18 ديسمبر، 2024 8:19 م

العلاقات العراقية الايرانية ومبدأ عدم التدخل ( دراسة حالة)

العلاقات العراقية الايرانية ومبدأ عدم التدخل ( دراسة حالة)

نشرت مقالا بعنوان (السيادة) في مجلة الركن عندما كنت طالبا في كلية الاركان قبل اربعين عاما إلا نيفا مما يدل على اهتمامي الشخصي بموضوع السيادة منذ عقود اربع وليس الآن ولا غرابة في ذلك خصوصا وأن بلدي العراق عضوا مؤسسا في الأمم المتحدة عام 1945 وعضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية .

لماذا السيادة ؟؟

عندما كنت رئيسا للهيئة التدريسية لكلية الدفاع الوطني تسعينيات القرن الماضي ، كان الطلبة يطلبون طلبات جماعية خارج صلاحياتي فأجيبهم بالمثل العراقي ( اللي عندة اب ما عندة كلام ) قاصدا عميد الكلية .. فكم هو رائع عندما يخرج الأبن من بيت الأب ويؤسس بيتا له ويكتسب صلاحية صنع القرار لبيته ،ويرفع العلم رمز السيادة والاستقلال وكم هو مزعج بعد ذلك ان يتدخل الاقارب والجيران في تربيتك لأولادك او في رؤيتك لإدارة شؤون بيتك وعائلتك كون كل الجيران والاقارب لن يعرفوا الظروف التي تمر بها وهم حتما لا تهمهم مصلحة عائلتك مثلك ، رغم انهم يحق لهم احيانا تقديم المشورة او النصيحة ( إن الدين النصيحة) ، ولذلك غنى العراقيون (( وبيتنة ونلعب بي شلها غرض بينا الناس)) وقدموا الدماء الزكية لطرد الاحتلال البريطاني بلواء مشاة واحد ولواء داعم ، وقتلوا 4500 جندي وضابط من الغزاة الامريكيين وجرحوا وأعاقوا عشرات الآلاف منهم .. هذه هي السيادة لدى الشعوب الحرة .

وجهة نظر دستورية

الحالة التي ندرسها اليوم هي توصية سماحة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي للسيد رئيس جمهورية العراق خلال لقاء جرى بينهما قبل ايام تتلخص في ان على العراق ان لا يبقي امريكي واحد .. وهذا ما فيه برأيي المتواضع تدخل في الشأن الداخلي العراقي وانتقاص لسيادة الدولة رغم عمق التحالف بين البلدين من خلال الآتي

# نصت المادة الثامنة من الباب الاول (المبادئ الاساسية) من دستور العراق على (( يرعى العراق مبدأ حسن الجوار ، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى … ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل …)) وهذا يعني بوضوح ان الدستور يفرض على العراقيين جميعا بضمنهم السلطات الثلاث ان لا يتدخلوا ، وهم عمرهم لم يتدخلوا ، وأن يرفضوا تدخل اي كان مهما علا شأنه .

# قد يرى قسم من اصحاب الرأي ان سماحته يتحدث بصفته الدينية ، وأتفق معهم في ذلك ، ولكن الدستور الإيراني يرى غير ذلك . حيث منح سماحته الصلاحيات / المهمات الآتية بموجب المادة 110 منه تحت عنوان ( وظائف القائد وصلاحياته) ومنها رسم السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

والإشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة للنظام. .. القيادة العامة للقوات المسلحة…

إعلان الحرب والسلام والنفير العام .. تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من.. فقهاء مجلس صيانة الدستور ، و المسؤول الأعلى في السلطة القضائية .. رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.. رئيس أركان القيادة المشتركة.. القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.. القيادات العليا للقوات المسلحة ، فضلا عن توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. . وعزله مع اخذ مصالح البلاد بعين الاعتبار بعد صدور حكم المحكمة العليا بمخالفته لوظائفه الدستورية ، او بعد تصويت مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية … .

كل ما جاء في اعلاه يتناغم مع الدستور الايراني الذي اطلق على سماحته لقب (القائد) وبالتالي فسماحته قائد دولة فضلا عن كونه الولي الفقيه ، وبالتأكيد فأن السيد رئيس جمهورية العراق زار سماحته ليس بصفته الدينية بل بصفته الدستورية الرسمية لكون الأول كردي سني ورجل دولة ولا يؤمن بالتقليد اصلا وبالتالي فهو ان لم يصدم بمحتوى النصيحة فهو قد صدم بصيغة الأمر الواضحة (على العراق) وأنا كمواطن عراقي صدمت بالصيغة (صيغة الأمر) اما المحتوى فلا اعتراض عليه لي كمواطن وفي الوقت المناسب لبلدي وليس المناسب لبلد آخر ، خصوصا وأني كنت مرحبا بالاتفاقية الإيرانية السعودية والتي كان من بنودها ((عدم التدخل في شؤون (الدول) .)) وعلى اثرها نشرت مقالا بعنوان ( ايران من دولة المشروع الى مشروع الدولة )

يبدو ان على الطرفين الجارين الشقيقين (بالعقيدة) والمتحالفين ان يعكسا الصورة دوما في العلاقات الثنائية بينهما كضمان لاستمرار تلك العلاقات فمثلا عندما يصرح الرئيس الاسبق احمدي نجاد رسميا عندما كان رئيسا وبمناسبة ذكرى الثورة الاسلامية (لا عودة لحزب البعث في العراق)!!! نعكس الامر ونتخيل لو ان رئيس جمهورية العراق قال ( لا عودة لحزب جمهوري اسلامي في ايران) ، او لنتخيل ان سماحة السيد السيستاني او القائد العام قالا للرئيس الايراني وهو في ضيافتهم ( على ايران لا تبقي روسيا واحدا في ايران) !!! .. لنتخيل فقط ردود افعال الخارجية الايرانية ؟؟؟

اختتم مقالي بدعائي بالتوفيق للجمهورية الاسلامية وشعوبها وثورتها التي الغت السفارة (الإسرائيلية) ووضعت بدلا عنها سفارة فلسطيننا الحبيبة ، وفي الوقت نفسه ادعوا من الله ان يوفقها في كل مشاريعها (الداخلية) ، ويوفقها في التوصل الى ان استراتيجية عدم التدخل هي التي تخدم ايران اكثر من غيرها ، وأن كان لا مناص من ذلك فيفضل ان يكون الامر في جلسة مغلقة كي لا يشعر المواطن العراقي بالإهانة والهوان والله ولي التوفيق ..