24 نوفمبر، 2024 7:34 ص
Search
Close this search box.

العلوم الاجتماعية في العراق :بين الاقصاء السلطوي والاقصاء المجتمعي

العلوم الاجتماعية في العراق :بين الاقصاء السلطوي والاقصاء المجتمعي

تعالج الورقة علاقة العلوم الاجتماعية بكل من السلطة والمجتمع في العراق، السلطة بكل ابعادها والياتها وايدلوجياتها الحاكمة ، والمجتمع بكل بنيته الرمزية والتخيلية والتصورية .
بالنسبة لعلاقة السلطة بالعلوم الاجتماعية اود الاشارة اولاً الى ان السلطة التي اتحدث عنها ليست السلطة بمعناها السياسي فقط ، وانما السلطة بكل معانيها ومؤسساتها وبنيتها الفكرية والاقتصادية والثقافية والنفسية في العراق..الخ. حيث نلاحظ بان البنى والتصورات والرموز السلطوية التي تحكم العقل الحاكم في العراق كانت ولاتزال تتعامل مع العلوم الاجتماعية والانسانية بالكثير من الاقصاء وعدم الاهتمام حيث لايزال ينظر للعلوم الاجتماعية بانها علوم الدرجة الثانية او علوم الترف الفكري في مقابل العلوم الطبيعية والتطبيقية والصرفة التي تعتبر علوم الدرجة الاولى او علوم القوة. والسبب يمكن بان المنظومة السلطوية الحاكمة للعقل العراقي لا تؤمن بأهمية العلوم الاجتماعية في تحقيق التنمية والتحديث والحداثة في المجتمع ، كون الكثير من هذه النظم والمؤسسات تخضع لايديولوجيات وسرديات تقدس القوة وقرأتها للواقع قراءة اسقاطية وليس تحليلية ، من جهة اخرى تخشى الكثير من هذه المنظومات السلطوية من الدور التفكيكي للعلوم الاجتماعية في تفكيك الكثير من ايديولوجياتها الشعارتية غير العقلانية التي تستمد منها شرعية البقاء في السلطة .
هذا الاهمال للعلوم الاجتماعية نجده واضحاً ايضا فيما يتعلق بعمل خريجي العلوم الاجتماعية حيث لايجد الكثير منهم فرصة للعمل في مجال تخصصه الدقيق في العلوم الاجتماعية وانما يعملون في مجالات بعيده عن تلك التخصصات ، اما نسبة ما مخصص من اموال للبحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية لاتشكل لا جزءاً يسير من ميزانية الدولة حيث لايلبي الحاجة في حين يعاني العراق الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تفاقمت بفعل الواقع الذي يعيشه المجتمع العراقي منذ اكثر من خمسة عقود حيث الحروب والاستبداد السياسي والصراعات السياسية والتواجد العسكري الاجنبي والتدخلات الخارجية الاقليمية والدولية ..الخ كلها اسهمت في احداث الكثير من التغيير في بنية المجتمع العراقي مما ولد الكثير من المشاكل الاجتماعية حيث الارهاب والعنف المميت والجريمة بمختلف اشكالها اصبحت جزءاً ملازما لتكوين المجتمع العراقي في هذه الفترة ،بالاضافة الى انتشار الامراض الاجتماعية من الادمان على المخدرات والسرقة والعنف الاسري وغياب ثقافة السلام والقانون ..الخ من المشاكل التي لاتعد ولا تحصى يعيشها اليوم المجتمع العراقي.
في مقابل كل ذلك لانجد هنالك اهتمام من مؤسسات الدولة السياسية بهذا الموضوع الحيوي، فهم ينشدون الحلول بعيداً عن الدراسة العلمية ما جعلهم يتخبطون في معالجة الامور، ربما سيحتج البعض بان وضع العراق بحاجة الى حلول فورية وليس الى دراسات تتطلب وقتاً طويل لوضع الحلول، نجد بان هذا القول غير مبرر ،فالتغيير في العراق في عامه اربع عشر، ولايزال الى اليوم لايوجد هنالك اهتمام بمراكز الابحاث الاجتماعية فما موجود منها قليل وضعيف من حيث الامكانيات العلمية والمادية،في حين لو كانت هنالك مراكز للابحاث مرتبطة بمراكز صنع القرار السياسي لاسهمت في توفير الكثير من المعالجات للوضع القائم في العراق.
اما عن طبيعة العلاقة بين العلوم الاجتماعية والمجتمع العراقي ،اولاً: لابد من الاشارة الى ان المجتمع مثلما يؤثر من خلال بنيته في تشكيل الكثير من قيم السلطة ،تؤثر هذه الاخيرة فيه،لذلك نجد بان المجتمع العراقي لايزال محكوم بالكثير من البنى التقليدية التي تحكم تصوراته وتفسيره للاشياء حيث نجده لايؤمن بأهمية العلوم الاجتماعية ويستند في تفسير الكثير من مشاكله الاجتماعية الى البنى والرموز التقليدية التي ترتكز الى اساطير وخرافات وقراءات دينية ضيقة، بحيث لايزال منطق الثنائيات الاقصائي حاكم لعقلية المجتمع العراقي في تعامله مع الاشياء،من جهة اخرى نجد بان المجتمع العراقي وانعكاساً للمنظومة السلطة فيه، اخذا يشجع ابنائه على دراسات العلوم التطبيقة والطبيعية والصرفة مثل الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء..الخ في المقابل لايوجد تشجيع للابناء على دراسة العلوم الاجتماعية كونها من علوم الدرجة الثانية في مقابل علوم الدرجة الاولى هذا ما أنشاء تمايزاً طبقياً يستند الى التماييز بين العلوم الطبيعية والتطبيقة والصرفة وهي علوم الدرجة او الطبقة الاولى في المجتمع والعلوم الاجتماعية وهي علوم الدرجة الثانية او الطبقة الثانية في المجتمع.
أقصاء السلطة والمجتمع للعلوم الاجتماعية والتماييز بينها وبين العلوم الطبيعية لايزال يساهم في تهميش دور العلوم الاجتماعية في تحقيق التقدم ومعالجة المشاكل الكبيرة التي يعاني منها المجتمع العراقي.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات