8 أبريل، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

العلم الامريكي بحياكة إيرانية 

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت والدتي وأحد أخوالي رحمهما الله من هواة اقتناء السجاد الإيراني حالهما كحال الكثير من العراقيين الذين يعتبرون ان امتلاك السجاد الإيراني الفاخر هو دلالة على الذوق الرفيع اضافة الى ان قيمتها المادية تزداد بمرور الزمن  أي انها تصبح مثل الذهب… زينة وخزينة .كنت مع والدتي يوما في منتصف الستينات اثناء زيارتها خان الحاج رشيد چنگي في شارع الرشيد قرب المصرف المركزي وهو من أشهر محلات بيع وشراء السجاد الإيراني المتميز . استرعى انتباهي وجود سجادة إيرانية صغيرة لكنها فاخرة معلقة على الجدار … الغريب فيها انها لم تكن سجادة تقليدية النقوش او الرسومات بل كانت عبارة عن العلم الامريكي وفي ارضيتها منظر قباب ومآذن . اخبرنا الحاج رشيد عندما رآنا نطيل النظر اليها انه قد استورد هذه السجادة ضمن مجموعة بالجملة من ايران ثم أضاف بلهجته التي تشوبها لكنة إيرانية مع ابتسامة ذكية “الحمد لله العلاقة بين ايران وأمريكا دهن ودبس” وكان ذلك  ايام الشاه بطبيعة الحال . وعندما سألته والدتي عن نوع هذه الحياكة هل هي كاشان ام تبريز ام ماذا؟؟ أجاب انها قم باب اول ومن اجود انواع الصوف الإيراني  كما ان حياكتها يدوياً تستغرق عادة حوالي  ثمانية أشهر. 
ما أن سقط برجا التجارة العالمية في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ على يد التيار الاسلامي السلفي المتطرف ادرك الجميع ان الرد الامريكي سيكون ماحقاً مدمراً.. وحالما تأكد للأميركان ان الشق الشيعي من الاسلام الحالي ممثلا بايران لا يتعاطف مع فكرة الجهاد السلفي السني المناؤي للغرب ابتدأت في ذهن الاستراتيجيين الأميركان فكرة زرع الفوضى الخلاقة في البؤر السنية ولاسيما في العراق وسوريا والهدف منها زعزعة الطابوق والاسمنت الذي يشد البناء العقائدي الديني السني حتى لو اقتضى الامر تدمير مدنا ذات غالبية سنية بكاملها.
وعلى هذا الأساس انتظر خبراء العلاقات الدولية الايرانيون المحنكون  بكثير من الاطمئنان الى ان الأميركان سيوكلون  اليهم مهمة المشاركة في تدمير البؤر السنية لأن الهدف الامريكي ليس الفوز بمعركة جانبية واحدة كاحتلال العراق مثلا  وإنما المضي قدما لاقتلاع جذور التطرّف الاسلامي وعبر سنوات من التخطيط الممنهج … لقد ادرك الساسة الايرانيون ان اي تعاطف إيراني مع التيار السلفي تحت مظلة الاسلام سيضع ايران كهدف اخر ضمن المشروع الامريكي .  وفي نفس الوقت استنتج الأميركان ان إطلاق يد ايران في تدمير التشدد السلفي السني يعتبر مهمة سوف يسيل لها لعاب الإيرانيين اذ ستسمح لهم بتصدير ثورتهم التي نادى بها الخميني قبل ٣٦ عاما. وسوف تجنب الأميركان  كذلك إرسال قواتهم لاداء نفس المهمة وتكبد خسائر فادحة لن يقوى اي رئيس أمريكي على تحمل تبعاتها . 
اذا أدركنا هذه الحقيقة فسوف تبدأ الصورة الحقيقية بالتجسد كمن يمسح البخار المتكثف على مرآة الحمام اثناء الاستحمام كي يرى بدقة تفاصيل وجهه قبل بدأه بحلاقة ذقنه… هكذا سنفهم لماذا ركل الأميركان أياد علاوي العلماني جانبا بعد فوزه بالانتخابات وأصروا على نوري المالكي المفروض ايرانيا،، ولماذا توفي أحمد الچلبي العلماني وفي قلبه لوعة وحسرة على خذلان الأميركان له في استلام حكم العراق … سوف نميط اللثام كذلك عن اسرار السقوط العجيب للموصل والرمادي وتكريت وحتى الرقة وحلب بيد داعش بين ليلة وضحاها … سنفهم كيف حصلت داعش على تسليحها وقوافل عجلاتها الحديثة ومعلوماتها الاستخبارية الدقيقة بطريقة لا تنسجم والفكر البدائي الذي تحمله عقيدتها. 
الا يثير الدهشة فعلا ان يد داعش  وصلت الى كل أنحاء العالم تفجيرا وإرهابا باستثناء ايران على الرغم ان بينهما عداوة مذهب كما يقال !!! ألم توغل داعش بقتل الشيعة العراقيين في العراق ولم ترمي حتى پتازة صوب ايران … أليس غريبا ان ترسل ايران الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والعراقي الى سوريا لحماية نظام الأسد ولا يجد الأميركان اي غضاضة في ان تتصرف ايران كقوة إقليمية و ذراعها يمتد طويلا في مجالها الحيوي الذي ارادته لنفسها . لماذا نستغرب حين نجد قاسم سليماني يصول ويجول في كل أنحاء العراق مشرفا عاما على تدمير الفلوجة والرمادي وتكريت والدور سيأتي على الموصل في المستقبل القريب… عند هذا الحد لا أعتقد انه يتوجب ان يكون المرء عبقريا ليستنتج لماذا وقعت الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع ايران وأفرجت عن مليارات الدولارات التي كانت محجوزة كعقوبة لإيران . 

بنظر الأميركان والايرانيين على حد سواء ان  النجاح الامريكي في احتلال العراق سيبقى منقوصا اذا تم السماح  لنفس سكان تلك المدن السنية المدمرة بإعادة السكن فيها حسب التركيبة الاجتماعية السابقة لما قبل الاحتلال او تدميرها … فلن يعود يونس ليصبح جارا لشيت او ذنون في الموصل مستقبلا…يلتقون يوميا فيجترون  كراهيتهم للأميركان بما قد يوفر من جديد حاضنة اخرى للتطرف السلفي … بل ان من المرجح ان سكان مثل هذه المدن مستقبلا سيشكلون خليطا جديدا لا يمثل نفس النسيج الاجتماعي السابق . هذا هو احد التطبيقات العملية لنظرية الفوضى الخلاقة التي لم نفهمها تماما واستهزئنا بها حين اطلقها الرئيس السابق جورج بوش  في عام ٢٠٠٣ … تطلعوا في التركيبة السكانية لبغداد الان وسوف تجدونها تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل ١٣ عاما.كما و يبدو ان هذا الهدف يتجاوز حتى الولايات المتحدة حيث تم الإعلان مؤخرا ان روسيا تستعمل قاعدة همدان الإيرانية في قصفها المدمر لمدينة حلب !!!. 
رحم الله الحاج رشيد چنگي حين وصف العلاقة بين ايران وأمريكا “دهن ودبس” فقد اصاب في ذلك … اما نحن العراقيون فلم يصبنا من هذا الدهن سوى الكولسترول وتصلب الشرايين ولم نجني من الدبس سوى الذباب المتراكم  على هيئة السياسيين الذين حكموا العراق من عام ٢٠٠٣ والى يومنا هذا. 

لقد آن الاوان ان يكف البسيج او الحرس الثوري الإيراني عن ترديد شعارهم المشهور  مرد مرد أمريكا او وصفهم الولايات المتحدة بأنها الشيطان الأكبر… عليهم ان يهتفوا من الان فصاعدا “آغا آغا أمريكا”… فلولا الضوء الأخضر الامريكي لبقيت ايران مسمرة في نفس الترافكلايت الأحمر الذي كانت واقفة عليه في عام ١٩٨٨. 
[email protected]      

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب