22 ديسمبر، 2024 8:32 م

العقيدة الشامانية

العقيدة الشامانية

الخلاصة
اتصف المغول بتعدد القبائل المنضوية تحت لواء هذه التسمية ومن بين ما امتازت به هذه القبائل ترحالها من مكان الى مكان تارة بشكل سلمي واخرى على شكل غزوات للبقاع التي يرومون بلوغها تحثهم في ذلك نزعتهم الى ايجاد مناطق توفر لهم سبل العيش من كلأ وماء وقد ادى ذلك بالطبع الى التصادم الدامي فيما بين هذه القبائل وسكان المناطق التي يتوجهون صوبها, وما يهمنا هنا بالطبع الخوض في ديانة هذه القبائل في ظل الآراء التي ترى ان هؤلاء (اي المغول) لا يكترثون بالأديان.
ودراستي الموسومة (العقيدة الشامانية) تم تقسيمها الى مبحثين اثنين , خصص الاول منهما  للتعرف على الخلفية التاريخية لهذه الاقوام , ومناطق نزوحها وترحالها , وما آلت اليه احوالهم , اما المبحث الثاني , فتم فيه الخوض في معنى الديانة الشامانية , اصولها , والمنطلقات العقائدية التي جاء بها المعتقدون بها.
المبحث الأول : المغول اصولهم , مناطق ترحالهم
تمتد المنازل الاصلية للمغول على انهار كيرولين ونونى وأرخون وان جد المغول , بودانتسار اشتهر بالمكر والخديعة واستطاع ان يفوز بالزعامة على قبيلة تعيش في الجهات المجاورة لمنازله على الشاطئ الشرقي لبحيرة بايكال ولم تلبث اسرات عديدة ان التمست حماية ابنه قيدو فتزايد عدد رعاياه ولم يلبث ان اتخذ  قيدو لقب خان ,هذه كانت النواة الاولى لمملكة المغول.
كان لقيدو ثلاثة ابناء كان اكبرهم جدا لأسرة قيات التي ينتمي ايها جنكيزخان بينما كان الثاني جدا لأسرة التايجيوت وشهد جنكيزخان في حداثته ما وقع بين الاسرتين من تنافس وصراع وبلغت الملكية الاولى ذروتها زمن (كايل) حفيد قيدو , بعد ان توطدت الصداقة بين المغول واسرة (كين) التي كانت تحكم بشمال الصين نظرا لما تتعرض له من تهديد من جانب منغوليا غير انه وقع من المشاحنات بين خان المغول (كايل) وملك الصين (تاي سونج) ما ادى الى نشوب الحرب بينهما سنة 1135 وحلت الهزيمة بجيش الصين سنة 1139م ويعُد هذا التاريخ بداية لنهوض المغول([1]) وحوالي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي كان ينزل شمال منشوريا ومنغوليا وتركستان قبائل شبه بربرية تعيش على الرعي وتنتقل من مكان الى آخر وتنتمي هذه القبائل من الناحية اللغوية الى ثلاث مجموعات المجموعة التركية والمجموعة المغولية والمجموعة التونغوزية([2])  وقد وصفوا بانهم لا رداء لهم يستر ابدانهم الا جلود الحيوانات ولا طعام لهم يغذيهم الا اللبن الخاثر واللحم المجفف ولا شيء بين ايديهم يقون به اجسامهم لفح البرد ولسع الريح الا الشحم يطلونها به اولئك هم قبائل المغول بما لهم من مراس صعب وشكيمة قوية شرعة الصحراء شرعتهم وعلى البغضاء والعداوة نشأتهم البيئة المجدبة واغراهم حب البقاء وهم على ذلك شعب له ماض طويل ممعن في القدم امتاز بصفرة الوجه والانف الافطس والشعر السبط غير المجعد بسواده الحالك وبريقه وتألقه كما تميز بالعيون المنحرفة التي تشوب سوادها زرقة تغلب الصفرة على بشرتهم غير ان منهم من يبدو اسمر او برونزيا او نحاسيا ومن هذا الاصل المغولي ينحدر الصينيون واليابانيون والكوريون وبه يتصل اهل منشوريا لا يرون لهم اصلاً غيره([3]) , والمغول شعب بدوي ينقسم الى عدد من الطوائف والقبائل التي تسكن اقليم منغوليا الذي هو جزء من هضبة اسيا المركزية والشرقية وكانت هذه القبائل البدوية لا تعرف معنى الحضارة بل كانت قبائل نصف وحشية ولم تكن لهم سابقة بمدنية وحضارة ولشدة بداوتهم كانت كل قبيلة من تلك القبائل تكون وحدة متماسكة من ناحية الجنس واللغة ويرأسها رئيس يحمل لقب (نويان) تطيعه وتأتمر بأوامره , ولذلك كانت حياتهم فطرية بدائية بسيطة لا يتسرب اليها التعقيد وكانوا يقضون معظم اوقاتهم في المنازعات القبلية وفي البحث عن منابت العشب والكلأ([4]) , ان المعلومات عن المغول قبل قيام دولتهم تبدو جوهرية حتى نستطيع فهم التاريخ المبكر للإمبراطورية المغولية وعلاقتها بغيرها من الدول , فليس من المتصور ان يخرج جنكيزخان ومعه قبائل المغول والتتار ويؤسس امبراطورية كبيرة دون ان يكون لها نظام وقوانين تحكم هؤلاء([5]).
ان القبائل التركية التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية والجغرافية تشير الى الغز , وانهم اي الغز او الاوغوز او التغز غز والاخيرة تعني قبائل الترك التسعة ويعد الخزر الذين اقاموا دولتهم الشهيرة في جنوب ووسط روسيا ائتلافا قبليا من عدد من بطون الغز, وهناك ايضا الاويغور الذين يعيش معظمهم اليوم في اقليم “سنغ يانغ” شمال غرب الصين, اما الكيماك فهم حلف قبلي مؤلف من القبجاك وغيرها وهؤلاء اختلطوا فيما بعد بمغول جنكيزخان ابان الغزو المغولي لبلادهم التي تقع في جنوب روسيا على ضفاف نهر الفولغا, ولكن القبجاك كانوا اكثر عددا واعرق حضارة فصهروا الغزاة تماما وشكلوا معا ما عرف في ذلك الوقت بالقبيلة الذهبية واما احفادهم اليوم فيشكلون ما يعرف بالشعب التتاري, وهناك ايضا القرلق والقارلوق والخلج والخلاج وهم من اجمل الترك واتمهم قامة وشجاعة واسسوا لأنفسهم عبر التاريخ عدة دول مهمة احداها قبل اسلامهم في حوض التاريم ودولتين مسلمتين قويتين فيما بعد , الاولى كانت دولة القرخانيين (الافراسيابية) والاخرى الدولة الخليجية التي حكمت قسما كبيرا من الهند([6]) , وتعني كلمة تورك في التركية القوي , وهناك تساؤل عن الزمن الذي اطلق فيه اسم تورك كما جاء في كتابات ارخون او توروك كما جاء في غابر العصور على الاتراك والجواب انه لا توجد معلومات يوثق بها عن تاريخ هذه التسمية , ويجدر القول ان اطلاق اسم معين على القبائل التي تتكلم بلغة مشتركة امر حديث نسبياً, اذ كانت العصور القديمة تتميز بمفهوم الدولة او السلطة والقبيلة في القبائل الراحلة اكثر منها من مفهوم الامة([7]) , واذا اخذنا بالتعريف القائل “ان الحضارة هي الاقامة في الحضر اي المجتمع المتحضر اكثر من سواه والمقيم في المدن والقرى , بخلاف البداوة وهي الاقامة في البوادي”([8]) , فأن هذا لم يتحقق للمغول قبل انشاء إمبراطورتيهم على يد جنكيز خان , او قبل ان يكّونوا لهم دول كبيرة كما حصل مع العثمانيين على سبيل المثال.
ويغلب على الاتراك طابع الشدة والقتال ويتميزون بكونهم قوماً حاكمين ونستدل على ذلك مثلا ما يقوله محمود الكشغري (وهو من امراء امبراطورية القاراخانيين)عن (الب ار تونكا) بانه (اجون بكي) اي حاكم الدنيا , او اميرها , ويرى الباحث ان هذه الصفة التي اطلقت على هذا الحاكم التركي الذي حكم في القرن السابع قبل الميلاد لا تختلف بكثير عن اللقب الذي اطلق على الحكام العثمانيين وهو (باديشاه جهان) , بمعنى امبراطور العالم, ولم يقتصر هذا الاعتقاد على الاتراك وحدهم قبل حكم الهون , بل تعداهم الى الاقوام الاخرى , التي ارتبطت بالأتراك بروابط شتى , وبذلك فقد فتح للأتراك طريق السيطرة على قارة اسيا برمتها([9]).
وقد ظهر الترك في تاريخ ايران منذ اوائل القرن الخامس الميلادي , ففي شمال شرق ايران سماهم الايرانيون (هفتال) وفي الشمال الغربي وراء جبال القوقاز عرفوا عند الايرانيين على الدوام بالخزر, والترك او التورانيون الذين ينتسبون الى (تور) , ويسمون في الفارسية (تورانيان) , والالف والنون في اللغة الفهلوية اداة نسبة تنسب الى ابيه فكان الالف والنون في توران تنسب بلاداً الى تور وهي بلاد الترك , وقد ذكرت قبيلة تور في (الابستاق) وقيل عن اهلها انهم يمتلكون جيادا سريعة العدو وبينهم وبين الايرانيين عداء اما في النصوص الفهلوية فوردت بلاد توران بمعنى بلاد التركستان([10]) , والاتراك من الاقوام البيضاء المسماة (البراكيسفال) , ذوي الرؤوس الواسعة , ويستدل مما توصل اليه العلم الحديث وما نتج عن الحفريات والدراسات التي قام بها علماء الاثار من الروس ان إنساناً (براكسيفاليا) اطلقوا عليه انسان (اندروف) كان يعيش قبل اربعة الاف سنة في اواسط آسيا , ويحتمل ان تكون هذه الاقوام هي المعالم الاولى للأتراك, وتختلف هذه الاقوام اختلافا كليا عن الاقوام (البروتو – تركية) في البقاع الواقعة بين جبال تانري والطاي في اقليم جونغاريا (شمال تركستان الشرقية) مظهرة علامات التوسع الى الجهات الاربع وقد اعتادت هذه الاقوام على تربية الثيران والجمال وتطبعت بطابع الصيد والقتال فكانت تقدس النسر وتزين مقابرها بمخالب النسور , ولم تتوان في بعض البقاع من تربية غزلان الرين وثيران الياق وعمدت الى صنع السكاكين وبعض الآلات من النحاس ثم نجحت بعد مئات السنين في الاستفادة من المواشي([11]).
المبحث الثاني : العقيدة الشامانية
تشير المصادر الى ان الشامانية : ظاهرة دينية قديمة، انتشرت في دول عديدة من العالم ، خاصة في دول اسيا الوسطى والشمالية , وقد تأثرت بمذاهب آسيوية كبرى امثال ما كان في بلاد الرافدين , وكذلك ما لدى البوذية واللامية دون أن تفقد بنيتها الخاصة. وقد أجمع خبراء عالميون أن مروج هولونبوير (شمال شرقي الصين) هي المنبع الرئيسي للثقافة الشامانية القديمة في العالم , وأنها عقيدة تهتم بمسألة التوازن بين قوى الإنسان الذاتية الداخلية والقوى الخارجية الروحية المحيطة به , وتعدّ أن ضعف النفس البشرية الناتج من عدم الاهتمام الكافي بتربيتها وتنميتها، يساعد الأرواح والشياطين على الدخول إلى شخصية الفرد والتحكم بمشاعره وأحاسيسه، وقد يبلغ الأمر مرحلة خطيرة هي مرحلة اللبوس، فينطق الإنسان بلسان حال الشياطين ويعبر عنها , ولذاك فإن وجود الشامان ضروري لعلاج جميع مظاهر الشرور، العلاج الذي يعتمد على تنشيط القوى الذاتية لتحقيق التوازن مع القوى الكونية الشاملة، وعندئذ تُرفع عن المرء اللعنة الأبدية , فالمشكلة الرئيسة لا تكمن في الموت بحد ذاته ، بل في الموت دون تحقيق هذا التوازن الناجح على الأرواح التي يعمل معها، ويستطيع (كما يدعي) التواصل مع الموتى([12]).
يدرب الشامان أحياناً بواسطة “سيد الشامانات” والذي يكون أكثر خبرة منه في الشامانية, فيجب على الشامان معرفة كيفية السيطرة واستخدام بعض الأمور , مثل حفظ تلك الأشكال والأغاني الطقوسية المهمة بالنسبة إليه , وتُبّرز الأساطير حول أصل الشامانية فكرتين بالغتي الدلالة: أن الآلهة هي التي خلقت الشامان الأول , ولكنه بسبب تعاسته حددت الآلهة قدراته , وقد أعطيت البشرية، حسب معتقدات (البورياتوالياقوط) (وهما قبيلتان من قبائل المغول)، شاماناً واحداً لمكافحة الأرواح الشريرة التي تسبب المرض والموت , وقد نتج هذا الشامان الأول من تزاوج بين امرأة بشرية ونسر ذي رأسين يحمل اسم الكائن الأعلى «آجي الخالق» الذي يتربّع فوق قمة شجرة العالم , والظاهر ان الشامانية اتصفت في ضوء تعريفها آنف الذكر بكونها عقيدة تقوم على الجمع ما بين الدين والسحر اذا ما علمنا ان الجمع ما بين الدين والسحر لدى الاقوام البدائية كان يعني : ان الانسان حسِبَ انه يستطيع التسلط على قوى الطبيعة بالسحر والشعوذة والتعاويذ والتمائم فلما اعيته الحيلة واحس بالعجز والفشل لجأ الى قوى اخرى تتفوق عليه مثل الارواح والالهة والاسلاف لتفعل ما عجزت دونه الاساليب السحرية , ويفترض هذا الزعم ان عصر السحر تطور الى الدين واخلى الساحر مكانه بتعاويذه وتمائمه ليحل محله الكاهن بذبائحه وصلواته([13]).
ونستطيع ان نرى بجلاء ان حضارة الخيل مستمدة من الحضارة القديمة لصيادي المناطق القطبية اذا درسنا عقائدهم الدينية اذ نرى الشامانية منتشرة بينهم وهي العقيدة التي يكون فيها لرجل الدين الذي يقوم ايضا بوظيفة المطبب المقام الاول وان الشامان وحده هو الذي يستطيع ان يغير الخير او الشر فلم يقيموا المعابد او التماثيل ولم يكن لديهم طبقة منظمة من الكهنة وكان رجال الشامان يتعاونون معا على اقامة بعض الحفلات الدينية وكانت مراكزهم بينهم تختلف حسب شهرتهم ولكنهم لم يعرفوا أي نوع من التنظيم الكهنوتي وكانوا يقيمون بصفة منتظمة في فصلي الربيع والخريف حفلات موسمية لتمثيل الصراع بين النور والظلام ولتعزيز قوى النور وكان يصاحب هذه الحفلات تقديم القرابين من الحيوانات وكانت الخيول اهمها واعظمها جميعا وكانت بعض الحفلات تقام لتقديم القرابين العامة في وقت الشدة لمصلحة العشيرة او القبيلة كلها ولكن معظم الحفلات الدينية كانت تقام لمصلحة الافراد , وعلى الرغم من انهم كانوا يعترفون بوجود اله واحد قوي يقيم في السماء ويعترفون بانه مصدر للقوة الا ان الكائنات ذات القوى الخارقة للطبيعة([14]) التي كانوا يرجون استرضائها كانت في الغالب ارواحاً محلية أو من الارواح التي لها اوجه نشاط خاصة , وكان الشامان هو الذي يستطيع الاتصال بهم وهم في حالة غيبوبة يتوصلون الى احداثها بدق الطبول , والغناء , وتغادر روح الشامان جسده وهو في غيبوبة , وتسافر الى ارض الارواح ؛ حيث تستطيع مقابلة الكائنات , والتحدث اليها , ومعرفة ما يجب ان يفعل ؛ لتحقيق الاغراض المطلوبة , وكان المفروض ان ارواح البشر العاديين تغادر اجسادهم اثناء النوم , وينظرون الى الاحلام على انها تجارب حقيقية للروح , وان لها مغزى عظيما, وكانوا يدفنون موتاهم مع كثير من القرابين التي تتضمن بعض الحيوانات المستأنسة , ومن آن لآخر بعض القرابين الآدمية , ولكن الافكار الخاصة بتفاصيل الحياة المستقبلية كانت غير واضحة , ولم يعرفوا الا القليل من الخوف من ظهور الاشباح ولم يعرفوا عبادة الاجداد([15]) , وكانوا يتصفون بالوثنية , ويؤمنون بتعدد الالهة , ولهم معتقدات وافكار حول حقيقة الخلق والكون , وقد وردت بعض تلك المعتقدات في نقوش ارخون مثل : (تورك كوركي – سماء الترك) , و (تورك – يرصوبي – ارض الترك) , و (ته كري – سماء الالوهية), وهذه كلمات تلوح بالقدسية للسماء , والارض , والحياة , وهي دلالة على عبادتهم للطبيعة , حالهم في ذلك حال العبادات البدائية , التي تميل الى الاعتقاد بألوهية المظاهر الكونية , اما عدا هذه المظاهر الكونية فأنهم يؤمنون بوجود الارواح الخيرة الحارسة , مثل الروح الحارس للأطفال الرضع “اوما”, وما زال الاتراك الشامانيون في الالتاي
يقدسون “اوماي”([16]).
والشامان إله سماوي حاكم، أصبح إلهاً مفارقاً ,  وهو إله خالق، ويتكاثر إلى ما لا نهاية، وتُفسر أعماله (العالم والإنسان) بالتدخل الماكر من ضد شيطاني (الجان والأرواح الشريرة) ,  فالشامان لاهوتي وشيطاني في آن واحد، وهو متخصص بالانتشاء (الوجد)، ورجل طيب ومساعد على الصيد، كما أنه معلم، وساحر، ومدافع عن الجماعة، وهو في بعض المجتمعات مثقف وشاعر وقاض , وللشامان قوى وقدرات متعددة ، ناتجة من تجاربه التلقينية، ومعارفه للنظام الروحي، فهو متآلف مع أرواح الأحياء والأموات، ومع الآلهة والشياطين، ومع ما لا يحصى من الوجوه الغيبية التي لا يراها البشر , وبفضل هذه التجارب يتعلم الشامان جميع وسائل منع الشرور , والأمراض , والدفاع عن أفراد جماعته , أو قبيلته، وهو لذلك يتحمل موتاً طقوسياً، ينزل إلى الجحيم، وأحياناً يصعد إلى السماء([17]).
ويصبح المرء شاماناً إما بإلهام عفوي (الدعوة أو الاختيار)، أو بانتقال إرثي للصفة الشامانية، أو بقرار شخصي، أو بإرادة القبيلة في بعض الحالات النادرة. ومهما كانت طريقة الاختيار فلا يعترف بالشامان إلا بعد تلقيه تعليماً مزدوجاً من نظام وجدي (أحلام، رؤى، ارتعاشات)، ومن نظام تقليدي (صياغات شامانية، أسماء ووظائف الأرواح، أشكال وأسماء الآلهة، وعلم أنساب القبيلة، واللغة السرية، أسرار الصنعة، وغير ذلك)([18]).
 واعتنق المغول بعد الشامانية الديانة البوذية , وكانوا يصنعون اشكالا على هيئة الانسان من الصوف ؛ ظنا منهم انها تُبعد عنهم الشر, وقد احتل رجال الدين عند المغول مكانة رفيعة ؛ فقد كانوا في نظر الشعب مجموعة من المسيطرين على علم الفلك , وقادرين على تحديد متى يكون الكسوف , او الخسوف , وكذلك تحديد الايام الصالحة , او غير الصالحة للعمل , وكان المغول لا يقدمون على فعل شيء دون استشارة رجال الدين سواء كان العمل مدنياً او عسكرياً([19]).
ان المعتقد الديني للشامان بلغ به الامر ان تصور الشاماني ان منزله الذي يكون عبارة عن ايوان دائري مصنع من الاخشاب والجلود في وسطه عمود رمزا للاتصال بالسماء, اذ يشير (الياد) بقوله : ان عددا من الشعوب الآلثية تخيلت السماء , المجرة (درب التبانة) هي درزها (خياطتها) والنجوم هي الثقوب من اجل الضوء ومن وقت لآخر تفتح الالهة الخيمة لكي تنظر الى الارض وهؤلاء هم النيازك , والسماء هي كذلك مدركة كغطاء ويحصل ان لا تكون مثبتة بشكل كامل على اطراف الارض وعندئذ تتدخل رياح كبيرة بواسطة الفجوة وهكذا عبر هذا الفضاء المختصر تستطيع الابطال والكائنات الاخرى المتميزة الانزلاق والدخول للسماء وفي وسط السماء تشع نجمة القطب التي تثبت الخيمة السماوية كوتد وهي تسمى عمود الذهب وعمود الحديد والعمود الشمسي وكما يجب ان نتوقع فان هذه الكوزمولوجيا وجدت جوابا في الاصغر المسكون من قبل البشر فقطب العالم تمثل بطريقة مادية ان بواسطة الاعمدة التي تسند المنزل وان تحت شكل اوتاد منعزلة مسماة اعمدة العالم وعندما تغير شكل البيت من الخيمة الى سقف مخروطي وانتقل الى خيمة اللباد فان الوظيفة الاسطورية الدينية للعمود قد تطورت لفتحة عليا حيث يخرج منها الدخان وهذه الفتحة تناسب الثقب المماثل لبيت السماء المشابه للثقب الذي صنعته نجمة القطب في العتبة السماوية وهذا الرمز منتشر جدا والفكرة الكامنة في ذلك هي الاعتقاد بإمكانية الاتصال مع السماء فعلى المستوى الاكبر هذا الاتصال ممثل بقطب (عمود , جبل, شجرة…الخ) , وعلى المستوى الاصغر مستدل عليه بالعمود المركزي للبيت او الفتحة العليا للخيمة الامر الذي يعني ان كل مسكن بشري مطروح في وسط العالم وان كل مذبح خيمة او منزل يجعل ممكناً الانفصال للمستوى ومنه الاتصال مع الالهة لا بل في حال الشامان الصعود الى السماء([20]).
وبشكل عام تعد الديانة الشامانية, ديانة قديمة جداً تعبد الإله الواحد السامي , ولكنها كانت تقدم بعض الطقوس القدسية للكثير من عوامل الطبيعة , وفي حوار بين جنكيز خان وبعض العلماء المسلمين بعد ان سيطر على اقاليم الدولة الخوارزمية سألهم عن حقيقة الاسلام ومبادئه وأركانه فقيل له : اولها توحيد بالله سبحانه وتعالى , فقال انا ايضاً اؤمن بالله تعالى ديانة واحدة, وكذلك وافق على بقية اركان الاسلام , ما عدا الحج ؛ اذ قال ان الأرض كلها لله فلا داعي لتخصيص مكان بعينه([21]).
وكان من خصائص المتدينين بهذه الديانة أي المغول ايضاً ما اشتهروا به التسامح الديني , على ان ما جرى من تعليل ذلك التسامح بانه يرجع ؛ الى ما أشتهر به المغول من عدم الاكتراث بالدين يعتبر حكما لا يستند الى اساس متين ؛ والراجح ان هذا التسامح لم يكن المقصود منه سوى الافادة من الاشخاص الاكفاء مهما اختلفت دياناتهم , يضاف الى ذلك ما احدثوه من تغييرات اقتصادية , فازدادت خدمات البريد , واشتد الاهتمام بالطرق التي يجتازها
اصحاب البريد على الرغم من ان العرب سبقوا الى استخدامها([22]).
والى الجنوب من الاويرات عاش المركيت الذين اتصلت منازلهم وعاشوا الى حد كبير على الصيد في الغابات , والمعروف ان والدة جنكيزخان وزوجته تنتميان الى المركيت , والراجح ان المركيت من المغول , وفي غرب الكرايت اي الى الغرب من اعالي نهر ارخون ونهر نارون عاش النايمان الذين امتدت ديارهم الى نهر ارتيش ومع ان اسمهم يبدو انه مغولي اذ ان لفظة نايمان معناها ثمان فان القابهم كانت تركية , ولذا يصح اعتبارهم من الترك المغول , واعتنق النايمان الشامانية شأن سائر شعوب الاستبس غير ان النسطورية المسيحية نفذت اليهم وجاءتهم اسباب الحضارة من الاويغور الترك الذين يعيشون الى الجنوب منهم([23]).
ومما تجدر الاشارة اليه ان حكماء الصين اطلقت عليهم تسمية شامانيون لقدراتهم العالية في مجال المعرفة([24]) , ويبدو ان ذلك مرده الى ان هذه العقيدة اي الشامانية تعتمد الى حد كبير على الحكمة والمعرفة في عقائدها وعباداتها.

[1] – السيد الباز العريني, المغول, دار النهضة العربية, (بيروت/1986) , ص40-41.
[2] – المصدر نفسه , ص28.
[3] – ثروت عكاشة , اعصار من الشرق, دار الشروق,ط5,(بيروت/1992), ص18.
[4] – عبد السلام عزيز فهمي , تاريخ الدولة المغولية في ايران , دار المعارف , (الاسكندرية / 1981) , ص9.
[5] – المصدر نفسه والصفحة.
[6] – محمد نورالدين, لمحة عن القبائل التركية التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية والجغرافية العربية الاسلامية , ص2.
[7] – يلماز اوزطونا, المدخل الى التاريخ التركي, ترجمة ارشد الهرمزي, الدار العربية للموسوعات , (بيروت/2005) , ص14.
[8] – ميخائيل سعدو, سجيع الجبيلي, الحضارات, الصراع والحوار, المؤسسة الحديثة للكتاب , (طرابلس/2009), ص15.
[9] – المصدر نفسه , ص20.
[10] – حسين مجيب المصري , صلات بين العرب والفرس والترك , الدار الثقافية للنشر, (القاهرة/2001), ص.
[11] – يلماز ازطونا, المدخل, ص11.
[12] – http://www.marefa.org/index
[13] – المصدر نفسه.
[14] – حبيب سعيد , اديان العالم, دار التأليف والنشر, (القاهرة / ب ت طبع), ص9.
[15] – رالف لنتون , تر : احمد فخري , المركز القومي للترجمة , ج2 , (القاهرة / 2010) , ص178.
[16] – و , بارتولد , تاريخ الترك في اسيا الوسطى, ترجمة احمد السعيد سليمان, الهيئة المصرية للطباعة,(القاهرة/1966) ص44.
[17] – المصدر نفسه.
[18] – http://www.marefa.org/index
[19] – سامي محمد المرسي , المغول , دار العلم العربي , (القاهرة/2011) , ص31-32.
[20] – ميرسيا الياد , تاريخ المعتقدات والافكار الدينية , تر :  عبد الهادي عباس , دار دمشق , ج3 , (دمشق/1986) , ص12-13.
[21] – محمد نور الدين , امبراطورية المغول بقيادة جنكيز خان, بحث(بلا مكان وتاريخ طبع), ص15 -16.
[22] – الباز العريني, المغول, ص26-27.
[23] – المصدر نفسه , ص35.
[24] – علي حسين الجابري , الحوار الفلسفي بين حضارات الشرق القديمة وحضارة اليونان, دار افاق عربية , (بغداد/1985) , ص144.