أثبتت فتوى الدفاع المقدس؛ إن شعارات الوطنية, والدفاع عن المذهب في العراق, لم يصدق قائليها, عندما أوصلوا حال العراق لهذا الحال؛ امنياً واقتصادياً واجتماعياً, فالوطن والوطنية وروح المواطنة, صدقت بوقوف العمائم بالخط الأول, لصد العصابات الإرهابية, ودافعت عن العقيدة والمذهب, عندما بانت خيانة المتشدقين بذلك, لذا الكل يتفاخر بالعمامة الشهيدة.
من تلك العمائم المجاهدة, التي روت أرض العراق بدمائها الطاهرة, الشيخ الشهيد جليل الاسدي؛ أحد أسود البصرة الفيحاء, ولد عام 1965 في كَرمة علي, لأسرة موالية لأهل البيت “ع”, مؤمنة بالدفاع عن الوطن, بعقيدة راسخة, أكمل تعليمه الاكاديمي الأولي فيها, وبسبب الظروف الامنية والاقتصادية ترك الدراسة, متوجهاً لالتزام التثقيف الديني, لشغفه الشديد بالشعائر الحسينية, قرأ المقتل يوم العاشر منذ نشأته.
التحق بالحوزة العلمية في النجف الاشرف عام 1995, رغم المعاناة والمصاعب التي تواجه الطلبة, لقناعته بأن رجال الدين؛ هم حماة العقيدة ورجال المرحلة, في مواجهة حملات النظام السابق ضد المجتمع, وأستمر بذلك لمدة عشرة سنوات تقريباً, عاد الى مدينته البصرة, معتمداً للمرجع الكبير الشيخ النجفي, مزاولاً نشاطاته الفكرية والثقافية والاجتماعية, أسهم ببناء حسينية “السيد رقية ع”, ومسؤولاً لهيئة مواكب الهارثة.
عندما سيطرة الزمر الإرهابية على مدينة الموصل, في حزيران 2014, وتمدد الى المدن الاخرى, كان من أوائل الملبيين نداء المرجعية العليا, بالدفاع عن حياض الوطن, التحق بالتشكيلات الجهادية, ضمن لواء المنتظر أحد سرايا تيار شهيد المحراب, معاوناً لأمر القوة السيد المجاهد داغر الموسوي, أستطاع من خلال قوة شخصيته, وأخلاقه السامية, ترك أثر واضح في نفوس المجاهدين, حاثهم على التضحية والإقدام.
شارك في تحرير مناطق عديدة؛ أهمها “عزيز بلد, واليوسفية, وسيد غريب, والزلاية, ومكيشيفية, والثرثار” فكان مثال يحتذى به, ترك دروساً للأجيال في التعامل من المضطهدين, عندما حرروا منطقة عزيز بلد, هرع لإنقاذ العوائل المحاصرة هناك, وإطعامهم وتوفير الامن لهم, أهدت له أحدى النساء أبنتها, فرد عليها “نحن اتباع أهل البيت “ع”, ليس من إخلاقنا وتعاليم ديننا, أن نفعل هذه الفعلة”.
عندما تعرض محور لواء المنتظر, والفرقة العاشرة من الجيش في الثرثار, لهجوم بعجلة مفخخة في محاولة لاستهداف الجسر الرابط, فوضع سيارته الخاصة على الطريق المؤدي الى الجسر, أمام العجلة المفخخة, فاصطدمت العجلتين, وانفجرت دون حدوث أضرار بأرواح المجاهدين, مما زاد في عزيمة وثبات المقاتلين في التصدي لبؤر الارهاب, ومحاولاته الاجرامية, فكان نعم القائد الميداني, والمخطط العسكري للكثير من العمليات النوعية.
لكن المنية كانت سباقة, والشهادة تلوح عليه, لقربه من الله تعالى, فأختاره الباري الى جواره, بعدما صلى الظهرين جماعة بالمجاهدين, الذين كانوا معه, بيوم الرابع من كانون الثاني عام 2016, بعد إكمالها عرجت روحه الطاهرة الى السماء, برصاصة غادرة من العدو, ليرتحل مجاهداً ومبلغاً وشهيداً, وشاهداً على أشد الحقب ظلامية.