الاتجاه الثالث يؤيد ذلك من حيث المبدأ فيقول: صحيح أن للعقل الدور الأساسي والأول في فهم العقيدة والاستدلال على مدى سلامتها، ومن ثم الإيمان بها والالتزام بتشريعاتها وقيمها. ولكن هناك في العقيدة ما هو عقلي، أي من اختصاص العقل وقوانينه وقواعده، ولكن العقل لا يستطيع أن يحكم على جميع التفاصيل، بل يدرك أن هناك ما هو ليس من اختصاصه، ليكون هو الحاكم عليه، وهذا يبدو للوهلة الأولى أو هو حسب ما يزعم دعاته، الموقف الوسط، الذي كنت أتبناه في وقت سابق، حيث كنت أقول مدافعا عن موقف الشيعة الإمامية، بأن العقل نفسه يتخذ قرارا بوجود حدود له، وإن من الميادين ما هو ليس بميدانه، حيث كنت واقعا في التبريرية، بالرغم من أنه كان لي دائما موقف ناقد تجاهها، وهو موقف بين الموقفين؛ بين موقف تعطيل وشل العقل كما هو الحال في الاتجاه الأول (موقف الأشاعرة)، وموقف إناطة صلاحيات غير محدودة للعقل للبت في كل شيء (موقف المعتزلة)، وهو الأصح، ولو إنهم لو ذهبوا بهذا المنهج إلى آخر المسافة، لكانوا تحولوا إلى لادينيين، لكنهم بقوا أيضا مراوحين. لكن من أجل الالتزام بالموضوعية نقول إن الإمامية إلى حد ما محقون في عدم اعتماد العقل إلا في الأصول، فعلى سبيل المثال، لو ثبت إن الإسلام دين الله، من قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، فعدد الصلوات اليومية والواجبة وعدد ركعات كل منها، فذلك يعتمد حصرا الأدلة النقلية، وليس العقلية، لكن الشيعة اعتبروا العقل المصدر الرابع للتشريع، إلى جانب الكتاب (القرآن) والسنة (سنة النبي وأئمتهم الاثني عشر) والإجماع.