الغاية والوسيلة
ميكافيلي نفسه لم يك يعلم أن جملته (الغاية تبرر الوسيلة) ستأخذ حجما يؤطر كتاب الأمير، فهي جملة لم تك راس موضوع أو مبدأ يقرره الكاتب وإنما هي وصف لحالة سيئة لأمير مفترض، فهذه عندما تطبق كمبدأ ستجد فقدان الثقة بين مجموعة العمل الواحدة على إدارة الحكم، ونوعا من الفوضى غير المنظورة في الخطوات التي تؤدي إلى تدهور الحكم ونخره عمليا وهو في طريق السقوط المحتوم.
بعض العاملين في السياسة اليوم بل من عامة الناس أيضا من يجد أن خيانة الأمانة وخداع الآخرين، أو عدم الاهتمام بمن وثق بهم لشيء يهمهم هو شطارة وان استغفال الذي يثق بهم من باب الغاية تبرر الوسيلة وكأنها قيمة أخلاقية، أعط من تظنه صديقا أمانة، لن تجده مهتما ابدآ اهتمامه العالي بأمر صغير يمسه، بعض السياسيين يعتبرون خدمتهم واجب وليس واجبهم خدمة الناس بأكثر من إعلان النوايا.
الوسيلة من جنس الغاية:
إن الإنسان خلق لعمارة الأرض وإدامة السلالة فيها إلى أن يشاء الله؛ من اجل هذا كانت هنالك النظم التي تتفاعل مع المجموعات البشرية لتكون بقوانينها ونظمها مجتمعا له رسالة وأهدافا ونمط حياة، من المعيب أن تجد إنسانا مثقفا أو يعد من النخبة وهو غير منظم أو لا يعرف أصول التعامل أو يقيم الناس، أو لا يبدي اهتماما لما يكلف به أو يعطي جدولا لتقدم وتنفيد أي مهمة مهما كانت صغيرة وموقعها في جدوله المزدحم.
لن ينقص منك بل سيرفع الثقة والمصداقية إن رفعت الهاتف وقلت لصاحب حاجة آسف تأخرت في حاجتك لكني لم انسها فلا تشغل بالك ستاتي إليك نتائجها، أو أن حاجتك قضيت واني في خدمتكم متى شئتم وأنّا شئتم…… فالطائر الصاعد يرفع جناحيه إلى فوق منه ومن طبقهما أو انزلهما انخفض.
الصداقة والغايات:
إن الأصدقاء كما صنفهم ابن المقفع قلة والبقية معارف، أو كعابري سبيل، فهذه القلة ندرة في الحقيقة لأثمن لها إلا هي ونحن، لأنها بالتأكيد تقضي أمورك كما تقضي أمورها بلا طلب، وتسعى جاهدة لسد نقص حاجتك أو ترى ما تحتاج من توجهات الرزق مالا كان أم عملا أم علما أم عونا أم نجدة أم دفاعا عنك بظهر الغيب، هذه القلة لا تنام عن مشاكل بعضها إلا وهي تفكر بحلها، فالصداقة معناها كبير لا يحدها الزمكان لأنها تتعامل مع النفوس والنفس لا يحدها الزمكان.
وأما المعارف فمدارات احدهم بما تطيق احتسابا لله إن كنت من عامة الناس وضعيف القدرة وقصير اليد لان المك لن يهمه في زمننا هذا وربما لا يحس بألمك ويعظم أمامه شوكة يده، بيد أن العمل مع الله عند القدرة لا حدود له وهو الربح المصفى وقد تجد بين هذه الناس صديق، لكن التجربة لا تغفل المعدن والناس معادن، فمن يخون فغالبا طبعه الخيانة، ومن ينكر الفضل فغالبا ناكر الجميل، ويبقى مرة أخرى الاحتساب لله هو سيد السلوك ولا مغلوب من فاز بقبول احتسابه وربما في مثل هذه الظروف يكون نقيا خالصا عندما تتلقى الأذى وترى من وقفت معهم ينظرون كقطيع الأيّل وهو يشاهد بني جنسه تفترسه الضواري، إذن السوء موجود وواقع حال ولكن مقابلته بالمثل لا تصنع رقي في الإنسان ولا ارتقاء للمجتمع، ولا نموذج بل تبقى الناس تتحكم بها حاجاتها وغرائزها كقطيع الأيّل أو أي مخلوق ليس له مثل الإنسان منظومة عقلية تلك التي جمدها اغلبنا وركض وراء حاجاته وغرائزه وجعلها حكما لفعله وجعل غاياته تبرر وسائله فلا هو ارتاح دنيا ولا نال القبول من الله لأنه فشل في امتحان الأهلية.
وأما الغريب فواجب إكرامه وإيصاله مرامه، وان كان هذا الأمر يصعب الآن مع الحركة السريعة وعند انشغال الناس بالطلب فمن الممكن أن تنشأ مؤسسات تمول لهذا الغرض في المدن الكبيرة تنتشر لتخدم الغريب وتقوم بواجبات وتوصله مأمنه بالعمل الصالح والكلمة الطيبة ولعل الجوامع والكنائس خير مكان لمثل هذا كمقرات عمل.
فائدة الكلام:
بناء المجتمع لا يأتي من خلال هذه التقسيمات في مجتمع مفكك رغم أنها أعجبت من يقرأ وان كانت واقعا ذكرنا احتماليتي التعامل معه، لان المجتمع عندما يبنى يحتاج تضحية والتضحية ليست كلمة طوباوية، وإنما هي العمل مع الله والقيام بالمهمة والواجب، ودون شك أي منا بإمكانه الجلوس على الرصيف ومراقبة المارة وخلافاتهم وهو يدخن أو يشرب قهوة بيد انه لا يامن حوادث الطريق… إن الكلمة الطيبة صدقة لأنها تقع في النفس، فلا ينبغي نهمل التعبير عن الشكر ولو بكلمة، أن نشجع من نراه باذل طاقته أمام الآخرين، قد لا تصنع هذه النهضة لكنها تمنع السقوط، وبتعاظمها تكون دواء ضد الإحباط فحالنا في مجتمع حيران قد يقبل تقسيم ابن المقفع، لكنه تقسيم لا يخلو من الأنا حاولنا تحويله لأمر إيجابي.