تجري هذه الأيام مماحكات و مجادلات و مناكفات بين نائبين عراقيين يدعيان زورا و بهتانا أنهما يمثلان الشعب و أن الشعب قد اختارهما ليمثلاه . و نقول زورا و بهتانا لأن كليهما لم يصلا العتبة الانتخابية فعلا و إنما أصبحا نائبين كما يقول العراقيون ( نواب عوازة ) . لا يوجد تشابه بين حسن العلوي و حيدر العبادي أبدا اللهم إلا في الحروف الثلاث الأولى من لقبهما .
و ابتدأت القصة حين انتقد حسن العلوي رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي فرد عليه حيدر العبادي ، العضو البارز في حزب المالكي متهما إياهبالبعثي القديم و من ابواق وأنصار صدام . فرد العلوي عليه بمقالة طويلة يعدد فيها أمجاده التي قام بها حتى قبل ولادة العبادي !! فما كان من الأخير إلا الرد بقوله أن حسن العلوي ( مهرج ) و كان يذوب في حب صدام و من أركان إعلامه و دعايته ، و أن حسن العلوي لم يكن معارضا أبدا لصدام و حكمه .
وجدت قناة البغدادية فرصة في هذا الردح المتبادل فاستضافت العلوي الذي شن هجوما كاسحا على العبادي واصفا إياه بعميل إيران و الجبان الذي لم يجرؤ أبدا في الكتابة باسمه أيام صدام و أنه كان يحارب الجيش العراقي و يستلم ثمن خيانته للعراق من السفارة الإيرانية في دمشق قائلا له ( لك إنت منو ) . و وصف بعض أعضاء حزب الدعوة الذين يتولون مقاليد الحكم في العراق الآن بأن أحدهم كان قصابا و الآخر يبيع البصل و الطماطم الخ …
و على أي حال فأنها فرصة لنا نحن العراقيون للضحك على هؤلاء الذين تسببوا في دمار بلدنا و أهلنا و جعلونا ( مضحكة ) أمام العالم بعد حصولنا بجدارة و استحقاق المركز الأول في الفساد على سطح الكرة الأرضية و ربما في العوالم الأخرى.
فبطولات العبادي في مقاومة نظام صدام لا نعرف عنها شيئا و إن وجدت فلم تؤثر إطلاقا و الدليل طبعا سقوط صدام على يد الأميركان . و الذي يؤخذ على العبادي في هذه العجالة أمران خطيران : منحه عندما كان وزيرا للمواصلات رخصة الهاتف النقال لشركة مصرية بعد تحرر بغداد من نظام صدام بسعر 50 مليون دولار فقط في الوقت الذي ثبت أن سعرها الحقيقي يزيد عن 1250 مليون دولار ( مليار و ربع ) !! فإن لم يكن يعلم بهذا الأمر و ضحك عليه المصريون فيجب أن يحاسب لهدره أموال العراق بهذه السهولة . و إن كان يعلم السعر الحقيقي للرخصة و أعطاها للمصري بهذا السعر البخس فهو متواطئ و تجب محاكمته على هذا الأساس .
أما الأمر الأخر فهو يرأس اللجنة المالية في مجلس النواب و الميزانيات الانفجارية لم تفعل شيئا للشعب العراقي سوى استمرار تفجيره في كل شارع و محلة و مجلس عزاء . و يسأل العبادي لماذا لا يسأل حكومته الرشيدة عن أوجه صرف هذه الميزانية أو كيف يوافق فعلا على أبواب الصرف الخرافية لمكتب رئيس وزرائه و مكتب رئيس الجمهورية و مكتب رئيس مجلس النواب ؟؟ و كيف يقر هذا الهدر الرهيب للأموال ثم يذهب إلى منزله و يضع رأسه على المخدة و ينام مرتاحا متمتعا بالأحلام السعيدة متناسيا مئات الآلاف من شباب حزب الدعوة الذين استشهدوا على يد صدام و هم في عمر الورود كي يصل العبادي و جماعته للحكم و يتناسون تلك الدماء الطاهرة مطبقين فعلا قول طيبة الذكر سليمة مراد : يا من تعب يا من شكه و يا من على الحاضر لكه !!!
أما حسن العلوي فالحق يجب أن يقال أن معارضته لصدام كانت أكثر تأثيرا من جميع شلة حكم حزب الدعوة الحاكم الآن . فقد كتب كتبا قيمة بالفعل و فضح أساليب حكم صدام و جرائمه .
و لكن لماذا عارض حسن العلوي صدام ؟ يقول المثل العربي ( مجبر أخاك لا بطل ) و هو ينطبق على العلوي إلى حد بعيد . فبعد قتل صدام لابن خالته عدنان الحمداني في مجزرة قاعة الخلد في تموز 1979 بعد استلام صدام الحكم بأيام ، خاف العلوي الذي كان مسافرا من العودة إلى بغدد فأرسل برقية كلها خضوع و تذلل لقائد الضرورة . لكن تلك البرقية لم ترقق قلب الطاغية فاضطر العلوي إلى المعارضة و استغل قلمه الرائع فعلا في الكتابة ضد صدام و فضحه أمام العالم و هذا أمر يحسب له بغض النظر عن أسباب معارضته .
يبقى عندنا ما يعتقده العلوي في نفسه و هو محل اختلاف فعلا . فهو يدعي أنه مفكر لكننا لا نرى فكرا و إنما سردا لأحداث تاريخية عاصرها يعرفها كل من كان في عمره . كما أن تقلب آرائه لا يسمح للمرء بالاطمئنان له . و ادعاءه الشرف و عفة اليد لا يؤيده وجوده في أربيل و استلامه راتبه البالغ 40 ألف دولار شهريا دون حضور جلسات مجلس النواب و المشاركة في النقاشات التي تريد نقل العراق إلى مصاف فرنسا و أميركا وأو على الأقل الإمارات العربية المتحدة !!!
و يفعل حسن العلوي بالضبط ما يفعله الحكام العرب الذين يعتقدون أن مجرد قولهم الشيء يعفيهم من مسؤولية تنفيذه . فصدام مثلا قال أنه سيحرق نصف إسرائيل و يعتقد هو و محبيه أن ذلك أعفاه من مسؤولية حرق نصف إسرائيل !! و العلوي يقول أنه مستعد لمفارقة أولاده و عائلته و العيش في حفرة من أجل العراق . ثم يستطرد متبجحا : أين تجدون مثل هذه التضحيات عند الآخرين ؟؟؟ و إذا جاء وقت الحقيقة فلا هو و لا جميع من يحكم العراق الآن مستعد للتضحية بخدش بسيط في جلودهم المليئة بأموال السحت الحرام !!
فليستمروا في الردح فيما بينهم فليس لنا نحن مساكين العراق الذين ضحك علينا الدهر للمرة المليون اية تسلية إلا التفرج على هؤلاء و هم يحاربون بعضهم قبل أن يديحوا قريبا بإذن الله .
[email protected]