ظلت العلاقات العراقية الروسية تتمتع بالاستقرار منذ قيام جمهورية العراق, فاول رئيس للعراق عبد الكريم قاسم عرف بانه حليف الاتحاد السوفيتي بسبب التقارب الايدلوجي.
وفي الفترات التالية ظلت العلاقات بين البلدين قوية خصوصا في المجال العسكري, ففي الفترة ما بين عام 1958 وعام 1990، وكان العراق من أهم مستوردي المعدات الحربية السوفيتية, وقد انشأ الاتحاد السوفيتي في العراق مصانع عسكرية، كما تم تدريب الكوادر العراقية.
على المستوى الاقتصادي كان الاتحاد السوفيتي يساهم بنشاط في قيام صناعة النفط العراقية, وقد انشأ العراق بمساعدة الاتحاد السوفيتي مايربو على 100 مشروع اقتصادي, وهو ما اعطى زخما مضافا للعلاقات السياسية بين البلدين.
وعلى الرغم من مصادقة روسيا على العقوبات الي فرضت على العراق بعد اجتياح الكويت عام 1990 , فان موسكو لم تشترك بالحرب على العراق, وظل موقفها قريبا من موقف الحكومة العراقية في فترة الحصاري الاقتصادي وفرق التفتيش عن الاسلحة المحضورة, حتى وقع الاحتلال الامريكي في 2003 فتراجعت العلاقات بين بغداد وموسكو الى ادنى مستوياتها, قبل ان تعود تدريجيا الى طبيعتها السابقة لاسباب عديدة من جملتها التحولات الكبيرة التي طرأت على المنطقة بعد احداث الربيع العربي -لاسيما في سوريا- وتعاظم الدور الايراني في المنطقة, اضافة الى الانكماش الامريكي في عهد باراك اوباما تجاه العراق بعد اتمام انسحاب القوات الامريكية عام 2011.
وبعد الاحداث الجسيمة التي مرت بالعراق عام 2014, فان تفكير المسؤولين العراقيين بدى انه يركز على استثمار اي جهد قادر على انقاذ الوضع في العراق سواء محليا او دوليا, ولا شك فان روسيا بما تمتلكه من قوة ونفوذ اقليمي ودولي, فلابد ان يكون لها دور ينبغي استثماره لصالح العراق.
ومن هذا المنطلق فان زيارات المسؤولين العراقيين الى موسكو تاتي من اجل تحقيق هذا الهدف, وكان رئيس مجلس النواب في زيارته الاخيرة واضحا حين دعا روسيا إلى لعب دورا اكثر فاعلية في حلحلة قضايا الشرق الاوسط وبما يسهم في تسوية الخلافات التي تشهدها بعض الدول, كما أعرب عن استعداد العراق للتعاون مع روسيا في بلورة آليات من شأنها أن تساعد العراق في تطوره المستقبلي.
كما ان الرسالة التي تلقاها رئيس الوزراء حيدر العبادي من ميخائيل بوغدنوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي تهدف لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين بالاضافة الى توجيه دعوة رسمية لزيارة موسكو تهدي في هذا الصدد.
ان الدور الامريكي في العراق والمنطقة برمتها – وان تراجع في الاونة الاخيرة – الا نه يبقى ذو تاثير كبير, وهذا التاثير لاشك انه ينطلق من المصلحة الامريكية بالدرجة الاساس, هذه المصلحة تتفرع منها حماية اسرائيل, والحفاظ على تدفق النفط من منابعه, والابقاء على سقف التوازن في المنطقة.
الاختلافات الامريكية – الروسية فيما يخص الملف العراقي متعددة، فلدى روسيا من المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية والسياسية ما تستطيع به ان تقلل من الاثر الامريكي في علاقاتها مع العراق، ويساعدها في ذلك ارث تاريخي متميز من العلاقات، فضلاً عن اشارات ايجابية من الجانب العراقي للتقارب مع موسكو, وهو ما يفترض ان يكون وفق المصلحة العراقية الخالصة, بحيث يتم استثمار العلاقة مع موسكو بشكل واقعي لا يغض الطرف عن الدور الامريكي، وهو ما سيبرز ذكاء الطبقة السياسية في العراق بالتعامل مع القطبين بشكل متوازن, بمسك العصا من المنتصف, بدلا من وضع تلك العصا –اذا ما اسئ استعمالها – في عجلة التقدم العراقية.