منذ بدايات شهر تشرين ثاني الماضي , اكتظّت الأسواق والمولات والمحلات بدمى بابا نؤيل والألعاب والنشرات الضوئية والأشجار الأصطناعية ذات العلاقة بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من هذا الشهر , كما لاحظتُ في زيارتي الأستطلاعية الى شارع المتنبي في الجمعة الماضية , أنّ حتى المكتبات والبسطات والعربات تعجّ بمستلزمات ومتطلبات هذه الزينة الأحتفالية بعيد الكرسمس الذي يتصدّره السيد بابا نؤيل , وفي زيارتي الى المتنبي تلك , لفتَ نظري ايضاً انخفاض هائل في اعداد الكتب والكراسات الدينية وبما فيها فيها الصور والبوسترات للرموزولرجال الدين .!
وإذ من المعروف أنّ مناسبة الكرسمس تهمّ وتخصّ الأخوة المسيحيين اكثر مما تعني للمسلمين والديانات الأخرى ” مع احتفالاتٍ وسهراتٍ محدودةٍ مشتركة بين الجميع ” على عكس اعياد رأس السنة الميلادية التي يحتفل بها كافة او معظم العراقيين والعالم وتشهد عروضاً واحتفالاتٍ موسيقية وراقصة وما الى ذلك , وتمتلئ فيها صالات النوادي والفنادق والمطاعم < وكان ذلك يحدث بأضعافٍ مضاعفة قبل الغزو الأمريكي وبشكل مذهل > .
التساؤل الذي قد لايستطيع كلّ امرءٍ الأجابة عنه , هو كيف تسنّى لمستوردي وباعة دمى بابا نؤيل وادوات الزينة الأخرى ذات العلاقة بالسنة الميلادية بأن يدركوا ويعرفوا مسبقاً أنَّ إقبالاً كبيراً من الجمهور لإقتناء وشراء ادوات الأحتفال والزينة وبهذه الكميات الكبيرة والمنشرة حتى في زوايا العاصمة ودكاكينها الصغيرة .!؟
لا شكَّ انها إجابة واحدة وقد لا توجد سواها , وهي الأحساس والأدراك المشترَكَين حول نفور الشعب من ممارسات احزاب الأسلام السياسي طوال هذه الأربعة عشر عاماً وما سببوه للبلاد والعباد من خراب وانهيار الأقتصاد وكبت الحريات وما لايُعدّ ولا يحصى في كلّ الأمور الحياتية والأجتماعية والثقافية وحتى الصحية وغيرها . وهذه الضغوظ المفروضة قسراً على الشعب العراقي وما رافقها ممّا رافقها من مآسٍ واحزان , وما صاحَبها من زراعة الكبت واليأس في الأنفس , فكان أنْ تبحث وتجد لها مكاناً للتنفيس ” مهما كان محدوداً وضيقاً ” فكان الأندفاع والحماس الأجتماعي والنفسي لإقتناص مناسبات اعياد الميلاد ورأس السنة للترفيه والتعويض النفسي المؤقت للترويح عن الذات المكسورة والممزّقة .
تراكمات ردود الأفعال الجماهيرية ومعاناتها من احزاب السلطة , لا بد لها أن تنعكس في اعداد ونسب الناخبين او الذين سيشاركون في الأنتخابات المقبلة , والتي ستشهد انخفاضاً حاداً بالمقارنة مع سابقاتها , كما أنّ معظم قطاعات الشعب غدت على قناعةٍ ما بأنّ هذه الأحزاب الحاكمة ستبقى على رأس السلطة مهما كانت نسبة المشاركة في الأنتخابات , وأحدى اسباب هذه القناعة هي ادراكٌ مسبق بالدور الأقليمي في إبقاء العراق ليرزح تحت سلطة هذه الأحزاب .! , ولعلّه لم يكن عبثاً أن جرى التلويح او التلميح بأن عدم تجديد السجل الأنتخابي قد يجابه بأجراءاتٍ مضادة , ولا نودّ التطرّق اليها هنا .!