الإنسان في مسيرة تكاملية نحو الأفضل فتراه دائما ينتقل من إشباع حاجة إلى أخرى ولايكاد ينتهي من واحدة حتى تتجدد رغبته نحو حاجة جديدة عسى أن يجد ضالته فيها ، وهو في هذه المسيرة يحتاج إلى تنظيم وحالة من الضبط وإلا وقع في المحذور ، ومن هنا قنّن الإسلام حركة الإنسان في رحلته نحو الكمال وضبطها بأن حد حرية الإنسان وجعلها منضبطة بضابط عدم الإضرار في الآخرين .
وهنا النقطة الجوهرية التي يفترق فيها الإسلام عن العلمانية ، الإسلام يسمح بحرية الإنسان بقيد أن لاتضر بحرية الآخرين في حين أن العلمانية تسمح له بممارستها دون قيد أو شرط ، ولذلك – ونحن هنا نقارن بين الإسلام والعلمانية في جانب العقيدة – وضع مبدءًا مهما واعتبره شرطًا لسعادة الإنسان وهو ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) .
فالإسلام ضمن للأمة التي تطبق هذه الوظيفة على أكمل وجه أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، قال تعالى ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) آل عمران : 110 .
لاحظ هنا أخي الكريم أن القرآن الكريم قدّم هذه الوظيفة على الإيمان بالله تعالى ، وهذا أمر مهم لعله من صميم ما نحن فيه ، وهو أنه لاقيمة للإيمان إن لم يكن مقترنًا بالعمل الصالح وهنا نقطة افتراق جوهرية أخرى بين الإسلام والعلمانية ، فالإسلام يدعو دائما إلى الإيمان والعمل الصالح ، في حين أن العلمانية لاترى ضيرا في ذلك ، فأنا كمسلم وحسب رؤيتها القاصرة تعطيك حريتك في الصلاة و الصوم وما شابه ذلك من الواجبات الفردية لكن ليس من المهم في نظرها أن تسعى لتطبيق فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التي هي أس الواجبات الاجتماعية .
بل إن هذه النقطة كشفت تناقض الديمقراطية ، فهي تنادي بالحرية على أوسع أبوابها وتجعلها شعارًا تكسب به ود الناس لها لكنها تقف معترضة أمام حرية الإسلامي حين يريد أن يطبق أحكام دينه فالغناء في الإسلام حرام لاينسجم مع تربية الإسلام نحو الاستقامة لكن العلمانية تعتبر هذا نحو من تقييد الحريات ، وأوضح من ذلك مسألة حقوق المرأة ، فالإسلام يدعوإلى احترام المرأة وتبجيلها وما حكم حرمة سفورها إلا نحو من المحافظة عليها من الامتهان والابتذال كما يفعل الغرب اليوم فيجعل المرأة البضاعة الرائجة وآلة من آليات الإفساد . في حين أن العلمانية ترى في ذلك سلب لحقوقها وشتان بين النظرتين على مستوى الحقوق و الاحترام .
إذن العلمانية لا دين لها و لاضابط عندها لاحترام الإنسان ، ولاننسى ما حصل قبل ايام في الولايات المتحدة الأمريكية من مظاهرات للسود من المواطنين الأمريكان ضد مسألة التمييز العنصري بين المواطن الأسود و المواطن الأبيض فيها ، والإسلام يضمن للفرد حياة سعيدة في ظل السير بهديه والتزام تعاليمه ، فبين الفينة والأخرى حينما تظهر بوادر الوعي الإسلامي لدى الشعوب المسلمة نرى أمريكا تشد الرحال نحو هذه اليلدان وتقحم نفسها بكل ما أوتيت من وسائل تقنية حديثة لتغيير بوصلة الوعي ، وما إسقاط نظام صدام عنك ببعيد ، فأي احترام للحقوق و الحريات مع هذا التدخل – مباشرة منها أو من قبل من ينضوي تحت لوائها – في سياسة الدول الإسلامية .
فكيف لنا أن نحاكم الإسلام من خلال الدساتير الوضعية التي حيكت في الدهاليز المظلمة وفرضت على الشعوب تحت مسميات الديمقراطية التي أفرزت أنظمة وضعية لم يرغب بها المسلمون إلا بحكم الآضطرار ، فمن الطبيعي أن يحصل الظلم وسبحانه يقول ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) المائدة : 45 ،فحينما يُنحى حكم الله جانبا فماذا بعد ذلك إلا الظلم و الاضطهاد و الجور ، ومن المعيب أن ننسب ذلك إلى الإسلام وهذه الدساتير هي من صنع البشر ، فاختلافنا مع العلمانية اختلاف مبدئي لامساومة فيه لأنه يعني التنازل عن إسلامنا الأصيل وهذا دونه وجودنا أحياء فأن الحياة الحقيقية هي أن نسير وفق شرع الله تعالى ورضاه لا أن نأكل كما تأكل الأنعام دون أن نحرك ساكنا أمام الانتهاكات التي يتعرض لها الوعي تحت مسميات الأنسنة .