يقال إن المرأة في ليبيا يمكن لها ان تنجب بعد وفاة زوجها. لا اقصد هنا ضمن حدود التسعة اشهر التي يقرها علم الاجنة والفسلجة والشرع، بل قد تنجب بعد وفاته بسنتين او ثلاث او اربع وينسب الطفل لأبيه المتوفى. بالنسبة لي لم اسمع بهذا الامر سابقا، لكن الشخص الذي اخبرني مضى عليه اكثر من خمسة عشر عاما يعمل في ليبيا حتى اصبح على اطلاع بكل تفاصيل الحياة وقوانينها الاجتماعية، ويضيف الى ذلك، ان اهل المرأة والجيران والاصدقاء يفرحون بالمولود الجديد ويقدمون للأم الهدايا كونها انجبت طفلا متميزا، اما سبب التميز فلأنه من النوع (الراگد). وهذا ليس ماركة عالمية او كائناً جديداً من فصيلة حديثة الاكتشاف، بل هو طفل طبيعي، يزعم الليبيون انه ظل راقدا ـ وهو اصل الكلمة ـ في رحم امه طوال تلك السنوات بعد وفاة والده، لينهض في لحظة زمنية ويكمل تكوينه ثم ينضم الى العالم بعد اكتمال التسعة اشهر. لم اعلم فيما اذا كان يحق للمرأة ان تنجب اكثر من (راگد)، فقد يكون زوجها قد استودعها ثلاثة او اربعة (راگدين) ليختصر بذلك معاناتها الناتجة من الوحدة والحزن بعد رحيل الزوج السعيد.
لا انكر اني لم أصدق ان هنالك مجتمعا في القرن الحادي والعشرين قد يقتنع بمثل هذه الفرضية التي تبيح للمرأة الانجاب بعد وفاة زوجها بسنوات، لكنه شعب معمر القذافي الذي كان يصمم القوانين والشرائع السماوية على وفق مبتغاه ويعيش ضمن دستوره الاوحد الذي ابتدعه بما يتلاءم مع رغباته وبما يبقي على شعبه غارقا في بركة من الجهل والبدع والخرافات، وفرضية الـ(راگد) احداها. وانطلاقا من مبدأ كوننا والشعب الليبي اشقاء، خشيت ان تصل هذه الفرضية الى بلدي الذي جادت عليه الحروب باحتضان مليوني ارملة، والا لامتلأ البلد بـ(الراگدين)، وحاشى لله، فارامل بلدي يفضلن الاستمتاع بانتظار راتب الاعانة الذي يطل برأسه كل ثلاثة أشهر ليمنحنهن (حفنة دنانير) لاتكفي لاسبوعين.
لكن الجرة لاتسلم ـ كما يقال ـ ويبدو ان خبر الفرضية التي وان كانت قديمة في ليبيا، قد تسرب الى آذان وعقول المسؤولين والسياسيين، فتحولت كل قراراتهم ـ التي تخص المواطن ـ الى (راگد)، مع ملاحظة التأكيد على التطوير الذي أجراه (ربعنا) على هذه الفرضية، وهي ان (الراگد) العراقي لن ينهض بيوم وليلة ولا بسنة او ثلاث او حتى عشر وهي عمر الحكومة الجديدة، ويرى البعض ان هذا امر طبيعي في بلد حديث في تجربته ودستوره وسياسييه و(عتيك) بشعبه فقط ، وذلك من مبدأ (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة).
وكما هو الحال في كل فرضية علمية، لابد من وجود مثال.. والامثلة كثيرة والحمد لله.. فمعظم قرارت وتشريعات مجلس النواب ومجلس الوزراء تبقى (راگدة) لسنوات حتى يشيخ البعض ويموت البعض الآخر ويرث ابناءهم معاملاتهم التي تتجدد على مكاتب الموظفين عدة مرات. وما يزيد تأكيد هذه الفرضية هو القرارات الرنانة التي تطلع علينا بها الحكومة في بداية اية فترة انتخابية او سنة مالية او حتى نتيجة أي اضطراب سياسي قد يثير زوبعة تسعى الحكومة الى اخمادها باحد هذه القرارات.
في بداية السنة المالية الحالية صدر قرار (ملزم) من مجلس الوزراء بتثبيت كافة اصحاب العقود في كل دوائر الدولة باستثناء قوانين التعيين مع احتساب فترة العقد كخدمة، وطبلت وسائل الاعلام وزمرت للـ(120 الف درجة وظيفة) التي تقلصت لتصبح (59) الف.. وهم الحمد لله بس يتنفذ.. لكن قرار مجلس الوزراء صار (راگد)، ربما نتيجة لترمل أحلام العراقيين. ولم يعلم احد اين تسربت هذه الدرجات ال59 بل ان وزارة المالية اتهمت بالتسبب في تأخير تنفيذ القرار لعدم وجود تخصيص مالي. وقبل ان يتم حسم هذا الامر، طالعتنا وسائل الاعلام (المحتفلة) بالقرارت الجريئة لتعلن عن توفير 40 الف درجة وظيفية في الشهر السابع لتثبيت العقود فقط، وايضا كان القرار (ملزم)، ولسان حال العاطلين والمتعاقدين يقول (اشّفنا من الـ59 حتى نحصل من الـ40) وايضا ساد صمت رهيب وأضيف الى رحم الاحلام (راگد) آخر. وشأنه شأن السابق، علل المتفائلون من السياسيين عملية التأخير الى الدراسات التي تقوم بها اللجان المالية والتي تجد في الدراسة فقط في (الفلاسين) التي تخص الشعب بينما يتم اطلاق المليارات التي تخص المسؤولين ورفاهيتهم في يوم وليلة.
وكما ذكرت فهذا مثال واحد لقرار جريء صدر من (مجلس الوزراء)، وهو ليس الوحيد، ففي زمن الديمقراطية لايعتبر قرار رئيس الوزراء ملزما ولا حتى المجلس، فهناك عشرات القرارات التي اصبحت في حكم (الراگد) وجميعها تقريبا تتعلق بحياة المواطن ورفاهيته والمشاريع الخدمية. وكما يقال، لاعتب على الاحلام التي حملت في رحمها مئات (الراگدين)، بل على زوجها الذي رحل عن الحياة ليتركها وحيدة بانتظار المخاض. وبالنسبة لاصحاب العقود، فان تسمع عن الحصرم احسن من ان تضوكه، وليس لكم الا اقامة صلاة الغائب على روح قرار التثبيت (الراگد) عله ينهض من سباته ويخرج الى الدنيا..