يستند الحكم الحالي في العراق على دعامتين , امريكية وايرانية . واي تشكيل حكومي في العراق لايتم الا بتوافق هاتين الدولتين . وتم تثبيت العرف السياسي هذا بعد الاتفاق النووي الايراني ايضا . كما اطلق اوباما يد ايران في العراق ثم في اماكن اخرى من الوطن العربي . . وعلى مايبدو فان اوباما لم يكن وحده من اعطى هذا الدور لايران . فقد ادركت مراكز القوى الامريكية واللوبي الصهيوني العالمي ان ترك ايران وبعض الدول العربية دون التعرض لهما قد يشجعهما على القيام بمغامرة للتحرش باسرائيل . ولذلك سعوا الى اشغال هذه الدول بحروب داخلية واقليمية بالنيابة لتجنب اي احتمال للمغامرة او تهديد محتمل للدولة العبرية , وليس هناك افضل من استثمار شعار تصدير الثورة الايرانية وما يترتب عليه من اثارة النعرات الدينية والطائفية في دول الطوق لاشعال فتيل هذه الحروب المتداخلة . وهكذا تم تحريض كل طرف على الطرف الاخر وقد كانوا يعيشون في سلام ووئام . حتى اصبحوا يتقاتلون بعنف لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا . ثم تم استحضار داعش ليزيد الطين بله ويعلن عن دولة الخرافة باسم الدين والطائفة . فتم حرق الاخضر واليابس . وهدمت مدن عريقة بالكامل . ولم تكن الفتنة بين المسلمين فقط , بل ومع المسيحيين والايزيديين وغيرهما من الطوائف . واستغلال طموحات الاكراد في عملية ممنهجة لخلط الاوراق واشاعة الفوضى
بدأت هذه الخطة في العراق بعد الغزو الامريكي له فتم العمل على تقسيم الشعب الى طوائف وقوميات , ثم اثارة النعرات الطائفية المدفونة في اعماق التاريخ . وامتدت هذه الفتنة والصراع بين افراد الشعب الواحد الى دول الربيع العربي . . وقد شاركت في هذه الحفلة الدامية دول عديدة نتيجة اطماعها التوسعية على حساب دول جارة وصديقة . فتم زج ايران وتركيا والسعودية وقطر والامارات واليمن في حرب بالانابة في هذه المنطقة
اما العراق فقد اصبح ممرا لايران حتى وصلت الى البحر المتوسط . . كما تم تقاسم النفوذ الامريكي الايراني فيه على وفق اتفاقات غير معلنة او ضمنية . فلا غالب ولامغلوب بينهما مادام المخطط يسير على مايرام
جاء ترامب ليعلن نهاية اللعبة فمزق الاتفاق النووي مع ايران بعد ان تمددت في العراق وسوريا ولبنان , وهي تنفذ شعارها في تصدير الثورة الاسلامية . وكانت النتيجة انهم تخلصوا فعلا من اي خطر محتمل من دول الطوق العربي بعد تدمير جيوشها وتفتيت شعوبها . . ولكن الحرس الثوري الايراني والميليشيات التابعة له قد حل محل هذه الدول الممزقة . فطبيعة الامور ترفض الفراغ . فجاء دور الحساب على ايران هذه المرة فحاولوا جعلها عدوة للعرب محل اسرائيل . ولكن هذا المخطط لم يحقق النجاح المرجو . فليس كل الخطط سالكة . . والامر اصبح بحاجة الى معالجة سريعة بدل ترسيخ الوجود الايراني في هذه الدول وعلى الحدود الاسرائيلية . والمعروف عن ايران انها تستغل القضية الفلسطينية لتحقيق اهدافها التوسعية في المنطقة
ولكن امريكا واسرائيل لاتريدان المواجهة المباشرة مع ايران . ولا مع اذرعها في المنطقة . وبما ان تجربة الحصار على العراق قد لاقت نجاحا في اضعاف الشعب والقضاء على اي روح للمقاومة . فقد تم تكرار هذه التجربة مع ايران . فجرى فرض عقوبات اقتصادية متتابعة وتصعيدية , وكان اقساها العقوبات التي طالت القطاع النفطي الايراني والذي يمثل عصب الحياة السياسية والاقتصادية في ايران . كما تم التصعيد الاعلامي معها لاستفزازها
جرت ضغوطات على روسيا لابعاد ايران عن الجولان والحدود مع اسرائيل . وايران برغماتية تحاول الحصول على المكاسب دون مواجهات ضارة لها . فانسحبت من مواقعها بالقرب من اسرائيل , ومع ذلك تم ضرب قواعدها في سوريا مرة بعد اخرى وسكتت . وكذلك سكت حزب الله في لبنان عن اي رد فعل , واكتفى بالتصريحات من ان الصواريخ قادرة على تدمير اسرائيل . كما صرح بعض الموالين لايران في العراق ان الحرب القادمة مع اسرائيل ستشعل تل ابيب بالصواريخ الايرانية . وفي خضم تصعيد الحرب الاعلامية هذه . خرج الرئيس الامريكي ترامب ليعلن ان الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية . وقد سبق وان حذرت القيادة الايرانية من ان اعلان مثل هذا القرار سيشعل الحرب في المنطقة كلها . ولم يابه الرئيس الامريكي لذلك . ويبدو ان الامريكان يعرفون جيدا حدود ايران واذرعها في المنطقة , وهم سائرون نحو التصعيد التدريجي . ولكنهم مازالوا غير راغبين بالتماس العسكري مع ايران . انها اذن عملية تقليم اظافر طويلة الامد , ومازالت الميليشيات التابعة لايران في انتظار توجيهات القيادة الايرانية للعمل على وفقها . وفي العراق اصبح من المستبعد قيام اي فصيل مسلح بتهديد جدي للقوات الامريكية في العراق وربما سنشاهد بعض الاعمال الانفرادية او لاغراض الحفاظ على ماء الوجه , وكذلك تصريحات ومحاولات استعراضية غير جادة لاصدار تشريع من البرلمان لاخراج القوات الامريكية من العراق
يبقى موقف رئيس الوزراء السيد عبد المهدي حرجا فلم يعد بامكانه مسك العصا من الوسط او النأي بالنفس من النزاع الايراني الامريكي بعدما اصبح العراق الساحة الرئيسة لهذا الصراع . ولن يطول الزمن حتى يدرك عبد المهدي انه اما ان يستجيب للمطالب الامريكية على حساب ايران . او ان يضرب العقوبات الامريكية عرض الحائط وينحاز الى الجمهورية الاسلامية . . وهو اقرب الى الاتجاه الثاني . وحتى لو حاول التمويه في الوقوف على الحياد فان الزمن ليس في صالحه وان هذا الموقف اذا كان مقبولا من الولايات المتحدة الان فانه في القريب العاجل سوف لن يصبح ممكنا
ونتيجة لذلك سيصبح صراع الاخوة الاعداء على السلطة في العراق على اشده , وهناك من يتربص بعبد المهدي لازاحته عن المسرح السياسي . انه صراع مصالح وليس صراعا وطنيا . فلم يعد احد يكترث بمصلحة الشعب العراقي من هذا الصراع . خصوصا وان اصدقاء ايران في العراق يفضلون المصلحة الايرانية على مصالح بلدهم وكثير من الاموال والمساعدات ترسل الى ايران رغم حاجة الشعب العراقي الملحة لها
ان قطاعات واسعة من الشعب العراقي اخذت تتململ من محاباة ايران , وهناك مطالبات واتجاهات داخلية تتزايد يوما بعد يوم لابعاد ايران عن الشأن العراقي . وقد ادركوا ان حكومات العراق الموالية لايران منذ ستة عشر عاما لم تقدم لهم سوى الخراب والفقر وانعدام الخدمات . وقد مر هذا الشعب بخيبات امل كثيرة من هذه الحكومات
ان التغيير قادم لامحالة في العراق , حيث سيواجه عبد المهدي ضغوطات كبيرة للتنحي او الاقالة , خصوصا بعد تظاهرات عارمة ستجتاح مدن العراق كافة في الصيف القادم وهو موسم الثورات والانتفاضات في العراق