((سألتُ أحَد العُلماء:مارأيك في علي(ع)؟ فسألته:ماهوأشرفُ مكانٍ في الأرض؟فقلتُ:المسجِد،فقال:ماهو أفضلُ مكانٍ في المسجِد؟قلتُ:المِحراب،فقال:ماهي أفضلُ الأعمالِ عند الله؟قلتُ:الصلاة،فقال:أيُّ صلاةٍ فيها مُعاناة؟قلتُ:صلاة الصُبح، فقال:أيُّ وضعيةٍ في الصلاةِ أقربُ الى الله؟قلت:السجُود،فقال:ماهوأشرفُ عضوٍ في الجِسم؟قلتُ:الرأس،فقال:ماهوأشرفُ مكانٍ في الرأس نتقرَّبُ فِيهِ الى الله؟قلتُ:الجبهة،فقال:ماهي أفضل الشهورِعند الله؟قلتُ:شهررمضان،فقال:وماهي أفضل الليالي في شهرِرمضان؟قلتُ:ليلة القدر،فقال:ماهوأفضل القتلِ عند الله ؟قلتُ:الشهادة،عندها إغرورقت عيناي فقلتُ:إسمع إنَّ مولانا أميرالْمُؤْمِنِينَ عليِّ(ع)،إستشهد في شهرِرمضان، وفي ليلةِ القدر،وفي المسجد،وفي المِحراب،وفي صلاةِ الصُبح، وأثناء السجود،وضُرِبَ على جبهتهِ المُباركة،فصرخ بأعلى صوتِه:فُزتُ وربِّ الكعبة)).
أي لقاء هذا الذي سيتم بين العاشق والمعشوق؟ يا علي: لقد لاحت علامات الفجر، والوعد الإلهي ينتظركَ، وإقتربت الساعة وإنشق القمر، السموات كلها تنتظر قدومكَ، والملائكة يضجون بين الأرض والسماء ويرددون: تهدمت والله أركان الهدى، وإذا بصوت قدسي يقول: هلمَّ إلينا يا وليد الكعبة، يا أمير البلاغة والفصاحة، يا أمير النحل، أيها الفادي لروح نبيكَ محمد (صلواته تعالى عليه) ليلة المنام، يا كاسر الأصنام، أسد الله الغالب، قتّال العرب من المشركين، والمنافقين،مفني الأحزاب، وقالع الباب.
يا علي، لقد إشتقنا إليكَ أيها الدرُّ المرتضى، والذهب المصفى، أيها المتصدق بالخاتم أثناء الصلاة، أيها القرآن الناطق، يا من خطبتَ بالناس بلا همزة وبلا نقطة،يا مَنْ ضربتَ بالسيفين، وطعنتَ بالرمحين، أسد صفين وحُنين، أبا الحسنين السبطين، يا مَنْ تخاف الجن من بطشته، والإنس من ضربته، يا قاتل مرحب وعمر بن ود، يا سيد الأوصياء يا صاحب اللواء ويوم المرحمة، مصباح الدجى، والعروة الوثقى، وركن الهدى، ومنار التقى، وحجة رب العالمين، والحبل المتين، والصراط المستقيم.
حان الوقت ليتكلم المحراب، وتنوح العمامة للسيد البطين الأنزع، فأبشع الجرائم بحق علي قد أرتكبت، والحقيقة التالية عبرت عن عِظم المصاب، الذي ألمَّ بأمير المؤمنين ليلة (21/ رمضان/40 للهجرة)، فمَنْ كان يمسح الدم عنه يقول له:لا تشغل نفسكَ بالسؤال كيف يراني الناس، لأنني منشغل بالعلي الأعلى، كيف يراني وبأي حال؟ بكاء، ونحيب، وعويل، وضجيج، وكل شيء يتزاحم صوب السماء، فما لا يعرفه العاديون، أن النبأ العظيم (علي عليه السلام)، راحل الى عليين عند مليك مقتدر.
الشهادة لغة لا تفهمهما الكتب، ولا يفقهها المتقاعسون، ولا تفسرها المعاجم، فأبجديتها عند علي، وسرها عشق وصي، ومفتاحها صلاة ولي، ومدادها نهج صفي، ومحراب ناح بفجر خفي، وعدلها ميزان وفي، وها هو يعسوب الدين وإمام المتقين، يعلن لحظات رحيله عن الدنيا، فسبحَ بإسم ربه الأعلى، لكن أكثر ما ألمَّهُ وهو بين أولاده، نظرات حزينة ممزوجة بالأسى الى الحوراء زينب (عليها السلام) وكأنها كانت تقول: اليوم والدي وغداً جميعكم، فسلام عليكَ أيها الصديق الأكبر والفاروق الأعظم.