18 ديسمبر، 2024 3:45 م

العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية

العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية

عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت صدر كتاب العلاقة بين الهجرة الدولية والتنمية من منظور البلدان المرسلة للمهاجرين بداية هذا العام، للأكاديمي والباحث د. هاشم نعمة فياض. ويقع الكتاب في 351 صفحة.
باتت العلاقة المعقدة بين الهجرة الدولية والتنمية تحظى بالمزيد من البحث على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى الدول والمنظمات المهتمة بهذا الموضوع؛ لكن يلاحظ أن هذا الاهتمام لا يزال ضعيفًا ولا يرقى إلى أهمية الموضوع في العالم العربي، على الرغم من أن هذه المنطقة تشترك بقوة في هذا الصنف من الهجرة وتتأثر بنتائجه الكثيرة والمترابطة. وهذا الكتاب مساهمة في سد بعض النقص في هذا الحقل.
تتركز فرضيات الكتاب في نقطتين: الأولى، على الرغم من مشاركة ملايين المهاجرين في الهجرة الدولية، إلا أن هذا الحجم الكبير لا يتلاءم مع إسهام هذا الصنف من الهجرة في دعم التنمية بشكل أساس في البلدان المرسلة للمهاجرين. الثانية، إذا ما استُثمر عنصر الهجرة الدولية بشكل مناسب يمكن أن يكون أحد العوامل المحفزة للتنمية ، إلا أنه لا يكون بديلا لها.
يبحث الكتاب في فصوله الستة، إضافة إلى مقدمة وخلفية نظرية في اتجاهات الهجرة الدولية ببعديها الزماني والمكاني على المستويين العالمي والعربي، ومقررات الهجرة الدولية على مستويي البلدان المرسلة للمهاجرين والمستقبلة لهم. ويحلل إشكالية العلاقة بين الهجرة والتنمية، وتحويلات المهاجرين وعلاقتها بالتنمية. ويعالج تأثيرات الهجرة الدولية خصوصًا في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي. ويتطرق إلى معالجات تتعلق خصوصًا بتنظيم الهجرة الدولية والاتفاقيات الدولية الخاصة بها واندماج المهاجرين.
من خلال الرصد والتحليل الذي جرى في ثنايا فصول الكتاب، نلاحظ أن الهجرة الدولية باتت مكونا مهما من مكونات العلاقات الدولية سواء كانت هذه العلاقات اقتصادية أو سياسية أو ثقافية. وهذا يؤكد ما جرى توقعه في الخلفية النظرية بأن البرجوازية في النظام الرأسمالي في بحثها عن الأرباح واستخلاص الفائض من الطبقة العاملة، ستوسع آفاقها الجغرافية جاذبة بلدان الهامش نحو نظامها باعتبارها مزودا لليد العاملة الرخيصة والمواد الخام، وهذا ما حصل فعلا على نطاق واسع، عن طريق استعمار كثير من البلدان، خصوصا النامية منها، من قبل البلدان الأوروبية.
لفترة طويلة، لم تعالج العلاقة بين الهجرة والتنمية بطريقة صحيحة على مستوى البلدان المرسلة للمهاجرين، إذ تحلل الدراسات بصفة أساسية تأثيرات الهجرة في بلدان المقصد، وفي حالات نادرة جدا تحلل هذه التأثيرات في البلدان المرسلة للمهاجرين. فقط ثمة عدد محدود من الدراسات عالج تأثيرات الهجرة على الأجور والتفاوت، والنمو والرفاه الاجتماعي، والتأثيرات الاجتماعية التي تشمل صحة الأطفال، والتعليم ودور المرأة، وتأثير المهاجرين العائدين الذين اكتسبوا خبرة في بلدان المقصد، إضافة إلى العلاقة بين الهجرة والتجارة.
يقود نقص التنمية إلى الهجرة، لكن تؤثر الهجرة أيضاً في نقص التنمية، ففي الدول التي تشهد زيادة في الدخل والإنتاج الزراعي تعكس الهجرة النجاح، وتستطيع تحويلات المهاجرين أن تجد الأرض الخصبة للمساهمة في التنمية. لكن في الاقتصاديات الراكدة والمخربة نتيجة فشل الأسواق، تعكس الهجرة التنمية الفاشلة، ومن المرجح أن تكون تأثيراتها الايجابية أكثر محدودية.
الهجرة ليست علاجا للتنمية ولا شؤما عليها. لكن هناك طرقا لتعزيز مساهمة الهجرة في التنمية الاقتصادية في المناطق المرسلة للمهاجرين. هذه حقيقة، خصوصاً بالنسبة إلى الهجرة الدولية؛ لأن تحويلات المهاجرين تميل لتكون أكثر من تلك العائدة إلى الهجرة الداخلية.
توجد علاقة ذات حدين بين الهجرة والتنمية، فهناك علاقة إيجابية وأخرى سلبية، حيث يمكن للهجرة أن تكون سبباً ونتيجة للتخلف في الوقت نفسه، بينما يزداد التخلف أو يقل نتيجة الهجرة، لذلك لا يمكن رؤية الهجرة بشكل مطلق على أنها عقبة في وجه التنمية أو إحدى استراتيجيات تحقيقها، إذ يعتمد تأثيرها على التنمية في الدول والمجتمعات كل على حدة، وعلى البيئات السياسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية لتلك المجتمعات التي تحدث فيها الهجرة، وكذلك يعتمد تأثيرها على خصائص المهاجرين وسلوكياتهم.
من الواضح أن هناك عددا من الدراسات عالج موضوع العلاقة بين الهجرة والتفاوت أو عدم المساواة، وعلى الرغم من حقيقة أن الهجرة متجذرة بعمق في التفاوت المحلي إضافة إلى التفاوت العالمي، لكن ليس بالضرورة أنها تعمل على تقليل هذا التفاوت. إجمالا، هناك القليل من الاتفاق في الأدب الذي يعالج هذا الموضوع، إذ ثمة نتائج متباينة حول كيفية تأثير الهجرة في التفاوت، حيث تعتمد الدراسات بدرجة كبيرة على نمط التباين الموجود الذي يجري تحليله والمعطيات المتوفرة حوله وحجم التحليل، وأي ضعف في هذه العناصر يمكن أن يؤثر في النتائج التي تخرج بها دراسة التفاوت.
ومن وجهة نظر النظام العالمي، فإن الهجرة الدولية تعد شكلا من أشكال التبادل غير المتساوي، فهي تعزز التنمية في البلدان التي يكون وضعها الاقتصادي جيدا في الأصل. وهي نظام لعرض العمالة. وبهذا المعنى، فالمهاجرون قوة عاملة مثل كل القوى العاملة، يجب أن يعاد إنتاجها. لكن ما يميز نظام عرض القوى العاملة الدولية عن عرض القوى العاملة المحلية، هي أن عملية إعادة إنتاج الأولى تحدث عبر الحدود الوطنية.
هناك وجهتا نظر متعارضتان بشأن تأثير التحويلات في التنمية تسودان في الأدب الحالي المتعلق بالموضوع: واحدة متفائلة وأخرى متشائمة. يعتقد مؤيدو وجهة النظر المتفائلة بأن التحويلات يمكن أن تحفز التنمية بشكل مباشر أو غير مباشر. أما المدافعون عن وجهة النظر المتشائمة، فهم يسلطون الضوء على التأثيرات العكسية للتحويلات في التنمية.
تتمثل المنافع الرئيسة للتحويلات (المحتملة والحقيقية) بالنسبة إلى البلدان المرسلة للعمالة في: تسهيل قيود التبادل الخارجي وتحسين ميزان المدفوعات، زيادة استيراد السلع الرأسمالية والمواد الأولية الموجهة للتنمية الصناعية، زيادة في عرض المدخرات والاستثمار في تكوين رأس المال والتنمية، التخفيف من تأثيرات ارتفاع الأسعار، خلق إضافات صافية للموارد، ارتفاع مباشر في المستوى المعيشي لمستلمي التحويلات، تحسن في توزيع الدخل بالنسبة إلى الفقراء| المهاجرين الأقل مهارة.
ثمة مسألة غاية في الأهمية تتمثل بتحقيق أقصى قدر ممكن من التأثيرات التنموية من التحويلات. وهي تشمل توفير الخيارات للأفراد لتمكينهم من استخدام هذه الموارد الخاصة لدعم الاستثمارات التنموية، ويكون في مركز ذلك الاهتمام البنية التحتية والطاقة الإنتاجية. علما أن تدفقات التحويلات هذه لا تستبدل الدور التنموي للخدمات الاجتماعية العامة، والتنمية الصناعية، والاستثمار في قطاع الصادرات، لأن هذه القطاعات تلعب دورا محوريا في الاقتصاد الوطني.
إن الجدل الدائر في العديد من الدوائر الاقتصادية والسياسية في البلدان المرسلة للعمالة حول مكاسب ومغارم هجرة العمالة إلى البلدان العربية النفطية، يدور بصفة أساسية حول آليات تدفق وأنماط استخدام واستيعاب تحويلات العاملين في البلدان النفطية، إذ إن الحجم المطلق لتحويلات العاملين بالخارج لا يمثل بالضرورة رصيدا ايجابيا لمجهودات وبرامج التنمية في البلدان المرسلة للعمالة في ظل الآليات والأنماط السائدة لاستخدام هذه التحويلات. فهناك العديد من المظاهر السلبية والتشويهات التي لحقت بأنماط الاستهلاك والاستيراد والاستثمار في البلدان المرسلة للعمالة، ما يؤثر تأثيرا بالغا في أولويات برامج التنمية ونمط تخصيص الموارد في هذه البلدان.
نعتقد أن فرضيات الدراسة قد تحققت، إذ على الرغم من مشاركة ملايين المهاجرين في الهجرة الدولية على المستويين الإقليمي والعالمي، ومنها الهجرة من البلدان العربية، إلا أن هذا الحجم الكبير لا يتلاءم مع إسهام هذا الصنف من الهجرة في دعم التنمية بشكل أساس في البلدان المرسلة للمهاجرين. وقد تبيّن من البحث أنه إذا ما استثمر عنصر التنمية الكامن في الهجرة الدولية بشكل مناسب فإنه يمكن أن يكون أحد العوامل المحفزة للتنمية، إلا أنه لا يكون بديلا منها.
أخيرا، يحتاج موضوع العلاقة بين الهجرة والتنمية على مستوى العالم العربي إلى مزيد من الجهود البحثية وبطريقة مركبة لكشف الإمكانيات الحقيقية الكامنة للاستفادة من موارد الهجرة في التنمية وتلافي السلوك الضار لهذه الموارد على الاقتصاديات الوطنية في البلدان المرسلة للمهاجرين، ويفترض أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين البلدان العربية المرسلة والمستقبلة للمهاجرين لإدارة الهجرة بما يجعلها أحد مكونات التنمية المستدامة.