتغيرات الدراماتكية التي حصلت في عقلية الناس وطرق تفكيرهم , لكن لم تأخذ دورها المعهود لها بمستوى تطلعات الجماهير لها وطول الانتظار لعودتهم , بل أصبحوا جزء من حالة عامة ضمن أطارات التكوينات الطائفية وعملية سياسية لم تجلب للعراقيين الا الدمار والفساد , لكن حجم تلك التراكمات من النكوص والاخطاء حسب قول ماركس تحولت الى وعي نامي وطني في التصدي لمشاريع الطائفية والفساد رغم شراسة رجال القوى الدينية المتخلفة , والتمسك بالدين كغطاء للاعمال السيئة التي تسيء للبشر والاخلاق , تكاد لم تكن نافعة ولا صالحة للاستعمال الذهني ( الفكري ) في خداع النفس البشرية , هناك تحولات واضحة في رفض مشاريع التخلف والفساد , وحتماً ستجد أضاءاتها على مدى التاريخ القريب في التغير نحو عراق معافى يسوده الأمن والبناء والديمقراطية . الدعوة الى الحرية والديمقراطية وبناء دولة مؤسسات ورفض دعاوي الجهل والتخلف تضطلع بها قوى يسارية وديمقراطية من خلال تبنيها لمشاريع تنموية وطنية .

تحالف سائرون نموذج سيء لاحباط الوعي عند الجماهير وتطلعاتهم نحو المدنية والحرية وتعزيز المشاريع التي تنال من وحدة العراق وسيادته , ورفض أرساء أسس دولة مدنية .
هذا التحول في الوعي وفي العقل الجمعي أربك المؤسسات الدينية والمرجعيات في أعادة النظر بمواقفها تجاه حقوق وتطلعات الناس .

سماحة السيد مقتدى الصدر لعبه بشكل صح , وأنا أعتقد ليس من عندياته , لانه هو أقل مما يفكر بهذه الطريقه هناك وراء تحالف سائرون عقول ودول من أجل أضعاف دور الشيوعيين وتصدرهم للاحداث من خلال مطالباتهم اليومية في الحرية والديمقراطية وحرية الرأي , والتي تناعمت مع تطلعات الناس . فمن أجل أبعادهم عن دورهم الحقيقي بدل من الاعتقالات والقتل مما يسبب حرج وأستنكار ورفض رأي عربي وعالمي . تمكن السيد مقتدى الصدر زعيم حزب ديني وطائفي ومتهم بقتل الناس بل هي حقيقة . لف الشيوعيين تحت هذا العنوان مما تركت ظلالها السلبية على علاقة الشيوعيين بجماهيرهم أولا وأضعاف دورهم بالشارع وهذا ما نشاهده من خلال الأراء والمواقف . وأنا شخصياً ليس ضد الدين ومعتقدات الناس , لكن أن يستخدم الدين كغطاء للتستر والسرقات والجهل والتخلف وبغطاء سياسي , هذا أمر لايمكن السكوت عليه .