قد لاتروق مواضيع العلمانية للبعض ويعد الخوض فيها نوع من الترف الفكري الذي يبتعد عن الهموم الحياتية المتشعبة والمعقدة التي نعاني منها كمواطنين في مجتمعات يلهث فيها السياسي على السلطة لتحقيق مأربه الانانية النفعية فيستخدم كل وسائل القمع مع الخداع والتضليل واستغلال الدين للوصول اليها ،غير ان وقائع الحياة وتجارب الشعوب تؤكد يوميا ان لا حياة انسانية كريمة ولا حقوق ولا وجود لسلطة تخدم الشعب من دون فهم صحيح للعلمانية كمنهج يفضي الى تصحيح مسار ثقافات خاطئة في مجتمعاتنا العربية جعلت من السلطة هدفا للطامعين بدلا من ان تكون وسيلة لرسم سياسات تحقق الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والسلام للجميع بعيداً عن التمايز بسبب العرق والدين . هذه هي العلمانية بشكل بسيط ومن دون تعقيد وهذا هو هدفها السامي النبيل فهي اي العلمانية ترفض استغلال الدين لخدمة سلطة غاشمة تنتهك ابسط حقوق المواطنين وتحترم حق الانسان باختيار ما يؤمن به من معتقد او دين ..جميعنا يدرك مستوى التأثير الديني على الناس في مجتمعاتنا ما جعل الحكام يستغلونه بشكل مخالف لروح وجوهر الدين واستخدموا ما وصفهم المرحوم الدكتور علي الوردي بوعاظ السلاطين لتبريرممارساتهم القمعية واللاخلاقية واللادينية ..لذلك دعت العلمانية الى تطهير الدين من دنس السلطة واغراءاتها عندما قالت بفصل الدين عن الدولة وتحريره من اولئك المرائين تجار الدين ممن حرفوا مبادئه السماوية بفتاوى تغييب العقل ونشر الفتن والتطرف والتكفير وزعزعة استقرار المجتمع .. وعاظ السلاطين هم من يحولوا انظار المواطنين عن ممارسات الفاسدين من السياسيين ويمنحوا الطغاة فرصة التسلط اكثر فاكثر على البلاد وتقييد الحريات وتكميم الافواه .. فالعلمانية انصاف للدين ولرجاله الصادقين الذين يدعون الشعب لقول كلمة الحق بوجه سلاطين العصر الجائرين ممن تركوا الشعب يجوع وهم وعوائلهم ينعمون بخيرات الوطن التي سرقوها .. هذا هو الشغل الشاغل والمهمة الاكبر لكل الطغاة في عراق ما بعد الاحتلال او في غيره من اقطار الوطن العربي الكبير .. لذلك تراهم يعادون العلمانية ويجندون اتباعهم لتشويه حقيقتها تارة بادعائهم انها ضد الدين واخرى بدعوى انها تشجع على الانحلال وضياع الاخلاق !!
لا ادعي انني هنا اتي بشيء جديد فقد سبق غيري من مفكرين كبار تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل ، وحسبي هنا ان اذكر عسى ان تنفعنا الذكرى جميعا خاصة واننا نمر كمجتمع عربي بمرحلة انحدار خطيرة يتباهى خائن الوطن وناهب المال العام وقاتل الجماهير بافعاله من دون خوف ولا حتى خجل .. وصرنا من كثر نكباتنا وانكساراتنا نتحسر على ما مضى من سنين .. فحسبنا ان نعري تجار الدين وندعو الى علمانية ترسم لنا الطريق الصحيح .. علمانية تنزه الدين من ممارسات الفاسدين وتنصف المظلومين .