المشكلة ليست في الأشخاص الذين يحكمون وحسب , وإنما في المجتمع الذي جاؤا منه , وشكلوا الأحزاب والفئات وغيرها بأبنائه.
فما يتحقق في المجتمع من ثقافة سائدة ومقرونة بأفعال وأحداث ذات شحنات عاطفية عالية , يتسبب بولادة القوى المتناسبة مع هذه الثقافة المعادية لسلامة المجتمع وأمنه وأمانه , وبتراكم مفرداتها اللغوية والسلوكية , يتخذ المجتمع مسارات منحرفة , وتفاعلات إنقراضية تقوده إلى متاهات وتداعيات قاسية.
ومنذ ألفين وثلاثة والعمل جاد ومتواصل على إشاعة ثقافات الكراهية والبغضاء والطائفية النكراء , وإقامة أنظمة وصياغات دستورية ترسخها وتؤكدها , وتعلي من قيمتها وتأثيرها في المجتمع , وأول هذه المفردات التي دمرت المجتمع هي “المحاصصة” , أي أن الثقافة التدميرية للمجتمع إتخذت صفة دستورية , مما روج لمتوالية مفردات تنطلق منها , وتؤثر في السلوك الإجتماعي.
وما يمر به المجتمع من صعوبات ويواجهه من تحديات , بسبب هذه الثقافة التي أدت إلى ولادة ثقافات منحرفة منافية للأخلاق والقيم , مما زاد الأحوال تعقيدا وتأزما وخسرانا , وإستنزافا للطاقات والموارد والثروات.
وهكذا فأن ميدان التفاعل اليومي صار ملوثا بمصطلحات غريبة عن سياقات مسيرته المعروفة , ولا يمكن لأي شخص مهما توهم بقدراته , أن يفعل شيئا يُذكر إذا تجاهل هذه المعضلة الثقافية السلوكية , وما أدرك أن عليه أن يعيد الثقافة الإجتماعية الوطنية إلى مساراتها الصحيحة , ويبدو أن بعض العقول العارفة قد تنبهت إلى أصل المأساة وجوهر التداعيات , وأخذت تصرح بإشاعة ثقافة الحياة والراية الواحدة.
والحاكم الذي يغفل هذه العلة سيفشل حتما , ولهذا فأن عليه أن يكون حذرا ودقيقا في لغة خطابه وإختياره لمفردات عباراته , ويضع نصب عينيه أنه يخاطب شعبا , وليس فئة أو حزبا , وعليه أن يتعلم معنى أن يكون قائدا , وما هي مهارات وقوانين ونظريات القيادة المعاصرة.
فغلطة كلامية واحدة في هذا الزمن الحساس , ستورثه المتاعب والويلات , وستضعه في زاوية فقيرة الخيارات , فعليه أن يكون مؤثرا لا متأثرا , وهذا يتطلب وعيا وحلما وحكمة ورؤية قيادية ثاقبة واثقة , وإيمان بصناعة الأفضل وبناء الأقوم.
فالمجتمع وعلى لسان معظم رموزه وممثليه , وكأنه في حالة دفاعية وتبريرية ومحاولة لإيقاع المُريد بما يريد , وهناك مناهج وإتجاهات وتفاعلات سلبية , تسعى بقوة وتكاتف ودعم لتكريس المكرس وتدمير المدمر , وأخذ البلاد عن قصد أو غير قصد إلى مهاوي التشظي والإنحلال الحضاري المهين.
فالصيد في الماء العكر في ذروته , والتفاعل يُراد له أن يتمتع بسلبية فائقة , مما قد يسفر عن تداعيات تلوح في الأفق ولكن أي تداعيات ستكون؟!!