19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

العلاقات التركية الأمريكية بعد الانقلاب الفاشل

العلاقات التركية الأمريكية بعد الانقلاب الفاشل

الملاحظ أن تبِعات الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، لم تنته بعد، ولن يقتصر تأثيرها على الداخل التركي، بل قد يمتد تأثيرها إلى علاقات تركيا الخارجية مع دول عديدة ومنها الولايات المتحدة، إذ تشير بعض التقارير إلى احتمالية وقوع خلافات عديدة بين تركيا والإدارة الأمريكية، لارتباط تركيا باتفاقيات ومعاهدات عديدة مع الولايات المتحدة، ويبدو أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، ستواجه أزمات في المستقبل؛ بسبب الانقلاب.فقد شهدت تركيا يوم الجمعة 15 تموز 2016 مواجهات عنيفة بين قوات الانقلاب والشرطة سقط فيها مئات القتلى وأكثر من 1400 جريح، بعد فشل الانقلاب، فقد أعلن عن قيام الجيش التركي بعملية انقلاب ضد الرئيس (رجب طيب اوردوغان)، ودخلت دبابات الجيش للشوارع في أنقرة واسطنبول أكبر المدن التركية ، وحلقت مروحيات الجيش وهي تحمل جنود يتم إنزالهم للمراكز الحيوية للسيطرة عليها وتم ذلك بنجاح حيث تمت السيطرة على مبنى التلفزيون ومطار أتاتورك الدولي ومبنى البرلمان والقصر الرئاسي ، حيت يتواجد اوردوغان الذي تم نقله بمروحية عسكرية لمطار أنقرة الدولي وطلب منه مغادرة البلاد على الفور، إلا إن اغلب دول العالم رفضت استقباله، مما اضطره إلى دعوة أنصاره للنزول للشارع لإفشال الانقلاب، وهو ما حدث بالفعل، فقد نزل الآلاف من المواطنين الأتراك وغيرهم من مؤيديه للشارع واجبروا الجيش على الاستسلام وافشل الانقلاب.
تراجع الاهتمام الأمريكي بتركيا
على الرغم من إن تحالف الولايات المتحدة مع تركيا يعود إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما مدت يد العون العسكري والاقتصادي لتركيا للوقاية من خطر الغزو السوفيتي، كما عدت تركيا قاعدة متقدمة لأمريكا ضد السوفيت، واستمرت هذه العلاقات منذ ذلك التاريخ، إلا إن هنا عدد من المواقف كانت كعائق في وجه استمرار هذه العلاقات على وتيرتها، أولها كان رفض تركيا السماح لأمريكا من غزو العراق عبر أراضيها، وهذه لم تحدث في السابق، وبعد الانقلاب في تركيا أشارت بعض الصحف إلى أن هناك عدد من الاتهامات التي وجهها بعض المسئولين الأتراك ضد واشنطن وان لها يد في هذا الانقلاب العسكري، إلا إن الإدارة الأمريكية رفضت هذه الاتهامات، كما إن وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري؛ حذر نظيره التركي من توجيه ما وصفه بالاتهامات جزافا لأن ذلك لن يسفر عن شيء سوى التأثير سلبا على العلاقات المتبادلة بين أنقرة وواشنطن، كما إن بعض التقارير ذكرت أن الأوضاع سوف تزداد سوءا بين كلا البلدين حيث أن تركيا أغلقت بالفعل مجالها الجوي وهذا يعنى أنها عرقلت الطريق أمام الولايات المتحدة فيما يتعلق بهجماتها الجوية التي توجهها لضرب مسلحي “داعش” عن طريق تركيا، قبل إن توافق مرة أخرى على السماح لأمريكا باستخدام قاعدة انجرليك.وعلى الرغم من إن أمريكا أعلنت ولأكثر من مرة أنها لم تؤيد الانقلاب، وإنها مع الخيار الديمقراطي، ومع امن المواطنين الأتراك، إلا إن هناك عدد من المؤشرات تؤكد إن أمريكا وان هي لم تؤيد الانقلاب علنا إلا أنها كانت تنتظر النتائج حتى تقرر الأمر، فهي لم تندد بالانقلاب في بادئ الأمر، والتزمت الصمت، وهذه ليست طريقة أمريكا التقليدية في الدفاع عن حلفاءها، خاصة وان لتركيا والرئيس رجب طيب اوردوغان دور مهم في دعم المصالح الأمريكية في المنطقة، إلا إن هناك عدد من المتغيرات جعلت من أمريكا تغير سياستها تجاه تركيا ومنها:
1- سياسة اندفاع تركيا نحو المنطقة التي اتسمت بالتوتر، وخاصة تجاه جيرانها الجنوبيين (العراق وسوريا)، فعلى الرغم من دعم أمريكا للمعارضة السورية ضد الرئيس بشار الأسد وإنها تريد إسقاطه، إلا أنها لم تكن ترغب في إن تقوم تركيا وبشكل علني بالخروج على أعراف وتقاليد إدارة الأزمات السياسية الدولية المتبعة في العالم وتدعم المعارضة المسلحة المتهمة بالإرهاب مثل (داعش والنصرة) المصنفة كمنظمات إرهابية في العالم، مما أوقع هذه الدول في خانة الانتقاد الدولي، وجعل العديد من الدول مثل روسيا وإيران ومنظمات أخرى ان تتدخل بشكل علني في الأزمة السورية بحجة محاربة الإرهاب والتطرف.
2- تحاول أمريكا الإمساك بالعصا من المنتصف في موقفها من الانقلاب في تركيا، ففي الوقت الذي يقول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن تركيا لها الحق في مقاضاة من شاركوا في الانقلاب، إلا انه يحذرها من التمادي في العقوبة وذلك انطلاقا من مخاوفه على حقوق الإنسان والديمقراطية والحفاظ على الهدوء والاستقرار في مختلف أنحاء البلاد في دولة رئيسية من أعضاء حلف شمال الأطلسي، كما إن أمريكا كانت تنتظر من المنتصر لتقرر موقفها منه على غرار انقلابات تركيا السابقة، والتي كانت تأخذ مصالح أمريكا في نظر الاعتبار.
3- إن سياسة إثارة المشاكل التي اتبعها الرئيس (اوردوغان) شملت بعض دول المنطقة الحلفاء لأمريكا في أوربا والمنطقة العربية مثل مصر والسعودية، منها ابتزاز تركيا لحلفاء أمريكا من الدول الغربية، من خلال أزمة المهاجرين، فقد جعلت أوربا تغرق بالمهاجرين من دول الشرق الأوسط، وقوف تركيا وبشكل علني إلى جانب الإخوان المسلمين ضد الرئيس (عبد الفتاح السيسي) المدعوم من أمريكا والسعودية، وهذه السياسة عدت في نظر أمريكا تدخل غير مقبول من قبل حليف لها ضد سياساتها في المنطقة، وطريقة غير مقبولة للتنافس بين حلفاءها، لهذا فقد جاء الموقف الأمريكي كتحذير للرئيس اوردوغان، ولكل حليف لأمريكا قد يريد إتباع سياسة بعيدة أو معاكسة لسياسة أمريكا في المنطقة.
4- الدعم الأمريكي العلني لأكراد سوريا، هو موقف يعد استفزازي بنظر تركيا، وهو ما أكده الرئيس التركي وفي إحدى خطبه أن على أمريكا أن تختار بين تركيا والأكراد، لهذا فان أمريكا بدأت بإتباع سياسة جديدة مع تركيا وهي سياسة تطويع الحلفاء لمصلحة أمريكا، لهذا نرى إن أمريكا بدأت أتباع سياسة جديدة وهي استثمار الخلافات والصراع في الشرق الأوسط لمصلحتها وعلى أوسع نطاق، حتى لو أدى ذلك إلى تضرر الحلفاء.
5- خطأ تعامل الرئيس التركي مع حليفته الكبرى أمريكا، فمن الخطأ سياسيا ودبلوماسيا، إن يخير الرئيس التركي اوردوغان حليفه الأمريكي بين بلاده التي تملك واحدا من اكبر الجيوش في المنطقة، واقتصادا من بين اقوي 20 في العالم، وبين الأكراد، خاصة في وقت تتدهور فيه علاقاته مع القوة العظمى الأخرى، وهي روسيا، لان الإدارة الأمريكية التي لا تقبل بمثل هذا المنطق، وتحرص على إقامة علاقات جيدة مع حلفائها، كل حسب دوره، كما وان الإدارة الأمريكية، تكن كل العداء الدفين لتركيا، وتشعر بقلق كبير من قوتها المتنامية كدولة مسلمة لرئيسها طموحات بإحياء الأمجاد العثمانية، ويظهر كل العداء لـ”إسرائيل”، (قبل التدخل في سوريا) ويريد كسر حصارها على قطاع غزة، ولذا ورطته في حرب استنزاف سياسي وعسكري في سوريا يمكن إن تتطور إلى صدام مسلح وموسع مع الروس، كما إن المميزات التي كانت تركيا تتمتع بها قبل 2003، قد تغيرت بشكل جذري بعد هذا التاريخ واحتلال العراق، فقد وجدت أمريكا في شمال العراق قواعد مهمة وسهلة التعامل معها في حماية مصالحها في المنطقة، فقاعدة (انجرليك) في تركيا مثلا لها أهميتها في الحرب على داعش لكنها ليست عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه، وإذا شعرت واشنطن بأن هذا سيصبح شرطا لا بد منه في العلاقة (بين الطرفين) فربما تسحب تأييدها، وسيتطلب ذلك إعادة ترتيب القوات، لهذا لم تعد تركيا مهمة لأمريكا كما كانت في السابق، بل أصبحت تركيا محتاجة لأمريكا أكثر من ذي قبل.
6- محاولة تركيا استباق الأحداث، وتحسين علاقاتها مع دول الجوار خاصة روسيا والعراق وسوريا، فقد ذكرت التقارير إن رئيس وزراء تركيا (بن علي يلدرم) “أعلن إن تركيا تسعى إلى تحسين علاقاتها مع دول الجوار وتترك خلافاتها خلف ظهرها”، هذه السياسة لم ترق لأمريكا وعدت بنظرها تخلي تركيا عن دعم جهود حليفتها أمريكا في المنطقة.
7- كذلك يرى اغلب المحللين تراجع الاهتمام الأمريكي بتركيا من خلال استضافتها للمعارض التركي (فتح الله كولن) والمقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، والمتهم الأول في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، فالأول مرة في تاريخ أمريكا إن تستضيف معارضا سياسيا لأحد حلفاءها الرئيسيين في العالم وتمنحه الإقامة على أراضيها والعمل بحرية، خاصة وانه من الإسلاميين المتشددين، كذلك عدم تسليمه لتركيا رغم المطالبة بتسليمه لاتهامه بتدبير الانقلاب، وحجة أمريكا بعدم تسليم تركيا للأدلة التي تثبت تورطه في الانقلاب.أما مستقبل العلاقات بين تركيا وأمريكا بعد عملية الانقلاب الفاشلة فانه لا يخرج حسب اغلب التحليلات من إحدى الاحتمالين التاليين، وهما:سيناريو تدهور العلاقات بين تركيا وأمريكا
إن محاولة الانقلاب العسكري الفاشل هذه المرة من المحتمل أن توجه ضربة للعلاقات التركية-الأمريكية، ضربة تحمل في طياتها إعادة واشنطن تقييمها لحالة الاستقرار السياسي داخل تركيا وكذا تداعيات سلبية قد تصل إلى حد تراجع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين، كما أن الولايات المتحدة ستشهد ضعفا في القوى الإقليمية التي تعتمد عليها في منطقة الشرق الأوسط، لذا من المرجح أن تتسارع وتيرة تعديل ميزان القوى في ظل مستجدات العوامل الجيوسياسية بالمنطقة، ومن المحتمل أن تخطو واشنطن نحو تعزيز تعاونها مع الأكراد، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تدهور العلاقات بين تركيا وأمريكا.
وما يزيد التوتر مع أمريكا هو قضية المعارض التركي والداعية “فتح الله كولن”، فعلى الرغم من نفيه أية علاقة له بالانقلاب، إلا أن الحكومة التركية لا تزال تصر على أنه المسئول الأول عن ما حدث، وتهديد المسؤولين الأتراك بأن كل من يحاول الدفاع عن هذا الرجل أو إخفاءه، سيعتبر عدوا لتركيا وشريكا فعليا في الانقلاب، مطالبا بضرورة تسليم “جولن” من ولاية “بنسلفانيا إلى تركيا فورا، علما إن أمريكا طالبت بأدلة تثبت تورطه من جهة، وعدالة المحاكمات لكل المسؤولين عن الانقلاب من جهة أخرى.
إدراك تركيا بان هناك مصيدة نصبت لها على غرار وقوع العراق عام 1990 في مصيدة الكويت، مما جعل الرئيس التركي يهدد أمريكا بأن تختار بين تركيا والأكراد، لان تركيا تخشى من إقامة منطقة للحكم الذاتي الكردي على طول حدودها الجنوبية مع سوريا على غرار منطقة كردستان العراق شبه المستقلة، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على وحدتها الداخلية، ويشجع مطالبات للأكراد بالشيء نفسه في شرق تركيا، حيث يشكلون الأغلبية، كذلك إدراك الأتراك إن التدخل العسكري في سوريا بضغط أمريكي وتحريض من بعض حلفائهم العرب في منطقة الخليج العربي، هو الذي أدى إلى هذه النتائج العكسية ضد تركيا بطريقة أو بأخرى، وبهذا يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه في المرحلة الراهنة.
كما إن موقع “ويكيليكس”، نشر ما يقرب من 300 ألف رسالة بريد إلكتروني من الخادم الداخلي (السيرفر) والآلاف من الملفات المرفقة لحزب “العدالة والتنمية” الحزب الحاكم التركي، تعود إلى 762 من أعضاء الحزب، وزعم أنه فعل هذا ردا على عمليات التطهير والإجراءات الانتقامية المتوقع أن تشهدها تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة،
وهو ما يشير لأيادي غربية تستهدف تنفيذ موجة ثانية من الانقلاب على أردوغان ونظامه ولكن بطرق تكنولوجية لا عسكرية تستهدف تشويه حكمه وتبرير الانقلاب وربما تحرك مجموعات عسكرية أخري ضده، ويرى مراقبون أنه يصعب تصور أن ينشر موقع ويكيلكس هذه الوثائق في هذا التوقيت دون شبهات حول من يقف وراءها، خاصة أنه جاء عقب فشل الانقلاب، فالتوقيت الذي أعلنت فيه ويكيلكس عن تسريباتها جعل أصابع الاتهام تتوجه نحوها بالقول، إن ويكيليس ربما تكون أداة من أدوات حرب تشنها أطراف دولية، لا يستبعد أن تكون واشنطن على رأسها.
الاتهامات العديدة التي أطلقها المسؤولين الأتراك ضد الولايات المتحدة، وإنها تحاول إنهاء حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا، واتهامها بأنها تساعد وتؤوي عناصر متطرفة وتعمل ضد الحكومة التركية ويقصدون بها المعارض فتح الله كولن، كما عد بعض الكتاب الأتراك ومنهم (إبراهيم قراغول) إن ما تقوم به أمريكا هو إعلان حرب ضد تركيا، هذا يوضح حجم الفجوة في العلاقات بين تركيا وأمريكا، كما ذكرت بعض المصادر أن تركيا اتهمت بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين بأنهم من خطط للانقلاب في تركيا، وهو ما نفته أمريكا بشدة، ورغم النفي هذا لا يعني إن أمريكا بعيدة عن عملية الانقلاب.
معارضة أمريكا لأي إجراءات غير ديمقراطية في تركيا، ومنها إجراءات محاكمة المتهمين بالانقلاب، فقد أكد كلا من الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته على أهمية حماية المؤسسات الديمقراطية في تركيا، وعدم الانجرار وراء عمليات الثار والانتقام، وعلى تركيا إن تحترم تطبيق القانون فيما يخص من يثبت تورطه في الانقلاب، هذه التصريحات رفضتها تركيا واعتبرتها تدخلا غير مبرر في شئنها الداخلية، وهي تعبر عن وجود خلافات بين تركيا وأمريكا.
سيناريو التهدئة بين تركيا وأمريكا
 بعد الاتهامات التركية لأمريكا بضلوعها في الانقلاب، وبعد قطع الكهرباء عن قاعدة انجرليك الأمريكية في تركيا، واعتقال قائد القاعدة التركي، قامت كلا من الحكومة التركية والأمريكية ببعض الخطوات من اجل تهدئة الموقف بين الدولتين الحليفين، منها قيام تركيا بالسماح للطيران الأمريكي باستخدام القاعدة لضرب تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، وإعادة الاتصالات مع واشنطن، ولأجل تهدئة الموقف مع تركيا نفى الرئيس الأمريكي” باراك أوباما” أي معرفة مسبقة أو ضلوع للولايات المتحدة في محاولة الانقلاب الفاشلة الأسبوع الماضي في تركيا، وقال أوباما إن التقارير التي تتحدث عن غير ذلك “خاطئة” بشكل لا لبس فيه، كما أكد أن قرار تسليم فتح الله غولن إلى تركيا تقرره الإجراءات القانونية للولايات المتحدة، ومن جانبه صرح “جون كيري” أن أمريكا تحترم ديمقراطية تركيا وإرادة شعبها وإذا ثبت بأن جولن اشترك في تنفيذ فعاليات هذا الانقلاب فسوف تسعى الولايات المتحدة لتسليمه فوريا، وهو موقف يوضح رغبة أمريكا بعدم التصعيد مع تركيا في الوقت الحاضر.كذلك خوف الغرب بشكل عام من إن تركيا قد تتراجع عن مواقفها السابقة بشأن الهجرة من الشرق الأوسط نحو أوربا، إذ إن فتح حدود تركيا مرة أخرى للهجرة نحو أوربا سوف يغرق أوربا بالمهاجرين، واحتمال دخول بعض الإرهابيين معهم، مما يقوض كل جهود وقف الهجرة، لهذا فان أمريكا والغرب مضطرين في الوقت الحاضر لمهادنة تركيا من اجل وقف الهجرة.
كذلك حاجة أمريكا إلى حليف قوي ليقف معها في تحقيق مصالحها ومكافحة الإرهاب في سوريا والعراق، وعلى الرغم من وجود حلفاء كثر وموثوق بهم من الجانب الأمريكي في المنطقة، إلا إن دور تركيا يبقى مؤثرا حاليا، لان بإمكانها تقويض أي جهود سواء كانت سلمية أو قتالية في المنطقة، من خلال دعم المجموعات التابعة لها وهم قوة مؤثرة على الأرض في سوريا، لهذا فان دول الغرب تعتبر تركيا شريكا مؤثرا في الوقت الحاضر لمحاربة الإرهاب.
 كما إن خلافات تركيا مع امريكا وحلف الناتو لن تكون في صالحها، وخاصة تهديدها بغلق قاعدة انجر ليك التركية، لان هذه المنطقة لم تعد كما كانت في السابق، فقد أصبح لأمريكا وجود وقواعد في المنطقة تكفيها عن هذه القاعدة، خاصة في شمال العراق وهي قريبة من روسيا وإيران، كما إن لتركيا خلافات مع اغلب دول المنطقة من العراق إلى سوريا إلى روسيا إلى أرمينيا المجاورة واليونان ومصر، حتى إن علاقات مع بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات أصابها بعض الفتور، لهذا فهي بحاجة إلى مساعدة أمريكا وحلف الناتو لمواجهة المصاعب الخارجية المحيطة بها، وهذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكية خلال جلسة في الكونغرس يوم 2 أب 2016، “بأنه لا يوجد صديق لتركيا أفضل من أمريكا، وأننا مع الحكومة المنتخبة هناك”.
كما إن أوضاعها الداخلية هي الأخرى ليس اقل حظا من الخارج، فقتالها مع الأكراد، خاصة وان هناك مناطق قريبة من حدودها في شمال العراق وسورية تعد مؤوى لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي، إضافة إلى حاجتها للدعم الغربي ووقوف بوجه تمدد الأكراد في شمال سورية بمساعدة من روسيا، كما إن مسالة إبادة الأرمن التي تعد ورقة الغرب بوجه تركيا، وان أي قرار أوربي موحد لفتح هذا الملف سيكون له عواقب كبيرة على تركيا، لهذا فان تركيا تدرك جيدا إن عليها ان تزيد التوتر مع الغرب وأمريكا للحفاظ على أمنها واقتصادها الذي يعتمد اغلبه على الاقتصاد الغربي، كما إن الداخل التركي هو الأخر معارض لأي حكومة تركية معادية للغرب، لان اتجاه الجمهورية التركية منذ تأسيسها إلى الان هو الرغبة في الانضمام للاتحاد الأوربي، وتحقيق حلمهم في دخول أوربا، خاصة إذا عرفنا إن اكبر جالية تركية في الخارج توجد في أوربا، لهذا فان الحكومة التركية مهما بدت مستاءة من سياسات الغرب وأمريكا ضدها إلا أنها في النهاية لابد إن تدرك رغبات شعبها، وأوضاعها الداخلية والتهديدات الخارجية المحيطة بها.
خلاصة القول، إن التهدئة بين أمريكا وتركيا في هذه اللحظة الحرجة هي سيدة الموقف، لان أي توتر في العلاقات بين الدولتين لن يكون في صالح أي منهما، خاصة وان أحداث المنطقة لن تتحمل أي خلاف بين الحلفاء القدماء، كذلك إن العلاقات بين أمريكا وتركيا لن تعود إلى سابق عهدها خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، لان الخلافات كثيرة، لهذا فان احتمال توحيد المعارضة التركية في المرحلة اللاحقة وخسارة حزب العدالة والتنمية قد يعيد بعض ما فقدته هذه العلاقات، كما إن خطاب المرشح للرئاسة الأمريكية (ترامب) في حفل اختياره للمنصب من قبل الحزب الجمهوري قد وضع النقاط على الحروف فيما يخص تعامل أمريكا مع الحلفاء مستقبلا.