امام رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي سيناريو فريد من نوعه، يبدأ بتدويل الحرب على داعش للانتهاء من الخلافات الداخلية وحل مجلس النواب وإعلان الاحكام العرفية بالتعاون مع قرار دولي يعيد البلد الى احكام الفصل السابع وسلطة القانون الدولي وعقد مؤتمر في بغداد للأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة في المنطقة لخلق محور عراقي يمارس فيه دور ” الموازن الإقليمي” في موقف اقرب الى موقف المرحوم نوري السعيد في حلف السنتو ، فهذا السيناريو الوحيد الذي يحافظ على سيادة العراق من أي نفوذ اجنبي ، ويجبر المجتمع الدولي على تمويل مشروع مارشال القرن الحادي والعشرين لإعادة اعمار العراق ما بعد القضاء على داعش .
قد يبدو هذا السيناريو نوعا من عودة الاحتلال للعراق كما سيحاول البعض تفسيره ، لكن القانون الدولي فيه الكثير من المواقف التي تجعل التوازن عنوانا للمصالحة الإقليمية عبر البوابة العراقية ،وهذا ما يمكن ان تتفق عليه ضرورات المرحلة الوطنية لكي تتفهم الأحزاب العراقية المتصدية للسلطة بانها لم تستطع ان تقدم للشعب طيلة عقد ونيف من أعوام خلت غير الدمار والخراب ، فالأفضل لها ان تغادر المشهد السياسي او تمكن العبادي من إعادة صياغة العملية السياسية وفقا لتصور وطني يجمع على شراكة عقد اجتماعي لعراق واحد وطنا للجميع ، بقوة الاعتصامات والتظاهرات التي تخوله ذلك ، اما إصرارها على المضي قدما في مخططها لمحاصصة السلطة والإبقاء على الفساد وأهله في الحكم ، فهذا سيعني “توسنامي” دماء عراقية على مذبح الحرية الوطنية ليس من مستفيد منها غير هذه الأحزاب ذاتها التي تتحمل المسؤولية التاريخية كاملة، لان مرحلة ما بعد الاعتصام بقيادة التيار الصدري، يمكن ان تنتهي الى شيوع مظاهر الفوضى غير الخلاقة ، والتي ستجعل واشنطن تضحك بخبثها المعهود وهي تمر بمراحل الاستعداد للانتخابات الرئاسية في اصدار قرار جديد من مجلس الامن لنشر قوات التحالف الإسلامي في العراق…. فقط للحفاظ على دماء العراقيين داخل المنطقة الخضراء !!!
والأسباب الواقعية والموضوعية لطرح مثل هذا السيناريو، ان مشاورات العبادي تواجه خيارات احلاها مرا، تبدأ في الضغط الشعبي المتصاعد عبر بوابة الاعتصامات التي أعلن عنها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ولا تنته عند حافات ميول واتجاهات الأحزاب المؤتلفة في التحالف الوطني ناهيك عن مواقف كتلتي التحالف الكردستاني واتحاد القوى العراقية.
مشكلة العبادي تبدأ وتنتهي مع مشكلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي تعاملت مع مواقف الكتل في اتفاق أربيل عام 2011 ، لتنتهي في تطبيقات إصلاحية محدودة احيلت الى مجلس النواب وبدوره لم يوافق على أي نقطة من النقاط ( الإصلاحية) المذكورة في ذلك الاتفاق ، وسرعان ما بدأ العبادي تشكيل حكومته باتفاق سياسي على برنامج حكومته ، لكي ينتهي هو الاخر الى ذات المعيار من الانتقال الى مجلس النواب وخلافاته .
اليوم يسعى العبادي الى إعادة صياغة برنامجه الحكومي وإعادة تشكيل الكابينة الوزارية تحت عنوان عريض للإصلاح ولكن دائما تكمن المشكلة في التفاصيل، فالكلام جميل والتصريحات أكثر جمالا فيما التطبيقات لا يمكن ان تكون كذلك … لماذا؟؟
واقع الحال ان حكومتي المالكي انتهت الى شيوع مظاهر الفساد في الدولة من خلال منظومة متداخلة من تشابك المصالح الحزبية ، وسيادة مافيات إدارية ومظاهر مسلحة بعناوين مختلفة لا يمكن لأي محلل سياسي موضوعي ان يعتقد بان العبادي يمتلك العصا السحرية لحلها لاسيما وانه من ذات الوسط الذي سبق له وان اتى بها الى الدولة بما يمثله التحالف الوطني الشريك الأكبر في هذه المظاهر التي أسست لأعراف إدارية قائمة على محاصصة المناصب واخذت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة وهكذا انتهت مؤسسات الدولة الى ادارات اقرب الى محلات الرهان في مسابقات المصارعة غير الشرعية التي نشاهدها في أفلام الاكشن الامريكية!!
في تجارب الشعوب هناك نموذج العلاج بالصدمة لإنقاذ البلد كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتخلص من أعباء مرحلة الرئيسين غورباتشوف ويلسين ، مثل هذا التحول لا يمتلك العبادي القدرات الكافية على التوصل اليه ، لان بوتين امتلك في حينه قدرات المخابرات الروسية وجهاز الامن الداخلي ونفوذ حزبه الذي اسسه في التعامل مع خصومه ، فيما لا يمتلك العابدي الا الدعوات المخلصة من المرجعية وتأثيرها الاعتباري والمعنوي على الأطراف الشيعية التي لم تعد تتقبل سماع نصح المرجعية التي بح صوتها –كما يقول خطيب الجمعة – وهي تعلن عن إيقاف خطبتها السياسية الناصحة .
اما النموذج الثاني في التجارب الدولية فيتمثل في التجربة المصرية، عندما واجه الجيش ضرورات المرحلة، وقفز المشير السيسي على موجة الغضب الجماهيري العارم ضد الاخوان المسلمين، بتفاهمات واقعية مع أطراف محلية أبرزهم الفواعل الاجتماعية في مؤسستي الازهر والكنيسة القبطية، لكي ينتهي الامر الى سيناريو استثمار رأسمالية الكوارث منذ عهد الرئيس حسني مبارك حتى عهد الاخوان في انتخابات رئاسية وصل فيها المشير السيسي بسلاسة الى رئاسة الجمهورية رافقتها إصلاحات اقتصادية وإدارية لعل ابرزها شق الممر الثاني من قناة السويس في زمن قياسي .
أي محاولة للعبادي في تطبيق أي من هذين النموذجين خاسر لعدم توافر عناصر القدرة لديه في السيطرة المطلقة على الأجهزة الأمنية وان كان قائدا عاما للقوات المسلحة اسما وليس فعلا، كما انه ليس باستطاعته فرض أي قيود على مجلس النواب، الذي يعد اليوم المؤسسة التي تعيق الإصلاح تحت عنوان المحاصصة ولا يمكنه النجاح في خلق كتلة برلمانية عابرة للمحاصصة ،وليس بإمكانه اتخاذ موقف دولة بالضد من نزوع أحزاب ضد أحزاب لتقسيم العراق طائفيا تحت عنوان
الفدرالية ، لذلك اعتقد ان اعلان الاحكام العرفية وحل مجلس النواب بعد تفاهم دولي- إقليمي على العلاج بالصدمة لإزالة كوارث ما تقدم من آثام المحاصصة المقيتة ، يمنح العراق بارقة امل لرؤية الضوء في نهاية النفق، اما الإصلاحات التي يجري الحديث عنها من معطف المحاصصة فهي مجرد تدوير للازمات ودحرجتها الى الامام كما سبق وان حصل طيلة مرحلة ما بعد عام 2003 ، وهناك مسؤولية دولية مطلوب استثمارها بفعالية وعقل منفتح لتفادي الدمار الشامل للغضب الشعبي الذي ليس باستطاعة حكومة العبادي تفاديه وهي مفلسة بسبب انخفاض أسعار النفط وتقشف اقتصاد الحرب الذي يثقل كاهل المواطن البسيط …. ولله في خلقه شؤون !!!